على مشارف مدينة القنيطرة، يشهد المغرب ولادة مشروع صناعي غير مسبوق، من شأنه أن يشكل نقطة تحول استراتيجية في مسار تطوره الصناعي والطاقي. فقد أعلنت شركة "غوشن باور المغرب"، التابعة للمجموعة الصينية الأوروبية Gotion High Tech، عن انطلاق أشغال بناء أول "جيغا فاكتوري" لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية في القارة الإفريقية، وهو مشروع ضخم يعكس طموح المملكة في التموقع كمركز عالمي للصناعات النظيفة والمستقبلية. ووفق ما نقلته وكالة "رويترز"، فإن الأشغال التمهيدية للموقع قد شارفت على الانتهاء، فيما ستنطلق أعمال البناء الفعلي خلال الأيام القليلة المقبلة، حسب ما أكده خالد قلم، الرئيس التنفيذي للشركة. هذا المصنع العملاق يأتي ثمرة اتفاقية استثمارية تم توقيعها في يونيو الماضي، وتبلغ كلفته الإجمالية نحو 6.5 مليار دولار، في واحدة من أضخم الاستثمارات الصناعية في تاريخ المغرب. ومن المرتقب أن يبدأ المصنع إنتاجه الفعلي خلال الربع الثالث من عام 2026، بطاقة أولية تبلغ 20 جيغاواط، على أن يتم توسيعها لاحقاً لتصل إلى 40 جيغاواط في المرحلة الثانية من المشروع، وفق الاتفاق المبرم مع الحكومة المغربية. لكن أهمية المشروع لا تقف عند حجم الطاقة الإنتاجية فقط، بل تمتد إلى نوعية الأنشطة الصناعية التي سيحتضنها. فالمصنع لن يقتصر على إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، بل سيشمل أيضاً تصنيع مكونات أساسية مثل الكاثودات والأنودات، ما يحوّله إلى مجمع صناعي متكامل. ويستهدف هذا المشروع بالأساس السوق الأوروبية، حيث أكد خالد قلم أن المصنع تلقى بالفعل طلبات من عدد من الشركات الأوروبية المصنعة للسيارات، ما يعكس الثقة الدولية المتزايدة في موقع المغرب كمحور استراتيجي ضمن سلاسل التوريد العالمية للطاقة النظيفة. ويأتي هذا الاستثمار الضخم ليعزز المكانة المتنامية للمغرب في مجال الاقتصاد الأخضر، حيث أصبح يشكل وجهة مفضلة للشركات العالمية الباحثة عن بيئة مستقرة واستراتيجية لدعم انتقالها الطاقي. كما يعكس هذا المشروع التقدم الملموس الذي أحرزته المملكة في تطوير البنيات التحتية وتحسين مناخ الأعمال، فضلاً عن الانخراط القوي في التحول نحو الطاقات المتجددة والتكنولوجيا النظيفة. بهذه الخطوة، يؤكد المغرب مجدداً طموحه الكبير لأن يكون في قلب الثورة الصناعية الجديدة، ويضع لنفسه مكانة متقدمة في سباق التحول العالمي نحو الطاقة المستدامة، من خلال مشاريع عملاقة تحمل في طياتها فرصاً اقتصادية واعدة، وآفاقاً جديدة للتنمية والصناعة الوطنية.