قال محمد مدني، أستاذ العلوم السياسية بالرباط، عندما يرشح البام أعيانا أو ذوي المال في مدينة ما فإنه من الناحية النظرية يمكن القول إنه قد يفوز، لكن هذا رهين بكيفية تصرف الزبناء يوم الاقتراع لوحظ لجوء حزب الأصالة والمعاصرة، بشكل مكثف، إلى ترشيح أصحاب الأموال والأعيان في انتخابات 7 أكتوبر، هل يمكن أن يكون لهذا التوجه أثر على النتائج؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى ثوابت في ما يتعلق بدور الأعيان وذوي المال على مدى التاريخ الانتخابي المغربي. للوهلة الأولى، يمكن أن نميز، في المنظومة الحزبية الموجودة، بين أحزاب الأعيان، حيث تدور الآلة الحزبية حول مجموعة محدودة من الأعيان لخدمة مصالحها، وبين أحزاب المناضلين، كما كان حزب الاتحاد الاشتراكي سابقا. هذه التصنيفات مازالت قائمة لدى بعض الأحزاب التي تدور حول شخص الزعيم ونائبه، حيث الحزب يشتغل لخدمة الزعيم، وحيث تشرف مجموعة ضيقة على تسيير الحزب. لكن، قد نجد داخل الحزب نفسه تعايش الأعيان والمناضلين، مثل ما وقع في حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي. ومع ذلك، تبقى هذه التصنيفات نسبية، فهناك مناضلون تحولوا إلى أعيان والعكس، هناك أعيان فقدوا نفوذهم لأسباب سياسية. لكن، هل الأحزاب تتعامل بالطريقة نفسها مع ظاهرة الأعيان وأصحاب الأموال؟ لا، الأحزاب لا تتعامل مع الأعيان بالطريقة ذاتها، فهناك أحزاب تعد قوتها الضاربة في اللجوء إلى الأعيان، وهذه الأحزاب عادة ما تكون قريبة من دوائر القرار، لأنه ليس من السهل اللجوء إلى تعبئة الأعيان دون ضوء أخضر. والأعيان أنفسهم ليسوا وحدة متجانسة، فمنهم عدة أصناف، فهناك أعيان العالم القروي، وحتى في العالم القروي هناك عوالم قروية تؤثر على نوعية الأعيان الموجودين، بين أعيان المناطق المهمشة وأعيان المناطق الأقل تهميشا. ثم هناك أعيان المدن الذين يشتغلون بطريقة مختلفة. وهناك نوع من الأعيان الجدد الذين ظهروا في إطار جمعيات تنموية. ما هو الأساس الذي يقوم عليه عمل الأعيان وأصحاب المال في الانتخابات؟ عمل الأعيان في الانتخابات يقوم على أساس الزبونية، أي علاقات مبنية بالأساس على التزام شخصي مباشر بين شخص مؤثر يمكن أن نسميه «الباطرون» وبين «الزبون». لهذا، لا يمكن فهم دور الأعيان دون فهم دور الزبونية في المجال الانتخابي. والزبونية تتخذ عدة أشكال؛ في العالم القروي، مثلا، تسود العلاقات التقليدية التي يغلب فيها الولاء والصداقة الشخصية. لكن، هناك زبونيات جديدة ظهرت، وهي مرتبطة بتأسيس جمعيات في مناطق قروية أو شبه قروية تتغذى على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي يرعاها النظام السياسي، حيث يحصل تأثير متبادل بين المنتخبين من أحزاب قريبة من مراكز القرار والجمعيات المذكورة. ما هي التغيرات والتحولات التي طرأت على دور الأعيان في الانتخابات؟ فعلا وقعت تغيرات، لكن الزبونية لم تنقرض. ما حدث هو تغير في علاقة «الباطرون» ب«الزبون»، حيث لم يعد الزبناء سجيني تعليمات «الباطرون». وقد ظهر هذا بوضوح في انتخابات 2015. في السابق، كان من السهل التعرف على نتائج الانتخابات مسبقا، لأن كل واحد من الأعيان له أًصوات معروفة في منطقة ما، لكن بعد التحولات التي وقعت اتضح أنه داخل العلاقات الزبونية برزت القدرة على العصيان. طبعا، نحن لا نتوفر على معطيات واضحة حول من صوت ضد من، لكن، هذا هو الانطباع العام. ولهذا، اليوم عندما يرشح البام أعيانا أو ذوي المال في مدينة ما، فإنه من الناحية النظرية يمكن القول إنه قد يفوز، لكن هذا رهين بكيفية تصرف الزبناء يوم الاقتراع، فقد يطبق جزء منهم تعليمات التصويت وقد يعصى آخرون، ما يؤثر على العملية الانتخابية، وهذا من التحولات العميقة التي عرفها المجتمع المغربي. إذا عدنا إلى سؤال البداية: هل رهان البام على الأعيان ستكون له نتائج؟ نعلم أن البام وأحزابا أخرى لجأت إلى الأعيان، انطلاقا من حيثيات مدروسة، في سياق بحثها عن أشخاص لهم تأثير واضح. لكن هذا لن يكون كافيا، خاصة في المدن. لقد اتضح أن الأعيان باتوا في حاجة إلى مواطنين ناخبين، وهؤلاء أصبح لهم هامش كبير لاتخاذ قرار التصويت، خاصة في المدن، ولم يعودوا أسيري «الباطرون» كليا. هل سنكون أمام تصويت سياسي مقابل تصويت على الأعيان والمال في انتخابات 7 أكتوبر؟ في الحقيقة، هناك أنواع كثيرة من التصويت. هناك فعلا التصويت السياسي، وهناك أيضا تصويت الإكراه، أو ما يسمى «العبودية الطوعية»، أي الأشخاص الذين يصوتون نظرا إلى خوفهم من تداعيات عدم دعمهم مرشحا ما، ويخشون انتقام السلطة منهم، خاصة عندما يكونون في حاجة إلى وثائق إدارية، وهذا موجود في بعض القرى. ثم هناك تصويت بناء على البيع والشراء، أي المقايضة النفعية المباشرة. ثم هناك صنف الزبونية التقليدية التي لا يكون فيها مقابل التصويت مباشرا، بل يتم بأشكال أخرى. وهناك، في المقابل، تصويت الرأي والضمير الذي برز على الخصوص في المدن، ويمكن أن نسميه التصويت السياسي، أي أن هناك ناخبين باتوا مقتنعين بعدم بيع صوتهم، ويعبرون عن عدم خوفهم من السلطة. وفي هذه الحالة، يمكن للناخب أن يصوت لحزب حتى ولو لم يكن قريبا من اختياراته لأنه حزب لا يشتري الأصوات، ولا يحتقر الناخب، وبالتالي، الناخب يصبح حرا أمام العرض الحزبي. هذا النوع من التصويت برز منذ انتخابات نونبر 2011، ثم تكرس في انتخابات شتنبر 2015 لصالح البيجيدي.