بالياريا تُطلق رسميًا خط طنجة – طريفة وتكشف موعد تشغيل باخرتين كهربائيتين    عملة "البيتكوين" المشفرة تنتعش وسط العواصف الاقتصادية العالمية    5 وفيات و7 إصابات في حصيلة أولية لانهيار منزل بالحي الحسني بفاس    فاس.. انهيار مبنى من ستة طوابق يخلف قتلى وجرحى واستنفاراً واسعاً للسلطات    الزلزولي يهدي بيتيس أول نهائي قاري    أمن تيكيوين يوقف مروجي مخدرات    تأجيل قضية محاكمة ناشطين بحراك فجيج    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    اتحاد طنجة يضمن بقاءه في القسم الأول من البطولة الاحترافية    صدام إنجليزي في نهائي الدوري الأوروبي    سعر الذهب يتأثر باتفاق تجاري جديد    المغرب يقود إفريقيا الأطلسية نحو نيويورك    الصين وروسيا تجددان تحالفهما عبر إعلان مشترك شامل    أوروبا تكشف بضائع أمريكا المعاقبة    فتح تحقيق في ممارسات منافية للمنافسة في سوق توريد السردين الصناعي    أسبوع القفطان بمراكش يكرم الحرفيين ويستعرض تنوع الصحراء المغربية    أكاديمية المملكة تتأمل آلة القانون بين الجذور المشرقية والامتدادات المغربية    مواجهة حاسمة بين المغرب التطواني وشباب السوالم لتحديد النازل الثاني للقسم الوطني الثاني    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الشعر الحساني النسائي حاضر في فعاليات الدورة ال18 لموسم طانطان 2025    خبراء: انضمام المغرب ل"بريكس" غير مستبعد    في عيد ميلاده الثاني والعشرين: تهانينا الحارة للأمير مولاي الحسن    وزير الأوقاف المغربي يقيم مأدبة غداء تكريما لوزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة    مجلس تزطوطين يستقبل مسؤولي التطهير السائل ويصادق على جدول أعمال دورة ماي    انتخاب الكاردينال الأمريكي بريفوست بابا جديدًا للفاتيكان    المستشارون يدعون إلى تعديل خريطة الاختصاصات بين المركز والجهات    بعد إسقاط باكستان لرافال الفرنسية.. واشنطن تراقب أداء الطائرات الصينية المستعملة في الحرب مع الهند    وزير التشغيل والكفاءات يكشف إجراءات تفعيل العمل عن بعد بالمغرب    مكتب السياحة يسعى للحصول على تصنيف "China Ready" لاستقطاب السياح الصينيين    كرة القدم داخل القاعة لأقل من 19 سنة.. المنتخب المغربي يتعادل مع نظيره الإسباني (6-6)    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    انتخاب الكاردينال الأمريكي بريفوست بابا جديدًا للفاتيكان    أتاي مهاجر".. سفير الشاي المغربي يواصل تألقه في "معرض ميلانو" ويعتلي عرش الضيافة الأصيلة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة        «أول مرة»… مصطفى عليوة يطلق عرضه الكوميدي الأول ويعد الجمهور بليلة استثنائية من الضحك    انفجار في مدينة لاهور الباكستانية وإسقاط مسيرة هندية    الأميرة للا حسناء تقيم بباكو حفل شاي على شرف شخصيات نسائية أذربيجانية من عالم الثقافة والفنون    محكمة الاستئناف بالرباط تُخفض عقوبة النقيب محمد زيان    أشرف حكيمي يدوّن اسمه في التاريخ ويصبح المدافع الأكثر تأثيرًا هجوميًا بدوري الأبطال    البرلمان يناقش رئيس الحكومة حول إصلاح وتطوير المنظومة التعليمية    أبريل 2025 ثاني أكثر الشهور حرارة عالميا    وداديون يحتفون بحلول الذكرى ال88 لتأسيس النادي    منصات المخزون والاحتياطات الأولية.. بنيات جهوية موجهة للنشر السريع للإغاثة في حال وقوع كوارث    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    السيد ماهر مقابلة نموذج رياضي مشرف للناشطين في المجال الإنساني    لجنة: زيادة مرتقبة للأطباء الداخليين    زيان قبل الحكم: قول الحق صعب.. والحق لم يترك لعمر صديق    الغربة والذياب الجائعة: بين المتوسط والشراسة    فنانون مغاربة يباركون للأمير مولاي الحسن عيد ميلاده ال22    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    مكناس تبدأ في بناء محطة قطار حديثة بتكلفة 177 مليون درهم    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"اليوم24" يقتفي أثر شباب مغاربة في سجون تركيا
نشر في اليوم 24 يوم 11 - 06 - 2016

تركيا: فاطمة سلامفي هذا التحقيق، ترصد "اليوم24" حصريا، معاناة الاعتقال والسجن والتحقيق والترحيل التي عانى منها الشباب المغاربة في تركيا، والتحقيق معهم هناك وفي المغرب، وترصد بالأسماء والوثائق المعاناة المستمرة ل32 شابا المتبقين في تركيا "في ظروف لا إنسانية"، كما جاء في شهادات حصل عليها "اليوم24″ منهم ومن عائلاتهم في المغرب، ومن مصادر من داخل معتقلهم في تركيا، نقدم بعضها بأسماء مستعارة بناء على طلبهم وحماية لهم، ونقدم بعضها الآخر بأسمائهم الحقيقية بإذن منهم.
سرعان ما كان رجال الشرطة يسجلونهم على أنهم غير سوريين، عندما يسألونهم عن عاصمة سوريا، أو عن ألوان العلم السوري، أو العملة السورية، ولا يعرفونها، وأتذكر هنا أن شخصا رد على سؤال من رئيس النظام السوري بالقول إنه صدام حسين".
رأيتهم يخرون على ركبهم، وسمعتهم يصيحون يطلبون تنفس الهواء وشرب الماء، لم يعطوهم أي وجبة في الطريق، وقضوا حاجتهم في ثيابهم.
في 18 مارس 2016، توصلت تركيا والاتحاد الأوروبي، في العاصمة البلجيكية بروكسيل، إلى اتفاق يقضي شق منه باستقبال الجانب التركي للمهاجرين السريين الواصلين إلى جزر يونانية، ممن تأكد انطلاقهم من تركيا، وإيواء السوريين منهم في مخيمات على أراضيها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة المهاجرين من الجنسيات الأخرى إلى بلدانهم. الإجراءات التي كانت تركيا فعليا قد بدأت في اعتمادها. بين المهاجرين السريين إلى اليونان عبر تركيا، كان هناك 172 شابا مغربيا، متوسط أعمارهم 20 سنة، حولتهم في الأسبوع الأول من مارس 2016، السلطات اليونانية إلى مدينة "أدرنة" في الجانب التركي من الحدود بين البلدين، في الوقت الذي كانت فيه استعدادات إطلاق الاتفاق التركي الأوروبي جارية على قدم وساق. من بين 172 شابا مغربيا، رحلت السلطات التركية تحت إشراف القنصلية المغربية في مدينة إسطنبول، 140 شابا، مستبقية 32 آخرين في أراضيها، وزعتهم على سجونها في مدن حدودية "خطيرة".
من قلعة السراغنة إلى الدار البيضاء
"خالد" )اسم مستعار( من مواليد 1995، ينتمي إلى أسرة فقيرة، من أحد دواوير إقليم قلعة السراغنة، ترك المدرسة ليساهم في إعالة أسرته، ويتقاسم أعباءها مع أخيه الذي سبقه على خط الهجرة غير الشرعية إلى الديار الأوروبية. وبمساعدة مادية من شقيقه، سافر في يناير 2016 إلى إسطنبول، وصولا إلى مطار صبيحة الدولي. هناك استقبلته وسيطة "الحريك". اسمها "نزهة" مغربية، متزوجة من سوري وسيط أيضا، ويقيمان بحي "أكسراي" الذي يعتبر من بين أسوأ أحياء المدينة.
يقول شقيق خالد في تصريح ل"اليوم24″ إنه دفع 800 أورو، أي ما يعادل 8700 درهم مغربي، مقابل أن يقضي أخوه 7 أيام في ضيافة نزهة وزوجها بإسطنبول، ثم تحويله إلى "الحراك" المشرف على عملية الهجرة، عبر خط مدينة "أزمير" أقرب نقطة تركية للجزر اليونانية.
"الزودياك" أو القارب المطاطي الذي حشر فيه 50 مهاجرا "كان به ثقب، وتدخل خفر السواحل اليوناني لإنقاذنا من الموت غرقا في بحر إيجه". تقول"رشيدة صنداوي" نقلا عن ابنها "أنس عبده"، من مواليد 1989 بمدينة الدار البيضاء، الذي سلك قبلا بتاريخ 17 دجنبر 2015، نفس درب خالد نحو الحلم الأوروبي.
لم يعرفا بعضهما، لكن المصير المشترك جمع أنس وخالد، وبقية الشباب المغاربة 172، مع 100 شاب آخر من الجزائر، بداية في سجن "كورينثوس" أو مركز الاعتقال الجماعي الذي يبعد بنحو ساعة واحدة عن العاصمة أثينا، ثم في "الكامب" المخيم المشدد الحراسة في مدينة "أدرنة" التركية.
التعذيب و"نقل الخراف" من كورينتوس إلى "أدرنة":
في الجزر اليونانية "رودوس وليسفوس وكيوس وميتيليني وسيمي وليفكادا" التي يصلها المهاجرون غير الشرعيون القادمون بحرا من تركيا، هناك نقاط تجميع يشرف عليها الأمن اليوناني ومنظمات إنسانية دولية. أنس عبده، لجأ إلى واحد منها، في مخيم تشرف عليه منظمة إغاثية، وهو نفس المكان الذي لجأ إليه خالد، لكن عمل المنظمات الإنسانية، ينتهي عندما يبدأ عمل الأمن.
"ندى" اسم مستعار نضعه لمقدمة أخبار سورية شهيرة بإحدى دول الخليج، قررت في لحظة إنسانية نادرة أن تحزم حقائبها وتشارك تطوعا في استقبال اللاجئين من أبناء بلدها المنكوب وبلدان أخرى. اختارت "ندى" جزيرة ليسفوس اليونانية، وهناك عملت مترجمة من العربية إلى الإنجليزية، كصلة وصل بين المهاجرين والشرطة. وفي هذا الصدد تقول في تصريح ل"اليوم24″: "إن من بين الجنسيات الوافدة بين المهاجرين، كان هناك مغاربة، سجلنا أسماءهم وأعمارهم، وقدمنا لهم خدمات من أكل وثياب وخدمات طبية لازمة. ولأن طبيعة عملي التطوعي كانت تقضي بأن أحضر عملية تحقق رجال الشرطة اليونانيين من هويات المهاجرين، وتقديم خدمة الترجمة بينهم، كنت أحجم عن القول بأن من يدعي أنه سوري ليس كذلك، كنت أفعل ذلك لاعتبارات إنسانية، فقد وصلوا لتوهم عبر البحر، وذاقوا الأمرين، لكن سرعان ما كان رجال الشرطة يسجلونهم على أنهم غير سوريين، عندما يسألونهم عن عاصمة سوريا، أو عن ألوان العلم السوري، أو العملة السورية، ولا يعرفونها، وأتذكر هنا أن شخصا رد على سؤال من رئيس النظام السوري بالقول إنه صدام حسين".
جزء كبير من المغاربة الذين وصلوا إلى الجزر اليونانية، لم يبقوا في المخيمات التي تقيمها المنظمات الإغاثية بالتعاون مع الدولة اليونانية، بل حولوا إلى سجن كورنثوس، تقول رشيدة صنداوي، والدة المهاجر أنس عبده، نقلا عنه أيضا، من المكالمات الهاتفية المعدودة التي أجرتها معه في السجن "تكرفصوا عليهم تماك مزيان، عذبوهم وكانوا يبقون الإنارة في الغرف ليلا، ويعطونهم رغيف خبز واحد في اليوم، ليبقيهم أحياء، لكن ليس ليشبعهم".
الأسبوع الأول من مارس 2016، نقلت السلطات اليونانية باتفاق مع السلطات التركية، 250 مهاجرا من جنسيات مغربية وجزائرية. هنا دخل على الخط مصدر معتبر توصلنا إليه، لعب وما يزال دور الوسيط بين الشباب المهاجرين وبين عائلاتهم، بمجهود شخصي وإنساني سري، نضع له أيضا بناء على طلبه اسما مستعارا هو "يحيى" ونتحفظ عن ذكر جنسيته حماية له، يقول في شهادته ل"اليوم24″ إن: "السلطات اليونانية كدست الشباب في أربع شاحنات عسكرية، وأوصلتهم في فوجين، بعد رحلة دامت نحو 13 ساعة، إلى قرية "إبصلة" الحدودية التي تبعد عن مدينة "أدرنة" التركية مسافة ساعة ونصف برحلة في السيارة. وأهون ما يمكن أن يوصف به المشهد هو القول بأنه كان صادما. الشاحنات كانت مسيجة بالحديد، في أعلاها نوافذ صغيرة لدخول الهواء، حُشر فيها الشباب، وعندما سلموا للأمن التركي، وفتحوا أبوابها، تدافعوا للخروج منها. لقد رأيتهم يخرون على ركبهم، وسمعتهم يصيحون يطلبون تنفس الهواء وشرب الماء، لم يعطوهم أي وجبة في الطريق، وقضوا حاجتهم في ثيابهم، وأذكر أنه كان من بين الواصلين شاب مغربي بيد مكسورة، وشاب جزائري بضربة في الرأس".
"الكامب".. التحقيق والتعذيب والإضراب عن الطعام
الكامب أو المخيم، هو مؤسسة مشددة الحراسة من طابقين، خصصتها السلطات التركية لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين. تسلمت السلطات التركية الفوجين اللذين يضمان 150 شابا مغربيا، و100 شاب جزائري ) 22 شابا مغربيا آخر، تتمة ل 172، قدموا في أفواج أخرى لاحقا،( بعد أن تم نقلهم في ظروف أفضل في حافلات إلى الكامب في "أدرنة"، كما قُدمت لهم "سندويشات" وماء.
لكن مباشرة بعد وصول الفوجين، بدأت عمليات الإحصاء والتثبت من الأسماء والجنسيات، استمر ذلك لساعات متعبة، حسب مصدرنا من الداخل، "يحيى" الذي حضر العملية، كما حضر كل التحقيقات مع الشباب مغاربة وجزائريين.
"أول ما عمدت إليه، يوم الوصول، السلطات التركية خلال تحقيقاتها، هو تفتيش الشباب لنزع أي أسلحة بيضاء قد يحملونها، وتجريدهم من أية أموال معهم، ونزعوا من هواتفهم المحمولة بطارياتها، ثم بدأت الأسئلة عبر مترجمين من العربية إلى التركية، عن الاسم والجنسية، وسبب الهجرة إلى اليونان"، يقول يحيى.
استمرت هذه العملية لساعات طويلة، جعلت الشباب يحتجون ويطالبون بالتحدث مع أسرهم لطمأنتها عليهم، ولتدبر أمر عودتهم "وعندما تصاعدت أصوات الاحتجاج، تدخل رجال شرطة الكامب وضربوا المحتجين". في هذه اللحظة بالذات "عزمت على مساعدة هؤلاء الشباب"، يضيف يحيى.
كان ذلك عبر شحنه لخط مكالمات دولي مفتوح، مع توفير الإنترنيت على هاتفه المحمول، واستطاع بحكم مهمته داخل الكامب التسلل أحيانا إلى الشباب، ومنحهم هاتفه ليكلموا أسرهم "كان المطلوب أن يحصلوا على نسخ من أوراقهم الثبوتية للتحقق من الجنسية ومراسلة سفارات بلدانهم قصد ترحيلهم، وكان يمكن أن يأخذ الأمر شهورا، فإدارة "الكامب" لم توفر بداية أي وسيلة اتصال للشباب".
مجموعة صغيرة من الشباب المغاربة، التي قدمت إلى "الكامب" وظلت تحتفظ بجوازات سفرها، ولم تسلمها للوسيط كما تفرضه قوانين الهجرة غير الشرعية، رحلت في الأسبوع الأول من وصولها إلى "الكامب". وفي المغرب علم يحيى من خلال تواصله معهم، أنهم لم يعانوا في تحقيق السلطات المغربية كثيرا، إذ أُطلق سراحهم بعد ساعتين وعادوا إلى أسرهم "لكن البقية عانت الأمرين حتى توصلت بنسخ من أوراقها الثبوتية".
كانت تصل يحيى، يوميا عشرات الصور للأوراق الثبوتية للشباب عبر الواتساب، وعلى حسابه على فايسبوك، من المغرب والجزائر، يزود بها إدارة "الكامب". وهذه الأخيرة تقدمها بدورها لسفارات كل من المغرب والجزائر، كما أنها حددت مواعيد لكل من القنصل المغربي في إسطنبول، والقنصل الجزائري لزيارة "الكامب"، للقاء الشباب وتسليم إذن المرور لهم.
وللوصول إلى هذه المرحلة، خاض الشباب عدة احتجاجات "تدخل فيها كل مرة، رجال شرطة الكامب بالعنف ضد الشباب". وتعود أسباب هذه الاحتجاجات، حسب يحيى، إلى قذارة الغرف واكتظاظها بهم، وإلى طرق التعذيب النفسية التي كان يلجأ إليها رجال الشرطة، إضافة إلى رداءة الأكل، ثلاث وجبات هزيلة يوميا، وإخراجهم للفسح لفترة قصيرة قبل حشرهم من جديد في الغرف، ناهيك عن أن إدارة "الكامب" عندما سمحت لهم بالاتصال هاتفيا مع أسرهم كان ذلك لدقائق معدودة، وعندما فتحت أمامهم دكان بِقالة صغير لم تكن معهم نقود ليشتروا ما يحتاجونه".
في زيارته للكامب، جلس القنصل المغربي مع الشباب المغاربة فردا فردا، وأبدى استعداده للتعاون الكامل من أجل ترحيلهم نحو المغرب على أن تستكمل الإجراءات الأمنية معهم هناك، وهو الأمر ذاته ما تحدث عنه وفد القنصلية الجزائرية خلال زيارته لاحقا للكامب. الفرق هو أن الجزائر رحّلت العدد كاملا (100شاب جزائري إلى بلادها)، بينما المغرب وبعد أن بدأ في عملية ترحيل المهاجرين المغاربة (172) في أفواج يضم كل واحد منها 15 شابا، توقفت عن ذلك عندما قاربت استكمال العدد )توقفت عند 140) لسبب فسره موظف في الكامب لمصدرنا يحيى هو أن "السلطات المغربية طلبت استبقاء 32 شابا المتبقين، إلى حين إعادة التحقيق أو استكماله مع الشباب الذين وصلوا إلى البلاد، كإجراءات أمنية بعد تفجيرات بروكسيل الإرهابية".
تفجيرات بروكسيل كانت بتاريخ 22 مارس 2016، بعدها وإلى حدود 25 أبريل 2016، خاض الشباب المغاربة المتبقين "عصيانا وصل ببعضهم إلى محاولة الانتحار عبر تكسير زجاج النوافذ وضرب أنفسهم، وخوض إضراب عن الطعام، ردا على الوضع الذي زاد تأزما مع وصول أفواج المهاجرين الأفارقة أيضا، والأفغانيين والباكستانيين، والعراقيين، بعد بدء سريان الاتفاق التركي الأوروبي بشأن اللاجئين، في 4 أبريل 2016".
خالد من قلعة السراغنة، ربما كان آخر من استطاع المغادرة صوب المغرب، وذلك في 22 أبريل 2016، بعد استعطافات متتالية من أخيه للوسيطة "نزهة" لإيصال جواز سفره الذي تحتفظ به إليه، خصوصا "وأن كل من معه جواز سفره يُرحّل فورا"، حسب يحيى. وفي اتصال ل"اليوم24″بخالد، حيث هو الآن في قريته، يقول إنه "لا يريد الحديث عن أسوأ أشهر مرت في حياته، مشددا على أن آخر ما يعلق به من زملائه السابقين في الكامب هو ما يحاول الأتراك إيصاله لهم، بالقول إن المغرب لا يريد استيلامهم".
عند وصوله إلى الدار البيضاء، استمر التحقيق مع خالد في ولاية أمن المدينة من الساعة الواحدة ظهرا حتى الساعة السادسة مساء، إذ ركزت أسئلة المحققين المغاربة على أسباب هجرته السرية، وعن خط سير رحلته، قبل أن يتم إطلاق سراحه.
وعندما حاول "اليوم24" الوصول إلى "أدرنة"، والاقتراب أكثر من ظروف المهاجرين المغاربة المعتقلين، بالرغم من التشديد الأمني على الكامب، حسب مصدرنا المطلع، مُنعت، منعت في محطة "أوتوكار" بإسطنبول، فأصحاب الجنسية المغربية ينضافون إلى الجنسيات الجزائرية والعراقية والأفغانية، فكلهم ممنوعون من السفر إلى أي مدينة تركية حدودية، ما لم تتوفر لديهم أوراق الإقامة الرسمية كاملة بتركيا.
شكوى عائلات مكلومة:
بعد العصيان الذي خاضه الشباب المغاربة وإضرابهم عن الطعام، عمدت إدارة الكامب منذ أزيد من أسبوعين، إلى تفريقهم، محتفظة ب5 منهم في الكامب بأدرنة، ومحولة 6 شباب إلى سجن مدينة "أرزروم"، و6 شباب إلى سجن مدينة "أزمير"، و3 شباب إلى سجن مدينة "أضنة"، و6 شباب إلى سجن مدينة غازي عنتاب، "هذه الأخيرة حدودية مع سوريا، ونشاط خلايا من تنظيم داعش الإرهابي بها وارد جدا، وأخشى على الشباب في ظل إحباطهم النفسي أن يتم استقطابهم"، حسب يحيى.
من بين 32 من الشباب الذين مازالوا رهن الاعتقال في الكامب بأدرنة، أنس عبده، حيث تناضل والدته رشيدة صنداوي يوميا، إلى جانب السعدية بوغابة، واكزادي أمينة، وأحمد الشحماوي، وعبد الرزاق الترناتي، من أجل ترحيل أبنائهم إلى المغرب، واستكمال الإجراءات الأمنية معهم في بلدهم.
وتشدد رشيدة صنداوي، في تصريحها ل"اليوم24" على أن ابنها وبقية الشباب المغاربة المعتقلين "لا علاقة لهم بأي أنشطة أمنية، وأن همهم كان هو الوصول إلى أوروبا، ومساعدة عائلاتهم وتحقيق طموحاتهم الحياتية".
ولا يطالب أولياء الأمور السالف ذكرهم بإطلاق سراح أبنائهم فقط "بل بإطلاق سراح كل الشباب المغاربة المعتقلين في تركيا، وترحيلهم إلى المغرب، خاصة وأن آباءهم في وضعية لم تسمح لهم بالقدوم من قراهم البعيدة للنضال معنا من أجل أبنائنا".
فبعد أن أعياهم طرق أبواب ولاية أمن الدار البيضاء، أعد أولياء الأمور لائحة بأسماء الشباب المعتقلين، تقدموا بها بتاريخ 23 ماي 2016، مع شكاية لدى كل من وزارة الداخلية في الرباط، ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون، والوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، تكفل موظف بمنحها الرقم الإداري "31551"، طالبا منهم العودة بعد 20 يوما.
يقول أولياء الأمور في شكاياتهم المرفوعة للوزارات السالفة الذكر، والتي حصل"اليوم24″ على نسخة منها: "أبناؤنا هناك في ظروف لا إنسانية، تحط من كرامة الإنسان، وتخالف المقتضيات والتشريعات الدولية والاتفاقيات الموقع عليها من طرف المغرب في هذا المجال"، واضعين أنفسهم وأبناءهم بأمر أي تحقيق، لكن وهم في وطنهم.
هذا إداريا، لكن ما تشرحه رشيدة صنداوي ل"اليوم24" عن مشاعر أم تذهب كل يوم إلى ولاية الأمن وتنتظرعودة ابنها، إذ كلما حل فوج من المهاجرين آتيا من تركيا، تذهب مسرعة لتبحث عن أنس بينهم، وهو ما يجعل مقولة "الوطن غفور رحيم" أحق بإحقاقها في هكذا ظرف، وبالأخص مع حلول شهر رمضان. لكن رغم ذلك لا يعفي الآباء من مسؤولية مسايرة ومساعدة أبنائهم في اختيارهم طريق الهجرة السرية الخطير. "أنس" على سبيل المثال كما تقول والدته "حمل معه إلى تركيا ما يقارب 3000 أورو، هذا غير المال الذي كنت استعطف أخته المهاجرة بالديار الإسبانية أن ترسله له"، وهو ما يجعلها تضيف في اعتذار: "تعمينا وسمحنا لاولادنا بضغطهم يهاجروا من أجل تحقيق أحلامهم، ودابا ها حن كنتعذبو. بغينا غير نشوفوهم. عافاكم اغيثونا غنموتو احنا وهم من القهرة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.