الحجر الصحي الذي أقره المغرب بسبب انتشار فيروس كورونا، هو ظرف استثنائي قد يكون نقمة للبعض بحكم شعورهم بالملل أو الفراغ، فيما يكون نعمة عند الآخرين لأنهم وجدوا في البقاء بالمنزل فرصة جيدة من أجل إعادة النظر في عدة أمور كانوا يغفلونها في حياتهم اليومية العادية. موقع القناة الثانية اختار ان يخصص فقرة تحت اسم "يومياتي في الحجر الصحي" في حوار من ثلاثة أسئلة رفقة شخصيات من عالم الفن والسياسة والثقافة والفن. وضيفة اليوم هو الشاعر والفنان التشكيلي، عزيز أزغاي، حاصل على شهادة الدكتوراه في النقد الفني. صدرت له الدواوين الشعرية التالية: "لا أحد في النافذة" (1998)، "كؤوس لا تشبه الهندسة" (2002) "رصاص الموناليزا"، و "أكبر من قميص" (2009)، "الذين لا تحبهم" (2010)، "أسرى على قماش" (2015) وأخيرا "حانة الذئب". وترجمت بعض نصوصه الشعرية إلى الألمانية والهولندية والفرنسية. كما أقام عدة معارض فنية داخل المغرب وخارج. نص الحوار.. كيف تقضي يومك في ظل الحجر الصحي؟ أعتبر نفسي مواطنا أكثر حظا كوني اعتدت، قبل سنوات من انتشار الوباء اللعين، على نمط حياة خاص بي هيأني، عن غير قصد أو تخطيط مسبقين، لأن أكون مستعدا للوضعية الحالية. ومن ذلك، أساسا، أنني كائن بيتي بامتياز. فباستثناء حصة التدريس الأسبوعية، عادة ما كنت أقضي بعض فتراتي الصباحية في مقهى قريب من بيتي مصحوبا بحاسوبي، أقرأ وأكتب وأطالع الصحف، قبل أن أعود، في حدود الساعة الثانية عشرة من منتصف النهار، إلى البيت ولا أغادره إلا في اليوم الموالي. وقد يحدث أن أخرق هذا النظام إما من أجل التبضع أو لقضاء بعض المهام المتصلة بالمصالح الإدارية أو الخدماتية. أما الأيام التي لا أذهب فيها إلى المقهى، فأقضيها في البيت موزعا بين الرسم والقراءة والكتابة ومشاهدة التلفزيون والمطبخ. وأزعم أني كائن مطبخي بامتياز ولا يضيرني في شيء أن أقضي صباحاتي في تحضير الوجبات وغسل الأواني وتنظيف الجنبات وهي أشياء نقوم بها أنا وزجتي، كما يقوم بها أبناؤنا بعدل من خلال توزيع المهام، وبمحبة غامرة وليست من قبيل ادعاء واجب التخفيف عن ربة بيتنا أو مشاركتها بعض الواجبات المنزلية. هذا النظام الصارم في تدبير شؤوني الخاصة والقيام بواجبات ومصالح البيت جعلني في وضعية مريحة في ظل الحجر الصحي. فلم أحس بالملل يتسرب إلى روحي. ونظرا لكوني أصبحت، في زمن الكورونا، أسهر حتى حدود الساعة الواحدة أو الواحدة والنصف صباحا، عادة ما صرت أستقيظ عند الساعة العاشرة صباحا (قبل الجائحة كنت أغادر نحو المقهى في السابعة صباحا). أتناول وجبة فطوري، أطلع على مستجدات الأخبار، قبل الانتقال إلى المطبخ، سواء بمفردي أو رفقة زوجتي، لتحضير وجبة الغداء. أما فترة بعد الزوال والليل فنقضيها معا دائما إما في القراءة أو مشاهدة التلفزيون إلى ما بعد منتصف الليل. هذا، بشكل تقريبي، هو برنامج يومي في ظل الحجر الصحي. هل تساعد أسرتك في شؤون المنزل؟ أعتبر، عن قناعة وحب راسخين، أن المشاركة في تدبير شؤون أي بيت ينبغي ألا تقتصر فقط على توفير الحاجيات المادية الضرورية، وإنما أيضا وأساسا على الإسهام في تدبير كل شؤونه اليومية: من تربية ونصيحة وتوجيه وطبخ وتنظيف وغسل الملابس، وقبل كل ذلك الحضور الإيجابي الدائم في كل تفاصيله الحياتية والمعيشية. ربما بدا للبعض أن مثل هذا الكلام لا يعدو أن يكون متمنيات أو صورة مثالية عن واقع غير موجود أو مزيف. لكنها الحقيقة كما أعيشها شخصيا في بيتي ومع أسرتي الصغيرة دونما أي ادعاء، وهي حقيقة يعرفها كل أصدقائي وأقاربي كما أنها ليست أمرا مستحيلا ولا هي امتيازا أو مِنَّة. الأمر يتطلب، فقط، بعض الحرص اللازم على إنعاش ورعاية ما هو متوفر من مشاعر الحب والتفاهم والتقدير داخل كل أسرة وبين مجموع أفرادها. على أن هذا الأمر لا ينفي، بتاتا، وقوع هزات وخصومات جانبية تفرضها، من حين لآخر، طبيعة نفسياتنا الهشة والأنانية باعتبارنا مجرد بشر، لكنني أعتبر ذلك، بكل بساطة، بمثابة توابل تتطلبها الحياة الأسرية حتى لا تقع في مطبات الروتين والنمطية والتكرار. هل غير أو أثر الحجر الصحي على عاداتك في القراءة والكتابة؟ صحيح.. فعلى الرغم من أنني لم أحس بوطأة هذا الجو المشبع بالفراغ على الحياة العامة؛ في الأزقة والشوارع والجادات والأماكن العامة، إلا أنني فقدت بعضا من جوعي في الإقبال، إن على القراءة أو الكتابة، كما كنت أعيشهما في السابق. الأمر فيه ما يشبه التضامن مع ما يحدث لأناس آخرين ليس خارج البيت أو البلد فحسب وإنما في كل جغرافيات العالم. إنها حالة من التردد التي أتمناها أن تكون إيجابية بعد زوال الجائحة. ماهي الأشياء التي اكتشفتها أو أصبحت تقوم بها بعد المكوث يوميا في المنزل؟ كما سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل، أنا كائن بيتي بامتياز، بمعنى أنني لم ألحظ أي تغيير كبير على حياتي اليومية في زمن الحجر الصحي مقارنة مع السابق. ربما من الأشياء القليلة التي بدت لي مختلفة عن ذي قبل كوني أصبحت مدمنا على مشاهدة التلفزيون، وبخاصة الأعمال الدرامية والسينمائية والوثائقية. كما لاحظت أيضا أنني بت أوفر، بطريقة لا إرادية، بعض المال الزهيد على غير ما كان يحدث معي في الماضي القريب رغم سعيي الحثيث لذلك. على أن ما أفتقده حقيقة هو رياضة المشي، تلك العادة الصحية الجميلة التي كنا، أنا وزوجتي، نحرص عليها مساء كل يوم. ما عذا ذلك، لا شيء تغير تقريبا، كما أنني لا أحن، على العموم، إلى أي شيء محدد ينتمي لزمن ما قبل الوباء المدعو كورونا.