1. الرئيسية 2. تقارير بعد البيان المشترك بين نيروبيوالرباط.. "صمت مشترك" بين الجزائر والبوليساريو يؤكد قطع كينيا لخطوة لا رجعة فيها بشأن قضية الصحراء الصحيفة – محمد سعيد أرباط الخميس 29 ماي 2025 - 9:00 حسمت كينيا موقفها من نزاع الصحراء المغربية، بإعلان موقف واضح يدعم المقترح المغربي للحكم الذاتي ك"المقاربة الوحيدة والمستدامة" لتسوية هذا الملف تحت السيادة المغربية، وفق ما جاء في البيان المشترك الصادر من الرباط عقب المباحثات الرسمية التي جمعت بين وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره الكيني موساليا مودافادي. ويُعتبر هذا الموقف خطوة سياسية مهمة وقوية اختارت نيروبي أن تعبر بها من ضبابية موقفها في السنوات الأخيرة من هذا الملف، بعد سنوات من التردد وموجات الشد والجذب تحت ضغط تحالفات سابقة مع الجزائر وجبهة البوليساريو وامتداداتها في الاتحاد الإفريقي. ورغم هذا التحول الواضح في موقف نيروبي من قضية الصحراء، التزمت الجزائر والبوليساريو صمتا مطبقا، على غير العادة، حيث غاب أي رد أو تكذيب رسمي، خلافا لما جرى سنة 2022، عندما بادرتا بسرعة إلى نفي طرد ممثلي الجبهة من كينيا عقب تغريدة شهيرة للرئيس الكيني ويليام روتو. هذا الصمت "المشترك" يُقرأ من زوايا متعددة، أبرزها كونه تأكيدا ضمنيا على إدراك الطرفين لحجم التحول الكيني وعمقه، وأن ما حدث هذه المرة لا يُختزل في خطوة عابرة، بل هو تغيير استراتيجي يُنهي عقودا من الدعم الكيني المباشر للانفصال. محاولات جزائرية لم تُكلل بالنجاح منذ اعتلاء ويليام روتو سدة الحكم في كينيا سنة 2022، بدأت مؤشرات التقارب مع المغرب تظهر على السطح، ما دفع الجزائر إلى استنفار دبلوماسيتها لفرملة هذا التحول، فبعد التغريدة الشهيرة التي أعلن فيها الرئيس الكيني الجديد عن سحب اعتراف بلاده بجبهة البوليساريو وطرد ممثليها، تحركت الجزائر بسرعة عبر قنواتها الرسمية وغير الرسمية لإقناع نيروبي بالتراجع، وهو ما حدث حينها، وسط غموض رافق قرار الحذف المفاجئ للتغريدة وتغييره بصيغة فضفاضة تدعو لحل أممي. لكن التطورات اللاحقة أظهرت أن الضغط الجزائري لم يُفلح إلا في تأجيل تحوّل كان قد بدأ بالفعل، فالمغرب واصل منهج "رابح – رابح"، ونجح في ترسيخ وجوده الاقتصادي والدبلوماسي في كينيا، مقابل محاولات جزائرية لم تتجاوز حدود الهبات الظرفية أو المناورات السياسية، أبرزها إرسال 16 ألف طن من الأسمدة إلى كينيا في بداية سنة 2024، في محاولة لخلق توازن مع النفوذ المغربي الذي بات يتحكم في مفاتيح حيوية، أهمها مشروع إنشاء مصنع مغربي للأسمدة بنيروبي. ورغم إرسال وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، في أبريل الماضي إلى العاصمة الكينية، بهدف "تعزيز التعاون والتشاور"، إلا أن تلك الزيارة تزامنت مع إعلان كينيا عن فتح سفارة رسمية في الرباط، واستعدادها لتعيين سفيرة لها بالمغرب، ما جعل التحرك الجزائري يبدو وكأنه رد فعل متأخر على دينامية مغربية متقدمة. كما أن البرلمان الكيني، وخاصة مجلس الشيوخ، طالب علنا بتسريع وتيرة التقارب مع المغرب واعتبره ضرورة اقتصادية وسياسية، ما قلص من فعالية الضغوط الجزائرية في التأثير على القرار السيادي الكيني. صمت مشترك ينطق بالحقيقة عودة إلى تغريدة الرئيسي الكيني ويليام روتو في 2022، التي أعلن فيها سحب الاعتراف ب"الجمهورية الصحراوية" وطرد ممثليها من نيروبي، قبل أن يتراجع عنها، فإن الجزائر والبوليساريو حينها لم يستغرقا سوى ساعات قليلة لتكذيب الخبر، لكن رد الفعل ذاك، غاب تماما بعد صدور بيان رسمي مشترك بين المغرب وكينيا، يتضمن دعما صريحا لمقترح الحكم الذاتي المغربي، أول أمس الثلاثاء. هذا الصمت يُقرأ على أنه أكثر من مجرد تجاهل إعلامي، بل إقرار سياسي باستحالة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فقد تجاوزت نيروبي، عمليا، مرحلة التردد، وقررت اصطفافها إلى جانب الدول الداعمة للمقاربة المغربية. المعطى الجديد، الذي يصعب على الجزائر والبوليساريو مواجهته أو مهاجمته، وفق العديد من القراءات السياسية، من بينها قراءات صحف كينية، هو تركيز كينيا على المصلحة الاقتصادية الثنائية، وهو المجال الذي لا تملك فيه الجزائر أدوات منافسة جدية أمام المغرب. انتصار جديد ينضاف للحقيبة الدبلوماسية المغربية راهنت الدبلوماسية المغربية على منهج "البراغماتية الاقتصادية" لكسب مواقف سياسية، حيث تُعتبر كينيا هي أحدث نماذج هذا المسار، الذي جمع بين الهدوء، والاستراتيجية، والمصالح المشتركة. فالتقارب الاقتصادي بين الرباطونيروبي، الذي انطلق مع تصدير الأسمدة المغربية، وتطور إلى مفاوضات حول إنشاء مصنع محلي، لم يكن هدفه فقط فتح أسواق جديدة، بل تهيئة الأرضية لتقارب سياسي ينعكس على ملف الصحراء. وخلال السنوات الأخيرة، نجح المغرب في تحويل ورقة الفوسفاط والأسمدة إلى أداة دبلوماسية مؤثرة، كما فعل سابقا مع نيجيريا، التي كانت من أبرز داعمي البوليساريو قبل أن تنخرط في شراكات استراتيجية مع الرباط. ومع افتتاح سفارة كينيا في الرباط، وتعيين سفيرة فوق العادة لديها، يكون المغرب قد رسخ مكسبا استراتيجيا في شرق إفريقيا، المنطقة التي كانت إلى وقت قريب أحد أهم خطوط الدعم الإقليمي للانفصال، وباتت اليوم ساحة جديدة للتمدد المغربي.