قدم الزميل عادل الزبيري استقالته لإدارة قناة الرابعة بعد أربعة أشهر من العمل، وهو حدث قد يبدو للقارئ غير ذي قيمة إعلامية بالنظر إلى كون المستقيل صحافيا مبتدئا، وكون القناة هي الأخرى قناة لم تكمل حولها الأول ومازالت تتلمس طريقها في خريطة المشهد السمعي البصري، والواقع أن هذه المعطيات هي المؤشر على قوة الموقف وجراءة هذا الصحافي. فأن يستقيل شاب لم يمض على تخرجه من المعهد العالي للإعلام والاتصال سوى سنة، قضى أغلب شهورها معطلا عن العمل، معناه أن هذا الشاب يحمل مبدءا وميثاقا أخلاقيا ذاتيا، لا يحب أن تمس بنوده وفصوله. فأي بنود تلك التي لم يشأ عادل أن يتنازل عنها؟ لم يتردد هذا الشاب، الذي أسند إليه تقديم برنامج أمسيات الرابعة، وهو برنامج ذو طبيعة فنية، في الموافقة على أساس أنه تجربة يصقل بها تكوينه ويطرد شبح العطالة، الذي يلازم خريجي الجامعات والمعاهد، وهكذا تم عقد النية وتوطين العزم على العمل، فأنجز زهاء 16 حلقة من هذا البرنامج الموضوعاتي، ساعيا إلى تسخير إمكاناته الذاتية، ومستلهما خبرات أناس آخرين، يعملون في المجال نفسه، إلا أنه في خضم عمله كان يصطدم بمنعرجات وعوائق ينعطف عنها غير آبه بتداعياتها، ليستخلص أن هذه المؤسسة أصغر من طموحه، الذي رسمه بعد تلقيه خبر الانضمام إلى الطاقم الصحافي للقناة، خصوصا عندما كان يتم إلغاء بعض البرامج بعد تصويرها، بمبرر أن اسم الضيف غير مشهور أو أن موضوع الحلقة غير ذي قيمة. فلماذا صورت الحلقة إذن؟ وماذا سيقال للضيوف والمشاهدين، الذين تربطهم بالقناة تعاقدات يومية أساسها الصدق والجودة المهنية؟ إن جو أي مؤسسة عندما يصبح مشحونا بالضغوطات، ومطبوعا بأوامر وعقلية الرئيس والمرؤوس في غياب تام، لأي نوع من التفاعل والتواصل، يخلق شرخا وهوة يتسع الخرق فيها على الراقع، يفضي إلى هيمنة لغة القطب الوحيد وسيادته، مبتلعا بذلك آليات التداول والتواصل الإعلامي. وكل هذه المؤشرات طبعت علاقة هذا الزميل بمؤسسة الرابعة ، وإن كان وزملاؤه يعتقدون بتجاوز حدود هذه الدالة المؤطرة بين رقم واحد ورقم أربعة، في إشارة إلى تفانيهم في دعم مؤسسة انطلقت بدون خزان معرفي وموروث إنتاجي، ويكفي أن تختار هذه القناة التردد الرقمي على القمر الاصطناعي اليتلسات و الهوتبورد، الذي يعج بالقنوات الإباحية، مع أن هذه القناة تستهدف التلاميذ والطلبة وشريحة واسعة من المغاربة، الذين يسعون إلى محاربة الأمية. إن المؤسسة، التي لا تستطيع أن تدبر الأمورالخلافية والاختلافية مع صحافييها هي مؤسسة مدعوة إلى مراجعة تصورها والاستنكاف عن الطقوس المزاجية، التي تسم بعض المسؤولين، حتى لا تضيع الرسالة، التي من أجلها أحدثت قناة تنتمي إلى القطب العمومي المغربي وتحمل رقم 4 . قبل الختام : عادل، حتى وإن انسحب من القناة، فإنه يدعو لها بالتوفيق وبالتشجيع ويربأ بنفسه عن تقييم أداء القناة في عامها الأول وفي مرحلة التأسيس، مؤكدا على طبيعة العلاقة الطيبة، التي تربطه بإدارة القناة، ومقتنعا بأنه غير نادم على الاستقالة، لأن الصحافي ولد ليعيش حرا حتى وإن لم يجد خبز يومه..