من دار القرار إلى دار البوار، أخاطبك يا أبت.. أنا ابنك «محمد»، الذي سمّيته على اسم سيد المرسلين، ثم أنهيتَ حياته كما يفعل أسوأُ المجرمين.. ها أنت في محبسك لا تكاد ترفع رأسك من الإثم.. وها أنا ذا طائرٌ في جنان الرحمان.. طيورٌ غيري تنتظر لتفتح باب الفردوس لآبائها، أما أنا فلا أرى لأمثالك الذين أساؤوا لسوس العالمة مكانا في رحمة الله.. أسألك وألحُّ عليك في السؤال، كيف سوّلت لك نفسك أن تنهش لحم ابنك حيا وميتا؟ كيف لك أن تغتصب براءتي وأنت المفروض فيك حمايتي.. كيف هتكت عرضي المفروض فيك أن تموت دونه.. هل تذكر حكاياتك المرعبة عن «الواد الواعر» في ضواحي تارودانت؟ كنت تُخيفني بذلك الوادي وها قد رميتني بجواره، فنهَشَتْ جسديَ الصغيرَ الكلابُ الضالة، بعد أن نَهَشْتَني مرات عديدة، ثم خنقتني بيديك اللتين كان يُفترض بهما أن يمرا على شعر رأسي كلما اشتد روعي.. أجزم أنك كنت أكثر افتراسا من تلك الكلاب التي حاولت، على الأقل، أن تواري سوأتي.. لماذا فعلت ذلك يا أبت؟ ألأنني قلت لك، ببراءة الأطفال، «إذا لم تكفّ عن إيذائي، سأخبر أمي»؟! في أول مرة اقتربت مني وضممتني، حسبتك، كباقي الآباء، تريد أن تغمرني بفيض من حنانك، فداعبتني، ولم أعلم، أنا الغرُّ الصغير وبعد فوات الأوان، أنك كنت كالقط الذي يداعب الفأر قبل أن يُجهز عليه! ما أشد مصيبة والدتي! كانت توزع صوري وتسأل عني وأنت ترقبها غير آسف على ما اقترفت يمينك.. ماذا عسى أن تقول لربك عندما يسألك عن فعلتك؟ ألم يقل، عز من قائل، في كتابه العزيز «ولا تَقتُلوا النفْس التي حَرّم الله إلا بالحق»؟ لن أقول لك إلا ما قاله خليل الرحمان إبراهيم لأبيه آزر «يا أَبتِ إِنِّي أَخَاف أَن يَمَسّك عذابٌ مِن الرحمان فَتكُون للشيطان وليّا».. ثمانية ربيعا أنهيتها ببرودة دم وكأنك تذبح ديكا.. بأي ذنب قُتِلت؟ حتى الحيوانات لا تقتل أبناءها.. والإنسان مهما كان ذئبا لأخيه فلا يمكن أن يكون كذلك بالنسبة إلى فلذة كبده.. من أي طينة خُلقت يا أبت؟ وأي أرض تقلك وأي سماء تظلك بعد هذا الذي جنيته على ابنك؟ بأي وجه ستلقى ربك، وقبل ذلك، ماذا ستجيب في سجنك من سيسألك عن تهمتك؟ لو كان العدل قائما على الأرض لانتظرتك قريبا حتى نختصم عند الله.. أمَا وقد وجدت من يدافع عن حياتك، كأن حياتي لا تساوي شيئا في ميزان البشر، فلتعش حتى يقبضك الله في أجل لن تخلفه، وعندها لن تجد من يحميك وستشهد جوارحك بما فعلت بابنك.. وستروي كيف التفت يداك حول عنقي كالأفعى حتى فاضت روحي، وبعد أيام من التملّي في جثتي الهامدة، خرجت في جنح الظلام تحملني كالجيفة وترميني في حفرة باردة بدون أن يرف لك جفن.. لم ترحم ضعفي ولم تذكر كيف كنت تسأل الله أن يرزقك بطفل، فلما منحك إياه، أفرغت فيه مكبوتاتك وأمراضك! كيف كان النوم يداعب جفنيك وأنت ترى أمي تنوح ليل نهار، وترسل دموعها مدرارا؟ أنت يا أبت لم تخلق من الطين فقط، بل أنت الطين ذاته! لقد رأيت كيف لم يطق الناس، من دوار «الطالعة» والدواوير المجاورة، أن يروك وأنت تحاول أن تعيد تمثيل جريمتك.. لم يطيقوا حتى أن يروا مشاهد تمثيلية؟ وأنت ماذا فعلت؟ قابلتهم بابتسامتك الماكرة التي لم تغادر مُحيّاك كأنك فدائي قتل أحد رموز الاستعمار.. هل أخذتك العزة بالإثم؟ بئس ما فعلت يا أبت..