كان يعيش في براكة بأحد الفنادق القديمة بالدار البيضاء، رفقة زوجته التي فقدت بصرها قبل سنوات بسبب مضاعفات السكري، كلاهما كان قد وصل إلى أرذل العمر، فالزوج الذي زار معظم دول العالم أيام شبابه، واشتغاله جنديا في صفوف القوات الفرنسية أيام الحربين العالميتين الأولى والثانية، وزوجته التي اشتغلت عند كبريات العائلات الأجنبية والمغربية، تنكر لهما الزمن في آخر مرحلة من مراحل عمرهما، ليجدا نفسيهما متسولين يستجديان الناس قوت يومهما، مسكنهما كان عبارة عن غرفة مبنية بالقصدير وأعمدة خشبية، اجتمعت فيها كل المرافق، ولا يفصل بين مرفق وآخر سوى ستار أو حائط من الخشب المهترئ.. غرفة تشتم منها رائحة المعاناة المشوبة برائحة الرطوبة والعفن المنتشر في كل ركن من أركان الغرفة.. كان الزوجان يقضيان أيامهما في تسول لقمة العيش.. ورغم فقدانها للبصر وتقدمها في العمر.. كانت الزوجة تقوم بأعمالها المنزلية.. ولا تسمح للجارات بالدخول إلى غرفتها.. ولا للأطفال باللعب بالقرب منها.. وتطلق العنان للسانها السليط لكل من يحاول الاعتداء على حدودها الفندقية.. أما هو فكان كتوما لأبعد الحدود.. ورغم فاقته، وعجزه وشيخوخته الظاهرة، فلم يكن يتخل عن تدخين الحشيش.. الذي كان ينفق عليه جزءا من أرباحه اليومية في التسول.. أما الجزء الآخر، فهو ما شكل الحدث بعد خروج روحه وانتقاله إلى الرفيق الأعلى.. فمباشرة بعد موته.. حضر أخوه الذي كان يقطن على بعد أمتار معدودة من الفندق في بيت من ثلاثة طوابق رفقة زوجته وأبنائه في أحسن حال.. وبعدما أخذ يجرده من ملابسه استعدادا لتغسيله، أثار انتباهه وجود جيب داخلي بالمعطف الذي كان لا يفارق جسم الهالك صيفا ولا شتاءا مملوءا بما يشبه رزمة أوراق.. فك الأخ الخيط.. ليجد المئات من الأوراق النقدية القديمة منها والحديثة محشورة بعشوائية في جيبه.. هذا الفتح دفع الأخ بعد دفن الجثة إلى مواصلة البحث في أرجاء الغرفة.. ليعثر على أوراق أخرى محشورة بعناية بين أكوام القش التي كان يملأ بها سريره المهترئ.. كما عثر في حاشية قميص آخر على جيب داخلي أضافه الهالك لتخزين الإرث الذي لم يكن يحلم به أحد.. بعدما حرم نفسه وزوجته من التنعم به قيد حياته.. مختارا عيشة الذل والمسكنة بينما كان يرقد على مبلغ ربما كان على الأقل سيكفيه معاناة العيش وسط فندق تنعدم فيه كل شروط الحياة.