مرة أخرى تبرز اعتراضات السيد السيستاني على آليات نقل السلطة في العراق كواحدة من الدلائل المهمة على مأزق الاحتلال في مواجهة من يقاومون، ومأزقه الآخر في مواجهة آخرين لا يرفعون السلاح لكنهم يستثمرون خوفه من التحاقهم بمن حملوه فيضغطون على أعصابه لتصحيح المسار والتأكيد على أن ألعابه البهلوانية للالتفاف على مسألة نقل السلطة لن تمر ببساطة لأن القوم منتبهين تماماً. صحيح أن الأبعاد المذهبية لازالت تحكم اللعبة إلى حد كبير بمنطق الغالبية، وإن تكن غير محسومة تماماً، لكن ذلك لا يشكل معضلة كبيرة من زاوية نظر الحريصين على إفشال معركة الاحتلال في العراق، ومن ثم نقلها إلى المحطات التالية، سيما إذا كان بالإمكان ايجاد قواسم مشتركة بين فرقاء الساحة بتدخل العقلاء من الخارج كما أشرنا سابقاً في هذه الزاوية. لا حاجة إلى الكثير من الذكاء لكي يدرك العقلاء في الساحة العراقية أن الاحتلال يستخدم أقصى ما يملك من ذكاء وعملاء في الوصول إلى صيغة تثبّت وجوده من خلال آلية لنقل السلطة تبقي معظم رموز مجلس الحكم في الواجهة، ومعهم عدد من الرموز القريبة من الخط الأمريكي. هذه اللعبة ستفضي –وفق السيناريو المذكور- إلى حكومة تقبل بوجود أمريكي داخل القواعد البعيدة عن أيدي المقاومين فيما يكون العمل حثيثاً على انشاء جيش وقوات شرطة توضع قيادتها في يد مجموعة قريبة من الاحتلال. وهنا يمكن القول إن من يملك الجيش والشرطة والاستخبارات سيكون الحاكم الفعلي للبلاد حتى لو توفر "كرزاي" دمية يدار بالخيوط من وراء حجاب، والخلاصة هي حكم تابع يبقي على الوجود الأمريكي العسكري إضافة إلى حمايته للمصالح السياسية والاقتصادية الأمريكية. هذه اللعبة لا يمكن أن تكون مقبولة بحال من الأحوال. صحيح أن مطلب الانتخابات قد يؤخر نقل السلطة للعراقيين، لكن ذلك ليس مؤكداً ابتداءً إذا توفرت الإرادة، أما الأهم فهو أن الانتخابات هي الضمانة الأفضل لعدم إمساك الاحتلال بخيوط اللعبة من خلال دمىً جاء بها من الخارج. من المؤكد أن الحساسيات المذهبية والطائفية لازالت تلقي بظلالها على الموقف، لكن بالإمكان تجاوز ذلك من خلال تدخل عربي إيراني إيجابي، الأمر الذي يبدو مفقوداً للأسف الشديد. في كل الأحوال فإن ما يجري إنما يؤكد ما أشرنا إليه، وهو أن الاحتلال في مأزق حقيقي، إذ أن عراق اليوم ليس نموذجاً لأحمد الجلبي وكنعان مكية كما كانت توحي مؤتمرات "البنتاغون" في الخارج، بل هو عراق السيستاني والمراجع وهيئة كبار العلماء، وهؤلاء جميعا لن يكونوا أذناباً للاحتلال حتى لو اختلفوا مؤقتاً حول سبل التعامل معه. ياسر الزعاترة – كاتب فلسطيني