مروحيات جديدة تعزز قدرات البحث والإنقاذ القتالي لدى القوات المغربية    "بي دي إس" تدعو المغرب إلى الانسحاب فورا من ندوة لجيش الاحتلال وترى في مشاركته خرقا للالتزامات الدولية    خفض المساعدات الأمريكية والأوروبية قد يتسبب ب22,6 مليون حالة وفاة بحسب دراسة    ترحيب فلسطيني باعتماد "خطة غزة"    "لبؤات الفوتسال" يتدربن في الفلبين    طنجة: انهيار منزل مهجور بطنجة يخلف إصابات في صفوف المارة + صور +    عشرات القتلى الهنود في اصطدام مروّع بين حافلتهم وصهريج نفط في المدينة المنورة    اتحاد طنجة يُنهي ارتباطه بالمدرب هلال الطير    للمرة الثانية تواليا.. حكيمي يتوج بجائزة الأسد الذهبي 2025    مجلس الأمن يصوت لإحداث قوة استقرار دولية في غزة    الذهب يواصل انخفاضه متأثرا بصعود الدولار    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    فيدرالية اليسار بمكناس تُحمّل المجلس الجماعي المسؤولية في تفاقم أزمة النقل الحضري    كيوسك الثلاثاء | البنك الدولي يؤكد إمكانات المغرب كقوة رائدة في الاقتصاد الأزرق    حجيرة: طاقات تصديرية "غير مستغلة"    رغم امتناع روسي صيني.. مجلس الأمن الدولي يُقر بالأغلبية مشروع قرار صاغته أمريكا يؤيد خطة ترامب للسلام في غزة    جمارك ميناء طنجة المتوسط تحبط محاولة تهريب الذهب    مجلس الأمن يعتمد قرارا أميركيا يدعم خطة ترامب للسلام في غزة    جائزة الإعلام العربي تفتح باب المشاركة    بحضور الوزير بنسعيد... تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة وحجب جائزة الكاريكاتير    نبيل باها: المنتخب أكثر مناعة وجاهز لتجاوز المالي في ثمن النهائي    مزور: المغرب بلغ أكثر من 50 في المائة من رقم معاملات الصناعات المتطورة    الناظور.. اعتقال شخص وحجز خمس كيلوغرامات من مخدر الهيروين و900 غراما من الكوكايين    برمجة 5 ملايين هكتار للزراعات الخريفية    دار الشعر بمراكش .. الموسم التاسع لورشات الكتابة الشعرية للأطفال واليافعين    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    سجلماسة.. مدينة ذهبية تعود إلى الواجهة رغم لغز أطلالها الصحراوية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الموقع الهولندي المتخصص "فوتبولزون": المغرب "يهيمن" على القوائم النهائية للمرشحين ل"جوائز كاف 2025″    الجيش الملكي يعلن استقبال الأهلي المصري بملعب مولاي الحسن    سباق جهوي في رياضة الدراجات الهوائية بجرسيف    انعقاد مجلس للحكومة الخميس المقبل    بنكيران يتقدم باعتذار لمدينة بركان    خبير: قدرة المغرب على التوازن الاقتصادي تكمن بإدارة الأزمات وسرعة الاستجابة للصدمات الخارجية    عائشة البصري تكتب: القرار 2797 يعيد رسم معالم نزاع الصحراء.. وتأخر نشره يزيد الغموض المحيط بصياغته    بنغلاديش تحكم بإعدام الشيخة حسينة    دعم الحبوب… "أرباب المخابز": تصريحات لقجع "غير دقيقة ومجانبة للصواب"    قطاع الفلاحة يتصدر جلسة مسائلة الحكومة بمجلس النواب ب13 سؤالاً    الأعياد ‬المجيدة ‬تنبعث ‬في ‬الصيغة ‬الجديدة    أكادير تحتضن المعرض الدولي للتصوير الفوتوغرافي    الإذاعة والتلفزة تُقرّب الجيل الصاعد من كواليس عملها في التغطية الإخبارية للأحداث الكبرى    عمر هلال يستعرض ركائز السياسة الخارجية للمملكة    تصفيات مونديال 2026.. الكونغو الديموقراطية تعبر إلى الملحق العالمي بعد التفوق على نيجيريا بركلات الترجيح (4-3)    الطالبي العلمي يترأس الوفد البرلماني في أشغال المؤتمر 47 والدورة 84 للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الإفريقي    "جمهورية نفيديا".. سباق التسلّح التكنولوجي يبدّد وهم السيادة الرقمية    تشكيلنا المغربي..    التواصل في الفضاء العمومي    العرب في معرض فرانكفورت    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعقيب على نقاش حول القضاء ضمن الدستور الجديد


د.حبيب عنون
عجبا أن يكون هناك من يطالب بأن يكون "القاضي هو من يتقاضى أعلى أجرة في البلاد" في وقت يحتدم فيه النقاش والانتقادات بخصوص الفوارق الشاسعة بين الأجور العليا وتلك الدنيا وفي وقت نعتبر فيه، تبعا لتصريحات وزير تحديث القطاعات العمومية، أن ورش التفكير والاجتهاد في بلورة منظومة جديدة للأجور في المغرب على أسس موضوعية هو قيد الانجاز. ومما لا ريب فيه أن هذا الورش، حسب التوجيهات السامية، سيكون هدف دعم بروز طبقة متوسطة ذات قدرة شرائية ومستوى معيشي يمكن المواطن المغربي من العيش الكريم بدل التفكير والانحياز، من جراء فقره، إلى الأفكار الهدامة واليأس والتي لا مستقبل لها سوى زرع الفتنة والقضاء على روح المواطنة. فالقاضي، والمقصود به هنا، رجل الحق والعدالة، هو نفسه يجب أن يدافع عن العدل في الأجور. والعدل في الأجور هو إيجاد ميكانيزمات لتقليص الهوة بين الأجور العليا والأجور الدنيا علاوة على إعادة النظر في المعايير المحددة للعلاوات أو المكافآت بين قطاعات الوظيفة العمومية مع تحديد قانوني لنوعية المسؤوليات التي تستغل غالبا كذريعة لتوزيع التعويضات (المبالغ فيها) لتشكل إهدارا للمال العام وتشنجا اجتماعيا بين موظفي الدولة. وجبت مراجعة معاييرها لكوننا نجد أن بعض المسؤوليات تدخل في إطار ما يجب على الموظف القيام به فعليا وتدخل ضمن تخصصاته سواء كان وزيرا أم قاضيا أم رئيسا لجامعة أم أستاذا أم برلمانيا أم غيرهم من موظفي الدولة. فتعريف المسؤولية، أعتقد، أنه يجب تكون مهمة فوق "العادة" أي مهمة تفوق ما وجب على الموظف القيام بها والمحددة له قانونيا ضمن اختصاصاته في الزمان والمكان. نقول هذا في زمن أصبح فيه تدبير مصاريف الدولة يشكل جدلا كبيرا بين من يشكك في عقلانيته وبين من يرى عكس ذلك.
فوجهة نظر ممثل الودادية الحسنية مجانبة تماما للصواب خصوصا وأنها تقصي كليا الضمير المهني وما تستوجبه هذه المهنة من التحلي بأخلاق تبرز الحق حقا والباطل باطلا خاصة وأن الحكم يصدر باسم ضامن وحدة البلاد أمير المؤمنين. وحَسُن القول من عقب على هذا التصريح حين أوضح أن القاضي هو من اختار مهنته وبالتالي فإما أن يكون قاضيا كفؤا أو لا يكون. هذا، دون الحديث عن مضمون البرنامج الذي عوض أن يتجه إلى مناقشة مستجدات الدستور الجديد بخصوص تطور نمط القضاء في المغرب، زاغ عن اتجاهه ليتحول في مجمله إلى الحديث عن وضعية القاضي.
بالفعل، ومرة أخرى مضى المتدخلون في نقاش وضعية القاضي وما يتقاضاه متجاهلين الجانب الاجتماعي والاقتصادي لانعكاسات عمل القاضي ليس فقط على المواطن ولكن حتى على الاقتصاد الوطني. كما أنه لا يليق ربط أداء القاضي بوضعيته المادية لكون مرادف هذا القول يعني إما الزيادة في أجره وإما "تعليل تعرضه للارتشاء" حتى يتقن عمله. وهذا منظور لا أجد المصطلح المواتي لوصفه به لأنه منظور مُخزي وعيب ومُستفز أن يتفوه به متدخل في برنامج تلفزي تتبعه مختلف شرائح المجتمع المغربي والتي هي على دراية تامة كيف هي عيشة ووضعية القاضي مقارنة مع وضعية أناس اختاروا أو أُرغموا، نظرا لإمكانياتهم المادية أو ظروفهم العائلية، على الاكتفاء بامتهان وظائف أخرى. فهل يبيح ممثل الودادية الحسنية للمعلم أو الممرض الذي يعلم جيدا ظروف اشتغاله خصوصا في المناطق القروية، ألا يقوم بواجبه إلى حين زيادة أجرته؟... والأمثلة متعددة ومتشابكة. ولهذه الأسباب طرحت مسألة إعادة النظر في منظومة الأجور حتى يتجنب المواطن المغربي هذه الوضعية وحتى طريقة الزيادات القطاعية المتداولة حاليا. وحتى من الناحية المعنوية، كما أشار إليها أحد المتدخلين، فالفرق شاسع بين القاضي وباقي بعض موظفي الدولة.
 من الناحية الاجتماعية، شخصيا، أعتبر القضاء ب" محرك محرار السلم الاجتماعي في أي وطن" إذ تكفي الإشارة إلى كون القضاء ونزاهته وشفافيته واستقلاليته من أبرز ما نادى بها الشارع المغربي وفي هذا دلالة كبيرة عن استياء بعض من يلجأ إلى القضاء لما يتصف به هذا المجال حتى بات المتنازعون بشأن أمر ما يفضلون إيجاد صيغة للتسامح والتراضي السلمي عوض اللجوء إلى القضاء. وبالصيغة الشعبية يقول البعض " شُوفْ أَ خُويَ، فهذا الوقت، غير سَلَّك، أما إيُلا امُشيت المحكمة... أ... سير... من هذا... لهذاك" وحتى في نهاية الترحال من هذا إلى هذاك، يتيه بعض المواطنون في إشكالية التنفيذ. فهذا القول الشعبي مليء بالدلالات والتي يمكن اختزالها في نظرة الشارع المغربي لوضعية القضاء.
 أما الجانب الاقتصادي فعلاوة على الملايير من الدراهم التي يجلبها القضاء إلى خزينة الدولة كما تمت الإشارة إلى ذلك خلال البرنامج، وجبت الإشارة إلى دور نزاهة وشفافية القضاء ليس فقط في إنعاش مختلف استثمارات المغاربة في جهات المملكة وبالتالي المساهمة في التشغيل والحد من إشكالية البطالة، ولكن وهذا جانب آخر، إذ تمكن نزاهة القضاء، من جلب الرساميل الأجنبية للاستثمار في المغرب وبالتالي تحريك سوق التشغيل وبورصة القيم التي بدون رساميل أجنبية سيبقى مؤشرها غير ذي جاذبية للموارد المالية الأجنبية. فالملايير المشار إليها أعلاه هي فقط نتيجة القضايا المطروحة على المحاكم وغيرها من المخالفات المختلفة التي تستدعي أداء غرامات مالية. فهذه الملايير يمكنها أن تتضاعف إذا ما أطفينا على قضاءنا صبغة النزاهة والشفافية والمساواة إذ سنتمكن من جلب الاستثمارات الأجنبية ومن خلالها الخبرة والعملة الصعبة من زاوية إنعاش مخزون البلاد من العملة الصعبة وتسوية ميزان الأداءات وكذا نسبة تغطية الصادرات للواردات وهذا هو الأهم.
مما لا شك فيه أن للقضاء دور رئيسي في الرقي بالاقتصاد المغربي إلى المستوى الذي يمكنه من ولوج ألفية العولمة وما تتطلبه، قصد المواكبة وكسب المنفعة، من خلال تمكينه من الارتباط والتواصل مع أسواق الرساميل العالمية. فالقضاء من أبرز الركائز التي ترهن رقي اقتصاد أية دولة كانت. ذلك أنه هو المترجم الحقيقي للاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي. فمهما كانت التحفيزات خصوصا الضرائبية وغيرها من خلال les codes des investissements étrangers والتي باتت دون جدوى جراء التنافسية (لتشابه مضامين قوانين جلب الاستثمارات) القائمة بين مختلف الدول السائرة في طريق النمو(فكل الدول تسعى لجلب الاستثمارات الأجنبية حتى باتت "مغرياتها" الجبائية متشابهة لتفقد بذلك دورها كآلية لجلب الاستثمار). فاتخاذ قرار الاستثمار من طرف المستثمر سواء المغربي أو الأجنبي لا تحكمه مزايا التحفيزات الضريبية، فالنظرة التي كانت تدعي أن انخفاض كلفة الانتاج (اليد العاملة ذات الأجر المنخفض والقرب من مصادر المواد الأولية وغيرها) هي معيار رئيسي في اتخاذ قرار الاستثمار قد أصبحت شبه متجاوزة ليحل محلها الاستقرار السياسي للبلاد والسلم الاجتماعي الذي يعتبر القضاء ضامنه وأساسه. فالاستقرار السياسي يتأتى عن طريق سهر القضاء على ضمان نزاهة ووضوح المشهد السياسي؛ أما السلم الاجتماعي، فيتجلى في قدرة القضاء على ضمان العدالة الاجتماعية في مفهومها الواسع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.