1. الرئيسية 2. المغرب الكبير الجزائر تُعلن حالة "استنفار استراتيجي" بمصادقة مجلس وزرائها على "قانون التعبئة العامة" وسط عزلة إقليمية وتصدّع في علاقاتها الدولية الصحيفة - خولة اجعيفري الأثنين 21 أبريل 2025 - 18:59 في سياق ظرفية زمنية إقليمية ملبّدة، حيث تتقاطع الحسابات الجيوسياسية بالتوترات العسكرية، وتتشابك خيوط الأزمة بين ما هو داخلي وما هو خارجي، قررت الجزائر أن تعلن "التعبئة الشاملة"، من خلال مصادقة مجلس الوزراء الجزائري، برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، على مشروع قانون "التعبئة العامة"، في خطوة تحمل أكثر من دلالة، وأبعد من مجرد إجراء قانوني روتيني. وإن كانت السلطات الجزائرية تُسوّق هذا القانون على أنه تحيين دستوري لتفعيل مقتضيات المادة 99 من الدستور، فإن خلفياته، وتوقيته، ومضمونه، لا تترك مجالًا للشك بأننا أمام إعلان ضمني عن دخول الجزائر مرحلة "الاستنفار الاستراتيجي" في محيط إقليمي تآكلت فيه قواعد الديبلوماسية وبدأت طبول الحرب تدق. ووفقًا لما ورد في البيان الرسمي للرئاسة الجزائرية، فإن قانون التعبئة العامة الجديد "يهدف إلى تحديد الأحكام المتعلقة بكيفيات تنظيم وتحضير وتنفيذ التعبئة العامة"، سواء في ظروف الحرب أو الأزمات الكبرى التي تستدعي تجنيدًا بشريًا وماديًا شاملاً، أو حتى في سياقات مدنية كالجوائح الصحية. لكن، ما يُلفت الانتباه هو أن هذه التعبئة، وفق النص، لا تقتصر على القوات الاحتياطية العسكرية، بل تمتد إلى كل القطاعات المهنية التي تستدعيها حالة التعبئة، من أطباء ومهندسين، إلى موظفي القطاعات الحيوية، والموارد الاقتصادية والإعلامية، وهذا يعني أننا أمام قانون يتجاوز البعد العسكري الصرف نحو منظومة "استنفار دولة" بكامل مؤسساتها. ويمنح الدستور الجزائري في مادته 99 رئيس الجمهورية صلاحية إعلان "التعبئة العامة في مجلس الوزراء بعد الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن واستشارة رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني"، كما تنص المادة 100 على أنه "إذا وقع عدوان فعلي على البلاد أو يوشك أن يقع، حسبما نصت عليه الترتيبات الملائمة لميثاق الأممالمتحدة، يُعلن رئيس الجمهورية الحرب، بعد اجتماع مجلس الوزراء والاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن واستشارة رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس المحكمة الدستورية، ويجتمع البرلمان وجوباً ويوجه رئيس الجمهورية خطاباً للأمة يُعلمها بذلك"، كما يُوقف العمل بالدستور مدة حالة الحرب، ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات. ومن الناحية التقنية، يمكن اعتبار هذا القانون جزءًا من الإصلاحات التشريعية التي تسعى إلى تكييف المنظومة الدفاعية الجزائرية مع التحديات الحديثة، غير أن القراءة السياسية والاستراتيجية للسياق الذي وُلد فيه القانون تُرجّح فرضية أخرى، هي أن الجزائر لم تعد تشعر بأنها تواجه تهديدًا مُحتملًا فقط، بل صارت تعتبر نفسها في قلب دائرة استهداف متعدد الجبهات. وهنا تحديدًا يصبح القانون مرآة لقلق دفين، فقبل هذا النص، كانت الجزائر قد صادقت في غشت 2022 على قانون آخر ينظم الاحتياط العسكري، نصّ على إبقاء مدة الاحتياط في حدود 25 سنة، ويشمل العسكريين السابقين وجنود الخدمة الوطنية، ممن يمكن استدعاؤهم لتعزيز صفوف الجيش في حالات الأزمات وهو ما يبدو الآن حلقة من استراتيجية تعبئة تصاعدية تستبق الأسوأ. وتتجلى خلفيات هذا القانون بشكل أوضح حين نستحضر واقع العلاقات الخارجية الجزائرية، ففي جنوب البلاد العلاقات مع تحالف دول الساحل الجديد (مالي، النيجر، بوركينا فاسو) أصبحت شبه منقطعة، في ظل اتهامات متبادلة، وبيانات عدائية شديدة اللهجة، وحدث غير مسبوق بعدما أسقط الجيش الجزائري طائرة مسيّرة مالية قرب الحدود، و لم يكن حدثا عابرا، بل عبّر عن لحظة تشظٍّ حقيقية في العلاقة بين الجزائر وجيرانها الأفارقة الذين باتوا ينظرون إليها كمصدر إزعاج وليس كقوة إقليمية ضامنة للتوازن. وغرب البلاد، منذ أن أعلنت الجزائر في صيف 2021 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب بصفة أحادية، لا تزال الجبهة الغربية متوترة مع تزايد عسكرة الحدود وتوالي الاتهامات التي يكيلها النظام الجزائري للمملكة بين الفينة والثانية، فضلا عن سباق تسلح خفي يجري في الظل، فمن جهة الرباط تُعزز شراكاتها الدفاعية مع قوى كبرى، والجزائر ترد بالتسلح وبقوانين طوارئ وتعبئة احتياط، ولا قنوات للحوار، ولا مؤشرات للتهدئة، بل حسابات مغلقة على معادلة صفرية. كما أن علاقات الجزائر مع فرنسا تمر بأطول أزمة صامتة منذ الاستقلال، من خلال الطرد الجماعي للدبلوماسيين، وأزمة التأشيرات، وتجميد مشاريع التعاون، وبرود سياسي لا يخفى، أما مع مدريد، فإن دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء جعل الجزائر تعتبرها خصمًا سياسيًا، وحتى بروكسيل، لم تعد تملك تلك الحيوية في الحوار التي كانت قائمة قبل سنوات. من جهة ثانية، فإن ما يثير الانتباه هو الطبيعة الشمولية للقانون الجديد ذلك أن التعبئة لا تشمل فقط العسكريين المتقاعدين أو من أنهوا خدمتهم، بل تمتد لتطال كل القطاعات الحيوية، وهنا الحديث عن منظومة تسخير شامل أي اقتصاد، صحة، طاقة، نقل، إعلام، موارد بشرية.. كلها تصبح تحت تصرّف الدولة في حال أعلنت التعبئة. وفي هاته الحالة، يحظى الاحتياطيون، عند استدعائهم، بجملة من الضمانات، أجر مماثل للعسكريين العاملين من نفس الرتبة، وضمان العودة إلى وظائفهم الأصلية بعد انتهاء الخدمة، وهذه التفاصيل ليست تقنية فقط، بل تُظهر محاولة تطمين داخلية لشرائح واسعة قد تُستدعى للخدمة في حالات الطوارئ الكبرى. وبهذا، يظهر أن الجزائر اختارت أن تواجه متغيرات الإقليم بمقاربة "التحصين الشامل"، من خلال قانون التعبئة العامة الذي لا يعد إجراء تنظيميا فحسب، بل هو أيضا خطاب سياسي ضمني يُراد له أن يوصل رسالة مزدوجة للداخل بقول إن الجزائر مستعدة لكل السيناريوهات، وأمن الدولة يعلو على كل اعتبار، وللخارج أيضا برسالة مفادها أن أي تهديد سيلقى دولة موحّدة، معبّأة، جاهزة للرد. وعليه، فإن قانون التعبئة العامة الجزائري لا يمكن قراءته بمعزل عن المناخ السياسي الإقليمي والداخلي، بل هو قانون برائحة الحرب، ولو في غياب العدو المباشر، وفق تقديرات المراقبين ممن اعتبروا أنه تشريع يُشير لحالة "القلق السيادي" التي باتت سمة للجزائر الرسمية، ويترجم – بأحرف قانونية – تحول الدولة إلى عقل أمني يرى في كل محيطه خصمًا محتملاً، وفي كل طارئ مهددًا وجوديا. وفي هذا الإطار، يقول الخبير الجزائري في الشؤون الأمنية والعلاقات الإقليمية، عبد الكريم بن عربية، في تصريح خصّ به "الصحيفة" إن "قانون التعبئة العامة الذي صادقت عليه الرئاسة الجزائرية لا يُقرأ فقط كتحيين دستوري لمقتضيات المادة 99، بل كمؤشر واضح على انتقال المؤسسة السياسية والعسكرية الجزائرية إلى وضع استعداد استراتيجي دائم، في ظل ما تعتبره تهديدات متعددة المصدر". وأضاف بن عربية المقيم في باريس، ضمن التصريح ذاته أن: "هناك قناعة راسخة داخل دوائر صنع القرار في الجزائر بأن البيئة الجيوسياسية المحيطة أصبحت أكثر تقلبًا من أي وقت مضى، سواء من جهة الساحل حيث القطيعة الكاملة مع مالي والفتور مع النيجر، أو من جهة الحدود الغربية حيث التوتر المزمن مع المغرب الذي يتعزز بتحالفات دفاعية مغربية مع قوى غربية وازنة بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية، فرنسا، الصين وإسرائيل، وأيضًا في ظل الفتور المتزايد مع فرنسا وبعض شركاء الجزائر التقليديين في أوروبا". وأوضح أن "أحد العناصر التي لم يُلتفت إليها كثيرا هو أن هذا القانون يأتي بعد إعادة هيكلة وزارة الدفاع الجزائرية، وإحداث تغييرات لافتة في جهاز المخابرات خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما يشير إلى أن قانون التعبئة ليس فقط أداة استجابة للطوارئ، بل جزء من استراتيجية أعمق تُعيد ضبط عقيدة الأمن القومي على إيقاع التحوّلات الجديدة". ولفت بن عربية إلى أن "القانون يستبطن تصورات تُعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجتمع، من خلال توسيع مفهوم الاحتياط ليشمل جميع القطاعات الحيوية، بما فيها الاقتصادية والتكنولوجية، وهو ما يعكس توجهًا نحو حشد القدرات الوطنية بطريقة تُحاكي نماذج تعبئة شاملة كالتي اعتمدتها روسيا بعد 2022، أو الصين في إطار ما يسمى ب'تعبئة الأمة' في حالات الأزمات الكبرى". وأكد الخبير في تصريحه ل"الصحيفة" بالقول إن "المفارقة أن هذا القانون يأتي في وقت تواجه فيه الجزائر عزلة إقليمية واضحة، ما يثير تساؤلات حول قدرة البلاد على فرض معادلة ردع إقليمي في غياب شركاء موثوقين، وفي ظل هشاشة جبهات خلفية داخلية تعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة". وفي ضوء كل هذه المعطيات، يبدو أن الجزائر اختارت أن تواجه التحديات المتفاقمة في محيطها الإقليمي والدولي عبر أدوات الضبط الصارم والتعبئة الشاملة، في وقت تتطلب فيه التحولات الجيوسياسية مقاربات مرنة ومنفتحة، واستراتيجيات متعددة الأبعاد توازن بين الردع والتفاعل، وبين السيادة والانخراط. فبينما تُهيكل الدولة الجزائرية نفسها لمواجهة ما تعتبره طوارئ وجودية، تبقى فعالية هذه المنظومة رهينة بمدى قدرتها على امتصاص الصدمات دون الوقوع في فخ الانغلاق والتوتر الدائم. ومع أن قانون التعبئة العامة، يعكس بلا شك رغبة الدولة في التحصين المسبق لمقدّراتها، إلا أن ما قد يُقلق المراقبين هو أن يتحوّل هذا التحصين إلى منطق دائم، يُعزّز الانكفاء ويُعمّق العزلة، بدل أن يكون آلية استثنائية لمواجهة المخاطر، فيما وبين التهديدات الحقيقية والهواجس المتضخمة، تظل الجزائر أمام مفترق طرق حساس، إما أن تجعل من التعبئة فرصة لإعادة رسم معادلة أمنها الإقليمي بانفتاح وشراكة، أو أن تسلك طريقا قد يجعل من الطوارئ أسلوب حكم أكثر منه ظرفًا عابرًا.