1. الرئيسية 2. اقتصاد اليماني: مجلس المنافسة يتستر على مُخالفات غلاء المحروقات ويصدر تقارير تروّج للتطبيع مع "الأسعار الفاحشة" الصحيفة - خولة اجعيفري الأحد 27 يوليوز 2025 - 12:00 في ظل الارتفاع المتواصل في أسعار المحروقات، وتزايد الدعوات إلى تدخل حكومي يعيد التوازن إلى سوق هيمن عليه منطق الربح الذي يعتبر "مبالغ فيه" على حساب القدرة الشرائية للمواطن، أثار التقرير الأخير الصادر عن مجلس المنافسة حول تطورات سوق المحروقات خلال الفصل الأول من سنة 2025 موجة من الانتقادات الحادة، لاسيما من قبل الفاعلين النقابيين الذين يتابعون عن كثب تطورات هذا الملف منذ قرار تحرير الأسعار سنة 2015. الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، لم يخف استغرابه مما وصفه ب"تحول مجلس المنافسة إلى هيئة إرشادية تروّج للتطبيع مع الأسعار الفاحشة"، معتبرا في تصريح مفصل أن المجلس فشل في تقديم أجوبة حقيقية حول الوضع الراهن، وتهرّب من مسؤولياته القانونية والسياسية، إذ اكتفى بتقارير تقنية يغلب عليها الطابع التوصيفي والرقمي، دون أن تمس جوهر الأزمة المتمثلة في استمرار المخالفات وسيطرة اللوبيات وغياب العدالة في توزيع الأرباح والتكلفة. وفي معرض تعليقه على التقرير، شدد اليماني في تصريح ل "الصحيفة" على أن الوثيقة الأخيرة للمجلس "مغرقة في العديد من المعطيات والمواضيع، التي لا يعود فيها الاختصاص لمجلس المنافسة، وإنما لجهات متعددة من الجمارك ومكتب الصرف ووزارة الانتقال الطاقي"، مشيرا إلى أن المجلس تجاوز مهامه الأصلية في التقصي والمساءلة، ولجأ إلى استعراض مؤشرات تخص مجالات لا تدخل ضمن نطاق تدخله، ما يفقد التقرير تركيزه وجدواه الرقابية. وأضاف اليماني أن "جمع المعطيات التجارية من الفاعلين ينطوي على خطر بالغ لتسريب وتقاسم المعطيات الحساسة بينهم، وهو ما يمنعه القانون ويعتبره من مظاهر التفاهم حول الأسعار"، محذرا من أن المجلس يساهم، ولو بشكل غير مباشر، في ترسيخ بنية سوق قائمة على التواطؤ. ورغم أن التقرير أبرز أن واردات المغرب من الغازوال والبنزين خلال الفصل الأول من سنة 2025 بلغت 1,62 مليون طن، بقيمة إجمالية ناهزت 12 مليار درهم، مسجلة ارتفاعا في الكمية بنسبة 10 في المائة مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2024، وتراجعا في القيمة بنسبة 6,9 في المائة، إلا أن هذه المعطيات، بحسب اليماني، لم تواكبها أي محاولة لربط انخفاض الكلفة بتحليل بنية الأسعار على المستوى المحلي، ولم يتطرق التقرير إلى الفارق الكبير بين ثمن الاستيراد وثمن البيع بالتقسيط، ما يجعل المجلس شريكا ضمنيا في شرعنة الأسعار المرتفعة التي يتحملها المستهلك يوميا. كما أكد تقرير المجلس أن الغازوال لا يزال يمثل حوالي 89 في المائة من حجم وقيمة الواردات، وأن عدد الشركات المرخص لها باستيراد المنتجات البترولية السائلة ارتفع إلى 32 شركة نهاية مارس 2025، مقابل 29 شركة في الفترة نفسها من السنة الماضية، غير أن التركيز ظل مهيمنا، إذ ما تزال تسع شركات فقط تسيطر على 82 في المائة من حجم وقيمة الواردات. في هذا السياق، أعرب اليماني عن استغرابه من أن "المجلس يتحاشى ذكر أسماء هذه الشركات التسعة، التي اعترفت بالمؤاخذات الموجهة إليها في مخالفة قانون المنافسة وحرية الأسعار، في حين أنه كشف عن أسماء شركات أخرى لا علاقة لها بالمخالفات"، معتبرا ذلك انتقائية فاضحة تسيء لمصداقية التقرير وتكشف ازدواجية في المعايير. وفي الوقت الذي سجلت فيه الشركات التسع المعنية ارتفاعا في وارداتها بنسبة 4 في المائة، من 1,28 مليون طن إلى 1,33 مليون طن، تراجعت قيمة هذه الواردات من 11,23 مليار درهم إلى 9,9 مليار درهم، أي بانخفاض يناهز 12 في المائة. وعند تفصيل المعطيات حسب نوع الوقود، شهدت واردات الغازوال ارتفاعا طفيفا بنسبة 2 في المائة (من 1,152 مليون طن إلى 1,171 مليون طن)، لكنها تراجعت في القيمة بنسبة 15 في المائة (من 10,093 مليار درهم إلى 8,615 مليار درهم). أما البنزين فقد سجل قفزة بنسبة 31 في المائة في الحجم (من 124 ألف طن إلى 163 ألف طن)، وارتفعت قيمته من 1,117 مليار درهم إلى 1,285 مليار درهم، أي بزيادة قدرها 15 في المائة. كل هذه المؤشرات لم تدفع مجلس المنافسة، في نظر اليماني، إلى طرح السؤال الحاسم: هل الشركات المعنية لا تزال مستمرة في خرق القانون؟ وإذا كانت فعلا تواصل ممارساتها السابقة، فما الذي يمنع المجلس من المرور إلى المرحلة الزجرية وتشديد العقوبات كما ينص القانون؟ واعتبر أن غياب هذا الجواب الجوهري يعني أن التقرير تجاهل المطلب الأساسي للمواطنين، واكتفى بإنتاج وثيقة تقنية أشبه بتقرير اقتصادي استشاري، لا يرقى إلى مستوى المساءلة القانونية ولا يلبي انتظارات الرأي العام. ويرى اليماني، أن المجلس تهرّب أيضا من مقارنة صريحة بين وضع السوق قبل التحرير وبعده، موردا إن "رغم تحولات أسعار النفط والمواد الصافية قبل التحرير وبعده، فإن المجلس يتهرب من المقارنة بين الأسعار، ولا يقدم أي تفسير لارتفاع هوامش أرباح الفاعلين لأكثر من مرتين، وهو ما ثبت من خلال حسابات بعض الشركات المدرجة في البورصة في سنتي 2016 و2017"، كما انتقد غياب أي تحليل لتطور الربحية أو مراجعة السياسة التي قادت إلى هذه النتيجة. واعتبر أن الأدهى من ذلك، أن التقرير لم يقترب إطلاقا من تحليل التداعيات السلبية لارتفاع أسعار المحروقات على كلفة الإنتاج والمعيش اليومي للمغاربة، وكأن الأمر لا يدخل ضمن صلاحيات المؤسسة، كما أن المجلس تراجع عن موقفه السابق من ضرورة امتلاك المغرب لمفاتيح تكرير البترول، مسجلا بذلك تناقضا صارخا في توجهاته ومواقفه، في ظل استمرار إغلاق مصفاة لاسامير وتفاقم التبعية الخارجية في الاستيراد. وفيما يخص الجانب الجبائي، كشف التقرير أن مداخيل الدولة من استيراد المحروقات خلال الفصل الأول من سنة 2025 بلغت حوالي 6,86 مليار درهم، منها 5,13 مليار درهم كضريبة داخلية على الاستهلاك، بنسبة نمو بلغت 10,3 في المائة، أي بزيادة قدرها 480 مليون درهم، فيما تراجعت مداخيل الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 4 في المائة لتستقر عند 1,73 مليار درهم. وأظهرت الأرقام أن 83 في المائة من العائدات الجبائية جاءت من الغازوال بما يعادل 5,7 مليار درهم، بينما مثل البنزين 1,16 مليار درهم فقط، بنسبة 17 في المائة من إجمالي المداخيل. هذه الأرقام، بحسب اليماني، تعكس أن الدولة مستفيدة بدورها من الأسعار المرتفعة، وتُراكم مداخيل ضخمة من جيوب المواطنين، دون أن توازيها أي سياسة للدعم أو التسقيف، أو مراجعة عميقة لخيار تحرير الأسعار الذي تحمّله النقابات والهيئات المدنية مسؤولية الانفجار الاجتماعي والغلاء. وفي ختام تصريحه، أكد الحسين اليماني أن "ارتفاع أسعار المحروقات لا يعود للسوق الدولية كما تدّعي الحكومة، بل هو نتيجة مباشرة لقرار حذف الدعم وتحرير الأسعار"، معتبرا أن "المسؤولية الأولى في ذلك ترجع لرئيس الحكومة، الذي بيده صلاحية إلغاء تحرير الأسعار والعودة لتنظيمها". وذكّر بأن عزيز أخنوش لم يكن فقط عضوا في الحكومات التي اتخذت القرار، بل كان أيضا المسؤول المباشر حين تم تفكيك نظام الدعم، وهو اليوم رئيس الحكومة ويملك السلطة الكاملة لمراجعته، لكنه لا يفعل، لأنه، كما قال اليماني، "فاعل اقتصادي رئيسي في القطاع، ومستفيد مباشر من الوضع القائم"، في إشارة إلى تضارب مصالح صارخ يقيد إرادة الإصلاح ويجعل المواطن يدفع ثمن هذا الصمت المدروس.