د. عبد الرحيم خالص * الأثنين 24 نونبر 2025 - 18:07 من المسيرة الخضراء إلى نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء: محاولة في صياغة مشروع قانون تنظيمي بَنّاء مساهمة، منا، في إثراء النقاش الدائر اليوم، وطنيا ودوليا، حول ممكنات وفرص تنزيل مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية المغربية، يأتي مقالنا هذا ليقدم ويضع، من الناحية القانونية، نموذج مشروع قانون تنظيمي، يحاول أن يؤطر جوانب أساسية حول طبيعة وأسس وهياكل نظام الحكم الذاتي المزمع تطبيقه على جهة الصحراء المغربية في أقرب الآجال. مع العلم بأن هذا المشروع النموذجي، ليس نهائيا ولا شاملا أو كاملا، بل لا يزال قابلا للتطوير والتجويد والتحيين، شكلا ومضمونا. لذلك، نضعه رهن إشارة العموم من الطلبة والباحثين وكل المهتمين والمتخصصين، لعلنا بذلك نفتح مجالا أو ندشن لفضاء عمومي للنقاش المستفيض حول سبل تنزيل وتطبيق مبادرة الحكم الذاتي المغربية لجهة الصحراء، ولاسيما بعد القرار الأممي الفاصل في قضيتنا الوطنية الأولى، وأخص بالذكر القرار رقم 2797 الصادر عن مجلس الأمن في 31 أكتوبر 2025، بعد نصف قرن من البطولات التي كرستها ورسختها المسيرة الخضراء تحت القيادة الحكيمة للراحل الملك الحسن الثاني رحمه الله. في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن اشتغالنا على هذا المشروع النموذجي حول قانون تنظيمي بخصوص نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء المغربية لم يكن وليد اللحظة بقدر ما يعود البحث والتنقيب فيه إلى ما يقارب الثلاث سنوات الماضية بشكل عام، وإلى الستة أشهر الماضية بشكل خاص. وقد قدمت، سابقا، أهم خلاصاته ونتائجه في إطار مقترحات ضمن دراسة علمية بعنوان: ("دَستَرَة" نِظام الحُكم الذّاتي لجِهَة الصَّحراء بالمغرب: مُقتَرحات وتَساؤُلات)، والتي نشرت في مؤلف جماعي حول موضوع: ("مقترح الحكم الذاتي المغربي لتسوية نزاع الصحراء: دينامية التشكل ورهانات التطبيق"). ولتقريب مختلف المهتمين والمتتبعين لهذه القضية الوطنية الأساسية، ولاسيما الأحزاب السياسية المغربية التي تأتي في طليعة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين الذين يحاولون تقديم مقترحات في هذا الإطار، تبعا للدعوة التي وجهها جلالة الملك محمد السادس إليهم، من خلال مستشاريه الذين عقدوا اجتماعا بهذا الخصوص، أضع أمامهم ورهن إشارتهم هذا المشروع النموذجي الذي يبدأ بتوطئة بمثابة ديباجة للقانون، فضلا عن ثلاثون مادة موزعة على ستة أبواب. وهذا نص المشروع للاستئناس وفتح النقاش: "إن المملكة المغربية، وفاء لثوابتها الدستورية الراسخة المتعلقة بوحدة الدولة والوطن والأمة، وتجسيدا لإرادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الرامية إلى إرساء جهوية ترابية متقدمة وموحدة، ووفقا لمقتضيات دستور 2011، خاصة الفصول رقم 1 و71 و136 و 146 منه، والمتعلقة بالتنظيم الترابي اللامركزي القائم على الجهوية المتقدمة؛ وإذ تؤكد المملكة المغربية على التزامها الثابت بمبادرة الحكم الذاتي لجهة الصحراء، المقدمة إلى الأممالمتحدة منذ سنة 2007، بوصفها الحل السياسي الجدي والواقعي والموثوق به لتسوية النزاع الإقليمي المفتعل، كما تؤكد أغلب الدول الدائمة في مجلس الأمن والقوى الكبرى في المنتظم الدولي، والذي كرسه ودعمه القرار الأممي رقم 2797 الصادر بتاريخ 31 أكتوبر 2025، كإطار وحيد للمفاوضات العملية والهادفة؛ وتقديرا لخصوصية الأقاليم الجنوبية المغربية، ومساهمة في تحقيق التنمية المستدامة والتشاركية والمندمجة لفائدة ساكنتها، وتعزيزا للمبدأ الديمقراطي وبخاصة الممارسة الديمقراطية المحلية الفعلية والفعالة، وإعمالا لمبدأ التدبير الذاتي والحر لشؤونها، وكذا التعاون والتضامن عبر هيئات منتخبة تتمتع بصلاحيات واسعة ومُفَوَّضَة ومُفرَعَة، تحت السيادة الكاملة للدولة المغربية المنتمية إلى المغرب الكبير؛ لهذه الأسباب، وتمكينا لسكان جهة الحكم الذاتي للصحراء من التدبير الحر لشؤونهم، وبناء على مقتضيات الفصل 71 من الدستور، صدر هذا القانون التنظيمي لوضع الإطار القانوني والمؤسساتي الذي يحدد اختصاصات هيئات جهة الحكم الذاتي وطبيعة العلاقة بينها وبين السلطة المركزية، بما يضمن الوحدة الترابية للمملكة المغربية. الباب الأول: أحكام عامة المادة 1: يمارس نظام الحكم الذاتي لجهة الصحراء المغربية تحت السيادة الوطنية الكاملة للمملكة المغربية، وفي إطار نظام الملكية الدستورية والوحدة الترابية والدستورية للدولة. يظل الملك هو الضامن لدوام الدولة واستمراريتها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، والساهر على احترام الدستور وصيانة حقوق وحريات المواطنات والمواطنين والجماعات. المادة 2: تحدث جهة الحكم الذاتي للصحراء بوضع قانوني تنظيمي خاص ومستقل عن القانون التنظيمي العام للجهات والجماعات الترابية الأخرى، استنادا لخصوصيتها التاريخية والجغرافية. المادة 3: يشمل نطاق تطبيق هذا القانون الأقاليم الجنوبية للمملكة المحددة بمرسوم. لا يجوز لأي جهة أو جماعة ترابية أن تمارس وصايتها على جهة الحكم الذاتي. المادة 4: تخضع جميع التشريعات والأنظمة الصادرة عن هيئات جهة الحكم الذاتي لمقتضيات الدستور المغربي، ولا يمكن إصدار هذا القانون التنظيمي إلا بعد تصريح المحكمة الدستورية بمطابقته للدستور. الباب الثاني: هيئات جهة الحكم الذاتي المادة 5: تتكون هيئات جهة الحكم الذاتي من برلمان جهوي (مجلس محلي منتخب) ذي سلطة تشريعية محلية، وهيئة تنفيذية جهوية (حكومة محلية) ذات سلطة إجرائية. المادة 6: يتكون البرلمان الجهوي من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر، مع تمثيلية تؤمن مشاركة السكان المحليين والقبائل الصحراوية في تدبير شؤونهم بشكل حر. تحدد تمثيلية السكان في البرلمان الجهوي بمرسوم. المادة 7: يختص البرلمان الجهوي بإصدار أنظمة وتشريعات محلية في المجالات المفوضة إليه حصرا بموجب هذا القانون التنظيمي. المادة 8: تشكل الهيئة التنفيذية (الحكومة المحلية) من طرف رئيسها المنتخب من أغلبية أعضاء البرلمان الجهوي وتتولى تنفيذ قرارات البرلمان وإدارة الشؤون اليومية لجهة الحكم الذاتي. المادة 9: تخضع الهيئة التنفيذية للمساءلة أمام البرلمان الجهوي، الذي يمكنه سحب الثقة منها وفق شروط يحددها النظام الداخلي. المادة 10: يحدد قانون انتخابي خاص شروط وكيفيات انتخاب أعضاء هيئات جهة الحكم الذاتي. الباب الثالث: الاختصاصات المفوَّضة المادة 11: تضع وتطبق جهة الحكم الذاتي البرامج الجهوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. المادة 12: تضع جهة الحكم الذاتي ميزانية سنوية مستقلة مع فرض وتحصيل الضرائب والرسوم المحلية المخصصة لها، وفقا للنظام الضريبي السائد وطنيا. المادة 13: تقوم جهة الحكم الذاتي بإنجاز وتدبير وصيانة الطرق الجهوية والإقليمية والموانئ والمطارات المحلية التابعة لنفوذها الترابي. المادة 14: تخصص لجهة الحكم الذاتي نسبة عادلة وكافية من عائدات استغلال الموارد الطبيعية الموجودة في مختلف الأقاليم لتمويل مشاريع التنمية المحلية، يتم تحديدها بقانون مالي مواز. المادة 15: تدير جهة الحكم الذاتي المرافق الثقافية والتعليمية والصحية المحلية، مع احترام المناهج التعليمية والمبادئ الصحية وكذا المعايير المطبقة وطنيا في نفس المجالات والميادين المرفقية ذات الصلة. المادة 16: يخول للحكومة المحلية لجهة الحكم الذاتي سلطة عقد اتفاقيات شراكة وإنجاز استثمارات دولية وإقليمية في مجالات اختصاصاتها، بعد التشاور والتنسيق المسبق مع الحكومة المركزية. المادة 17: تختص جهة الحكم الذاتي في مجالات تدبير المياه الجوفية وتدابير حماية البيئة ومكافحة التصحر على مستوى النفوذ الترابي لها. المادة 18: تحدث جهة الحكم الذاتي جهاز أمن محلي تحت إشراف الهيئة التنفيذية لمكافحة الجرائم البسيطة وضمان الأمن المدني والسلم الاجتماعي والسير والجولان داخل نفوذها الترابي. الباب الرابع: الاختصاصات المحجوزة للدولة المادة 19: تحتفظ السلطة المركزية حصريا بمقومات السيادة والمجالات المتعلقة بالثوابت الوطنية والوحدة الترابية والهوية المغربية في ظل الدولة الموحدة، ولا يجوز لسلطة جهة الحكم الذاتي التشريع أو التنفيذ فيها. ويدخل في ذلك، أيضا، كل رموز السيادة كالعلم الوطني والنشيد الوطني والعملة الوطنية. تحدد مختلف مقومات ورموز السيادة بمرسوم. المادة 20: تبقى قضايا الدفاع والأمن الوطني والحدود الجغرافية والترابية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، من اختصاص السلطة المركزية لوحدها. المادة 21: تظل السياسة الخارجية وإبرام المعاهدات الدولية واختصاص التمثيل الدبلوماسي، داخليا وخارجيا، حكرا على جلالة الملك والحكومة المركزية. المادة 22: النظام القضائي العام للمملكة بما فيها درجات التقاضي وأنواعه، وإصدار العملة، وإدارة الجمارك، اختصاصات محجوزة للسلطة المركزية. يضمن الملك استقلال السلطة القضائية. المادة 23: إمارة المؤمنين وإصدار الفتاوى وحماية الدين الإسلامي من صلاحيات الملك. يضمن الملك ممارسة الشؤون الدينية. الباب الخامس: السلطة المركزية وجهة الحكم الذاتي المادة 24: يمثل السلطة المركزية في جهة الحكم الذاتي ممثل يتم تعيينه بمرسوم، وتقتصر مهامه على ضمان تطبيق القوانين ومراعاة احترام أحكام هذا القانون التنظيمي. تقتصر رقابة ممثل السلطة المركزية على تتبع مدى مطابقة قرارات الهيئة التنفيذية والتشريعات المحلية للقوانين الوطنية والدستور. المادة 25: يحدث مجلس أعلى (أو لجنة وطنية) للتنسيق برئاسة ممثل السلطة المركزية، ويضم رئيس الهيئة التنفيذية وقادة الأجهزة الأمنية المركزية والمحلية لجهة الحكم الذاتي لضمان انسجام السياسات والتقائيتها. المادة 26: تخضع مالية جهة الحكم الذاتي، في مجال النفقات العامة، لرقابة المجلس الأعلى للحسابات. المادة 27: تحال النزاعات المتعلقة بطبيعة الاختصاص بين السلطة المركزية وهيئات جهة الحكم الذاتي على المحكمة الدستورية للبت فيها. الباب السادس: أحكام ختامية المادة 28: لا يمكن تعديل هذا القانون التنظيمي إلا بمبادرة من الملك أو رئيس الحكومة أو البرلمان، وطبقا لنفس المسطرة التي اعتمدت لإصداره، وبعد موافقة الثلثين (أو أغلبية مطلقة) من أعضاء البرلمان الجهوي. المادة 29: يعمل بأحكام هذا القانون التنظيمي فور نشره في الجريدة الرسمية بعد مصادقة البرلمان عليه وبعد إعلان المحكمة الدستورية بمطابقته للدستور. المادة 30: تتخذ الحكومة المركزية والحكومة المحلية لجهة الحكم الذاتي النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيق أحكام هذا القانون التنظيمي، كل في حدود اختصاصه، خلال أجل لا يتجاوز (12) شهرا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية". * أستاذ العلوم القانونية والسياسية بكلية الحقوق بأيت ملول، جامعة ابن زهر بأكادير. الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة