صدر مؤخرا كتاب جديد للكاتب الهولندي من أصل مغربي عزيز أينان عن دار النشر أطلس. رأت فكرة الكتاب النور بالصدفة خلال تقديم الترجمة الهولندية للأمريكي دافيد مونتغومري هارت بلاهاي. أعجبت الناشرة ييسيكا ناش بالطريقة التي قرأ بها عزيز أينان عموده في ذلك اليوم. اتفق الاثنين مباشرة بعد انتهاء اللقاء على البداية في مشروع الكتاب. والنتيجة هو هذا الكتاب الذي صدر مؤخرا تحت عنوان "المعركة وذكريات أخرى" الذي يحكي قصصا حول مواضيع متنوعة، تحكي مراحل الطفولة والمراهقة والشباب للكاتب عزيز أينان الذي ولد بهارلم بهولندا من أب وأم ينتميان إلى الجيل الأول من المهاجرين الذين قدما من منطقة الريف شمال المغرب نحو الشمال الهولندي. يتحدث الكتاب بطريقة سلسة وبكثير من الواقعية على ترعرع الكاتب بين الثقافتين الهولندية والمغربية. تمكن عزيز اينان حسب الناشرة ييسكا ناش أن يتحدث عن مواضيع مختلفة غالبا ما لا يعرف عنها المواطن الهولندي البسيط شيئا في قالب واقعي، ليوصله إلى الجمهور العريض. هذا ما قاله عبد القادر بنعلى عن الكتاب أيضا: "لقد برع عزيز أينان في التطرق للمواضيع الكبيرة التي تثير نقاشا كبيرا في المجتمع الهولندي مثل الهوية، الإسلام، ازدواجية الولاء والجنسية، التعدد الثقافي... ليجعل منها قصة شخصية تصل إلى القارئ." ويضيف بنعلي: "تحدث الكاتب في الفصل الأخير عن إقامة نصب تذكاري لوالده، وللجيل الأول من المهاجرين. يعتبر هذا الكتاب بحق معلمة ذلك الجيل." وفيما يلي حوار مع الكاتب والصحفي عزيز اينان الذي ينشر في صحف هولندية مختلفة مثل ان ار سي هاندلسبلاد وتراو[ color=#0000FF]تحدثت في الفصل الأخير من كتابك عن أن والدك كان مصدر الهام لكتابك الأول، كيف ذلك؟ [/color]لم أكن واعيا ذلك، وبعد أن وضعت نسخة الكتاب بين يدي الناشر، قال لي أن والدك يلعب دورا محوريا في الكتاب. تجده في كل مكان. وحين عدت لقراءة الكتاب من جديد، كنت أقول مع نفسي: ماذا يفعل هنا؟ لم أكن أعرف أنه حاضر بهذه القوة في هذا الكتاب. كان حاضرا باستمرار. توفي والدي منذ فترة قصيرة، وهذا كان له أيضا تأثير في الطريقة التي كتبت بها كتابي "المعركة وذكريات أخرى." وذكرته في الكتاب بكثير من القسوة في بعض الأحيان، كنت صادقا تجاهه.اعتقد أنني لم أتعرف على والدي بعمق بما فيه الكفاية. فلا تزال هناك أسئلة عالقة كثيرة كنت أود أن يجيب عنها. البعض منها قد تبدو صغيرة. مثلا كيف ومتى التقى بأمي؟ وهناك أسئلة أخرى أكثر عمقا، مثلا لماذا ترك العزف على آلة العود. فأبي كان عاشقا لهذه الآلة، وكان يحب عزف فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وعبد الوهاب الدكالي، ولكنه توقف فجأة عن العزف لتصبح الموسيقى من المحرمات. لماذا توقف؟ أبدعت مصطلحا جديدا ونوعا أدبيا جديدا في كتابك أسميته "كولهالن". ماذا يعني هذا المصطلح؟لا أدري هل سيضاف هذا المصطلح إلى القاموس الهولندي "فان دالن"! لقد لاحظت أن طريقتي في الكتابة فريدة، ولم أرها من قبل. وهذا ما قاله أيضا باس هاين -من صحيفة ان ار سي هاندلسبلاد الذي تسلم النسخة الأولى من الكتاب- "عزيز اينان يكتب أعمدة صحافية بطريقة أدبية." لهذا أبدعت مصطلح "كولهال" ويعني "العمود القصصي"، فهو يجمع بين مصطلحين: العمود والقصة. وما أقصده بذلك هو أن تكون دقيقا باعتبارك كاتب عمود لتتمكن بواسطة كلمات لا تتعدى الألف أن تحكي قصة جميلة. ويجب عليك أيضا كما يفعل كاتب العمود أن تجعل من الأشياء الكبيرة، أشياء صغيرة. يجب أن توصل القصة للقارئ شيئا معينا. ولتحقيق هذا الغرض، أبدعت مصطلح "كولهال" أي العمود القصصي.ما الذي يجعل كتابك متميزا؟ بماذا تتميز طريقتك في الكتابة عن باقي الكتاب الهولنديين من أصل مغربي؟ أعتقد أن الذي أشارك فيه حسن باهارا، وهو أيضا كاتب هولندي آخر من أصل مغربي، وهذا ما أفتقده لدى الكتاب المغاربة الناطقين بالهولندية هي الصراحة في طريقة الكتابة الأدبية التي أراها بشكل أقل لدى الكتاب الآخرين. هذا ما نتميز به عن هؤلاء. فهم كتبوا قصصا جميلة جدا، ولكن حسن باهارا وأنا نريد كسر المحرمات( التابوهات). أتحدث في الكتاب بكثير من الجرأة حول بعض المواضيع، مثل مشكلتي مع الإمام. ورجعت بذكرياتي إلى الطفولة لمعرفة السبب. وكان لدي مشكل حقيقي مع والدي، وكنت أريد أن أعرف لماذا؟ كان لدي أيضا مشكل مع صديقتي الهولندية التي كان لديها والدين عنصرين رفضا علاقتنا لكوني من أصل مغربي. كنت أريد أن أعبر عن كل هذه الأشياء جهارا، ليتلقاها المجتمع. وهذه الطريقة الجريئة في التعبير لم أرها عند الكتاب الهولنديين الآخرين من أصل مغربي.والدتك أيضا حاضرة في الكتاب، والملفت للنظر أنها كانت تريد أن تزيل وشمها، لماذا؟لأن إماما قال لها أن الإسلام يحرم وشم الجسد. وفي الثقافة الأمازيغية من الطبيعي جدا أن توشم جسدك وتجعله جميلا. بل الأكثر من ذلك يمكنك أن تزين جسدك كما تريد، فهو بمثابة معبد. يمكن أن تقارن هذا بالفرق الموجود بين البروتستانت والكاثوليك، فالكنائس البروتيستانتية تغيب فيها المنحوتات، ولكن الكاثوليك يزينون كنائسهم وهم يشبهون في ذلك الأمازيغ الذين يزينون كل شيء. لذا جاءت في إحدى الأيام لتقول "يجب علي إزالة الوشم لأنه حرام، ومن الأحسن لي أن أزيلهم الآن قبل أن أسأل عنهم في يوم القيامة." وكنت قلقا على ذلك، لذا أصف ذلك في كتابي ولم أكن أفهم كيف يمكن لأحد أن يضغط عليها بهذا الشكل لتشوه جسدها بأشعة الليزر لإزالة وشامها. هذا في الوقت الذي أعرف أن أمي معتزة بوشمها الذي ترى أنه يزيد من جمالها. أنا أيضا أرى أن أمي جميلة جدا بوشمها. هذا يجعل من أمي أكثر من أم. ويجعل من أمي أيضا أكثر من أم أمازيغية، فهي رمز تاريخي حي نقش على وجهها علامات تحمل ثقافة إنسانية حية صمدت لآلاف السنين. والسر في تلك الرمزية هو تحول الجسد والروح من الطفولة إلى الرشد. أرى أن هذه الرمزية جميلة جدا.تحدث عن الجرأة والصراحة في الكتابة، هكذا كان محمد شكري، ونشم رائحته بين سطور كتابك، هل هذا صحيح؟فعلا. محمد شكري صاحب كتاب الخبز الحافي كاتب رائع. كتابه جميل جدا، ويحكي فيه قصته بعيون الطفولة، وهذا ما أفعله أنا أيضا في كتابي. فقد تمكن من تجاوز التابوهات بشكل رائع، وعرف كيف يحكي حياته القاسية بشكل جميل. وهذا ما نجح فيه بشكل متميز. محمد شكري وجه مهم جدا في الأدب المغربي والعالمي، وليس غريبا أن كتابه منع في عهد الحسن الثاني، ليفرج عنه في حدود عام 2000 بعد وفاته ليعاد طبعه في المغرب.من الذي أثر فيك بغير محمد شكري؟في الأدب الهولندي تأثرت كثيرا بريمكو كامبرت. ولكنني تأثرت أيضا بشكل كبير بكاتبين هما محمد المرابط وبول بولز. لقد أنجزا شيئا رائعا، فالمرابط لا يعرف القراءة والكتابة، ولكنه كتب 15 كتابا بمساعدة بول بولز. كان المرابط يملي عليه قصصه وهو يسجلها، ليكتبها بول بولز بعد ذلك، والنتيجة كانت رائعة. أتمنى أن تترجم كتبه إلى اللغة الهولندية، فالأدب الهولندي سيغتني بذلك. انه بارع في سرد القصة القصيرة، فهو يجيد فن الكتابة إلى درجة أنك تعشق تذوق الشاي حين يصفه، وتعشق تدخين "السبسي" حين يتحدث عنه. لقد تفوق بول بولز بأن يبقى وفيا وقريبا من نص محمد المرابط. لا يمكن لي إلا أن أنبهر بذلك.