في لحظات الدهشة والاستغراب والخوف التي انتابت أمريكا والعالم بعد إعلان فوز دونالد ترامب برئاسة أمريكا، خرج شاب أمريكي مناهض لترامب بتعليق ساخر وطريف. بسيط في صيغته، بليغ في دلالته. كتب ما يلي: "2016: ترامب رئيسا لأمريكا..2017: هذه ليست تجربة. هذا إنذار الطوارئ الذي يعلن بداية ليلة التطهير السنوية التي أقرّتها الحكومة الأمريكية. استعمال الأسلحة المحددة من طرف الحكومة للقتل في هذه الليلة جائز. خلال الساعات 12 المقبلة كافة الجرائم مسموح بها. ليبارك الرب أمريكا". اقتبس الشاب الإنذار التحذيري من فيلم الرعب الأمريكي الشهير "ليلة التطهير (The Purge)"، الذي يتخيل زمنا قريبا في أمريكا تصبح فيه جرائم القتل مشروعة لليلة واحدة في السنة، وعلى بعد دقائق من منتصف الليل، وقُبيل إعطاء انطلاقة حفلات الإعدام والتنكيل وتصفية الحسابات والتعذيب السادي والانتقام، ل"تحرير الغضب" الأمريكي، يتلو صوت نسائي بلا مشاعر، شبه آلي، بيانا يذكر فيه الأمريكيين عبر شاشات التلفاز أن الأمر لا يتعلق بمزحة أو إنذار تجريبي، وإنما بمجزرة حقيقية ستبدأ في لحظات، على من لا يرغب في المشاركة فيها أن يجد ملجأ أو مغارات.. لازال ترامب لم يصدر قانون "ليلة التطهير" بكامل العنف والدموية الذي تخيّله بها مخرج الفيلم، لكن سياسته تَعِد بليالي تطهير قاتمة سيذوق مرارتها الإنسان المقهور في هذا العالم الذي يرتقي مراتب الجنون بسرعة قياسية. حين عاد ترامب ليؤكد تأييده لتعذيب "أعداء" أمريكا، "الإرهابيين"، على كل ما في هذا الوصف من اختزال وظلم وتعميم، بذريعة (Fire with Fire) بتعبيره، أو ما يقترب من "العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم" بتعبيرنا، كنت أود أن أسأل ترامب، ومن البادئ يا زعيم أمريكا المفدّى؟ من يشعل النار باستبداده؟ من يغذي الكراهية برعونته؟ ثم تخيّلت وقع كلمات ترامب المتسامحة مع ممارسة التعذيب على المحققين والجنود وأصحاب الرتب العسكرية الرفيعة الذين يستخفي خلف هيآتهم الرصينة جلاّدون بشعون يكرهون "المسلم" و"العربي"، ويترادف الاسمان في سماعهما مع لفظ "إرهابي"، ويجرون وراءهم سجلات حافلة من الفظاعة والرذيلة من حكايات أبو غريب الأليمة إلى قصص غوانتنامو الفاجعة. تخيّلتهم يتبادلون النظرات "المتواطئة" وهم يسمعون كلام الرئيس، ويفكرون في طرق التعذيب الجديدة التي سيسلكونها في "استخلاص الاعترافات" من "أعداء" أمريكا، والأوسمة التي سينالونها بعد ذلك من أيدي الجلاّد الأكبر. حرّم ترامب التراب الأمريكي على رعايا سبع دول إسلامية تحت شماعة محاربة الإرهاب، وأمر ببناء جدار مع المكسيك متأسيا بنتنياهو، ووضع حدا لتمويل الجمعيات المدافعة عن الإجهاض داخل أمريكا، ووعد بتحالفات وشراكات اقتصادية متمردة على النظام القديم، والطريف أنه اتخذ كل هذه القرارات تحت شعار مخادع آخر هو "أمريكا أولا"، كأن أمريكا ومصالحها لم تكن يوما هي الموجه رقم واحد لكل حركات وسكنات واشنطن. لكن الأمر اللافت للانتباه في مهرجان البؤس الرئاسي هذا، هو رد فعل الشارع الأمريكي والمسؤولين القوي. أول أمس، أقال ترامب سالي ييتس وزيرة العدل بالوكالة بعدما عارضت قراره بمنع المهاجرين من دخول أمريكا. أول أمس، أيضا، حضرت معاناة المهاجرين العالقين بمطارات أمريكا والعالم خلال حفل توزيع جوائز نقابة ممثلي الشاشة (SAG awards) الرفيعة. خطابات نارية ألقاها نجوم هوليود ضد ترامب. وساحات أمريكا الواقعية والافتراضية تتحرك بقوة ضد ترامب. المحامون والحقوقيون يرابطون بالمطارات، فيما المسيرات والمظاهرات لا تتوقف بالشوارع. سنة 2016 ، وعلى مقربة من موعد الانتخابات، قرر مخرج "ليلة التطهير" جيمس ديموناكو، عرض الجزء الثالث من فيلمه الذي حقق جزءاه السابقان إيرادات كبيرة. سمّى الجزء الثالث "ليلة التطهير: عام الانتخابات". وكان اسما على مسمى. أظن أنه لو فكر الآن في إخراج جزء رابع لن يجد عنوانا أفضل من "ترامب: ليالي التطهير"…