لا بد للقاضي أن يتعرض خلال مساره المهني للعديد من المواقف، البعض منها يكون مؤثرا ومواقف تكون مضحكة وهذا لطبيعة عمله مع كل فئات المجتمع. والموقف الذي لن أنساه قط والذي كلما تذكرته ضحكت كثيرا، فحينما كنت بصدد عقد جلسة للنظر في قضايا ( أكرية ) خلال أحد الأيام من سنة 2009، وأتذكر أن قاعة الجلسات كانت غاصة بالمحامين والمتقاضين عن آخرها، ولما كنت على وشك الانتهاء، قامت سيدة مسنة من الكرسي الذي كانت تجلس عليه متجهة نحوي، كانت تحمل كيسا بيدها انتظرت حضورها عساها تحتاج إلى بعض التوضيحات في قضيتها، كانت تتقدم نحوي بطريقة تدعو إلى الاستغراب. سارعت في سؤالها قبل الاقتراب أكثر مني:" ما خطبك أ الشريفة"، لكن أصرت أن تهمس لي بصوت رقيق مرتعش وبإشارة مضحكة جدا بإصبعها إلى الكيس الذي تحمله قالت لي: " واش ما تشريش مني كحيلة زوينة ونقية أبنيتي؟ "، لم أتمالك نفسي أنا، وكاتبة الجلسة من الضحك على هذا الموقف غير المتوقع مطلقا داخل المحكمة. حاولت بسرعة لملمة المشهد، وذكرتها بأن المحكمة لها حرمة، وبكون ما قامت به يقع تحت الجزاء القانوني وأنها لا تدرك جريرة ما اقترفته، وبداخلي حيرة لا توصف، إعتذرت السيدة المسكينة كثيرا وهرولت بالخروج بعدما شعرت بحدة الموقع. صراحة بقدر ما أضحكني هذا الموقف، بقدر ما أشفقت على السيدة العجوز، وعلى واقع الحال بالمحاكم حيث غياب الأمن وغياب البنايات اللائقة التي تسمح بحدوث مثل هذه الأمور، أكيد أن السيدة لم تنتبه إلى أن دخولها إلى هذا الفضاء دون أن تكون طرفا في دعوى معينة غير قانوني، وأكيد أن أحدا لم يعرها اهتماما وهي تجول في المحكمة بحثا عن زبناء للكحل الذي تبتاعه. وسأعرج إلى حدث آخر، شعرت خلاله ببعض الإحراج، ففي إحدى المرات كنت أستعد للدخول إلى الجلسة في إطار هيأة جماعية، وعندما هممت بالدخول تفاجأت بكون أعضاء الهيأة لم يلتحقوا بي على الفور، فإذا بي أجد نفسي واقفة بمفردي في مواجهة القاعة بمن فيها من المتقاضين والمحامين وقفوا ينتظرون جلوس الهيئة، فبدأت ألتفت ورائي وأرجو الله ألا يتأخروا، لكن سرعان ما تم تدارك الأمر بالتحاق باقي أعضاء الهيأة بالقاعة فورا.
نائبة رئيس المحكمة الابتدائية بمكناس وعضو المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب