في غفلة من الجميع أجرت إحدى المؤسسات استطلاعا للرأي بتعاون مع أحد المواقع الإلكترونية. كيف جرى الاستطلاع في غياب قانون منظم للمهنة؟ فقانون استطلاع الرأي لم ير النور بعد. والاستطلاع المذكور رخص له مصطفى الخلفي وزير الاتصال والمحسوب على فريق عبد الإله بنكيران داخل العدالة والتنمية. ويتم الأمر اليوم عن طريق طلب موجه لوزير الاتصال. لكن بعيدا عن قصة الترخيص وعن قصة غياب القانون يبقى استطلاع الرأي أمرا دقيقا ويضع مؤشرات أمام الحكومات ورجال الأعمال وأمام الأشخاص قصد توجيه العمل والاشتغال. فاستطلاع الرأي علم دقيق جدا، ويحتاج إلى مؤسسة قائمة الذات، ويحتاج إلى خبراء في الميدان، ويحتاج إلى موارد بشرية مؤهلة، كما يحتاج إلى معايير للاشتغال واضحة، سواء فيما يتعلق باختيار العينات أو استخراج الخلاصات وعرضها على المتتبع وكذلك باروميتر الصعود والنزول الذي يكون محددا بنسب دقيقة وليس خاضعا لمزاج من يرغب في استطلاع الرأي. وفي نظرنا أن المؤسسة الوحيدة في المغرب التي تتوفر فيها هذه الخصائص، والتي من حقها أن تجري استطلاعات الرأي هي المندوبية السامية للتخطيط، التي تتوفر على خبرة دولية كبيرة ومشهود لها بها، وتتوفر على موارد بشرية مؤهلة جدا، وتتوفر على خبراء في الميدان وإحصائياتها مشهود لها بها دوليا، بل إن الأممالمتحدة تعترف بنتائج إحصائياتها. من خارج المندوبية السامية للتخطيط لا يمكن سوى الحديث عن هواة استطلاع الرأي شبيهة بتلك التي تجريها الصحف لما تخرج للشارع وتختار عينات للحديث إليها أو ما يقوم به الإعلام الإلكتروني عندما يضع استفتاءات لرواده قصد الإجابة عنها. فعندما جاء الخلفي إلى وزارة الاتصال جمع في يوم دراسي المواقع الإلكترونية وأصحاب المدونات والصفحات الشخصية، وأصدر كتابا أبيضا حول المهنة ما زال في طيات المجهول، وتبين أن الهدف من اليوم الدراسي هو السيطرة والاستحواذ على المواقع الإلكترونية وكان له ما أراد من هيمنة مطلقة على الإعلام الإلكتروني وجزء مهم من الإعلام الورقي أو ما يسمى بالطبالجية. وهذه السيطرة كانت مرغوبة لمثل هذا الموعد. فما هي نتائج هذا الاستطلاع المخدوم؟ وهل خلاصاته حقيقية أم وهمية؟ فالاستطلاع لم يحدد سقف صعود ونزول الشعبية. فهل نزلت شعبية بنكيران حقيقة؟ فالأرقام تشير إلى 53 في المائة بما يعني ما يفوق النصف. وبالتالي عن أي نزول للشعبية نتحدث؟ فالاستطلاع أراد أن يبلغ رسائل كثيرة لمن يعنيهم موضوع الاستطلاعات. أولها أن شعبية بنكيران لم تسقط. وثانيها أن الفئات المعنية بالخطاب أساسا والقادرة على التأثير في الرأي العام وهي فئة المثقفين والنخب لم تفقد ثقتها في بنكيران. وثالثا أن المعارضة ليست على شيء. حيث وضع الاستطلاع حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، في ذيل المعارضة بعد الاتحاد الدستوري وهو أمر لا يستقيم بتاتا. فالأمر يتعلق بمخطط إعلامي ممنهج ينطلق من هدف السيطرة على المعلومة والتصرف فيها، وهي طريقة تحيل على الحزب الوحيد الذي حاربه المغاربة عبر تاريخ بناء الدولة الحديثة.