توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بمختلف مناطق المملكة    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    فيديوهات خلقت جوًّا من الهلع وسط المواطنين.. أمن طنجة يوقف سيدة نشرت ادعاءات كاذبة عن اختطاف الأطفال    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    ريال مدريد ينجو من ريمونتادا سيلتا فيغو    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    احتفاء فريد من نوعه: مهرجان التوائم الدولي يجمع أكثر من ألف مشارك في جنوب غربي الصين    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    شبكة نصب لتأشيرات الحج والعمرة    تطوان تحتضن النسخة 16 من الأيام التجارية الجهوية لتعزيز الانفتاح والدينامية الاقتصادية بشمال المملكة    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة: تعادل سلبي بين المغرب ونيجيريا في قمة حذرة يحسم صدارة المجموعة الثانية مؤقتًا    اتهامات بالمحاباة والإقصاء تُفجّر جدل مباراة داخلية بمكتب الاستثمار الفلاحي للوكوس    ملتقى بالقدس يشيد بجهود الملك    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    جريمة بيئية مزعومة تثير جدلاً بمرتيل... ومستشار يراسل وزير الداخلية    الدوري الألماني.. بايرن ميونخ يضمن اللقب ال34 في تاريخه بعد تعادل منافسه ليفركوزن    طنجة تحتضن اللقاء الإقليمي التأسيسي لمنظمة النساء الاتحاديات    وزيرة تكشف عن مستجدات بشأن الانقطاع الكهربائي الذي عرفته إسبانيا    شركة بريطانية تطالب المغرب بتعويض ضخم بقيمة 2.2 مليار دولار    المغرب يتصدر قائمة مورّدي الأسمدة إلى الأرجنتين متفوقًا على قوى اقتصادية كبرى    تحالف مغربي-صيني يفوز بعقد إنشاء نفق السكك الفائقة السرعة في قلب العاصمة الرباط    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين في محطات الوقود    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الفن التشكلي يجمع طلاب بجامعة مولاي إسماعيل في رحلة إبداعية بمكناس    "البيجيدي" يؤكد انخراطه إلى جانب المعارضة في ملتمس "الرقابة" ضد حكومة أخنوش    الخيط الناظم في لعبة بنكيران في البحث عن التفاوض مع الدولة: الهجوم على «تازة قبل غزة».. وإيمانويل ماكرون ودونالد ترامب!    الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    إسبانيا: تحديد أسباب انقطاع الكهرباء يتطلب "عدة أيام"    المغرب يجذب الاستثمارات الصينية: "سنتوري تاير" تتخلى عن إسبانيا وتضاعف رهانها على طنجة    الناخب الوطني يعلن عن تشكيلة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة لمواجهة نيجيريا    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    مصادر جزائرية: النيجر تتراجع عن استكمال دراسات أنبوب الغاز العابر للصحراء    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    توقيف 17 شخصا على خلفية أعمال شغب بمحيط مباراة الوداد والجيش الملكي    "الأونروا": الحصار الإسرائيلي الشامل يدفع غزة نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    الداخلة.. أخنوش: حزب التجمع الوطني للأحرار ملتزم بتسريع تنزيل الأوراش الملكية وترسيخ أسس الدولة الاجتماعية    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    الجمعية المغربية لطب الأسرة تعقد مؤتمرها العاشر في دكار    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    وهبي: مهمة "أشبال الأطلس" معقدة    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمازيغية بين التوحيدية والتجزيئية..محاورة صريحة مع أخ أمازيغي- بقلم امحمد الطلابي
امحمد الطلابي
نشر في التجديد يوم 27 - 01 - 2011

على مدى العقود الثلاثة الماضية احتلت القضية الأمازيغية مكانة هامة في وعي وخطاب فئات واسعة من النخبة المغربية وسجلت حضورا لافتا في برامج المكونات الأساسية لمشهدنا الوطني.
وبذلك ظل التوافق هو الغالب في تعاطي المغاربة مع قضية يكاد ينعقد شبه إجماع على مكانتها وأهميتها كمكون حيوي من مكونات الهوية الوطنية وكرافد من روافد الغنى والثراء الذي يسم الخصوصية الحضارية للمغرب دون أن يمنع ذلك من تسجيل تمايز في وجهات النظر إزاء بعض القضايا التفصيلية أو تباين في المواقف حيال أسبقية أو أولوية بعض من ملفاتها.
تعاطي الحركة الإسلامية في مجمله لم يخرج عن هذا المنحى التوافقي ونجح إلى حد ما في عدم الانجرار وراء بعض الاستفزازات والسقوط في فخاخ بعض الأجندات التي تسعى إلى خلق اصطفافات ذات طبيعة عقائدية أو فكرية بين أصحاب الأطروحة التي تتمحور حول الدين وأعني الإسلاميين وبين الأطروحة التي تتمركز على العرق وأعني بذلك التيار الأمازيغي العلماني.
فطالما حاول البعض استغلال هذه القضية للإيقاع بين التيارين أو كورقة في صراع أديلوجي أو سياسي لإيقاف مد هذا الطرف أو لتموقع الطرف الآخر فالإسلاميون أبطلوا مفعول الفخاخ المنصوبة أمامهم لجعل التيار الأمازيغي مفرملا لتمددهم الشعبي والسياسي، والتيار الوطني الأمازيغي نجح إلى حد كبير في عدم السماح باستعمال الأمازيغية كمجرد ورقة في صراع إديلوجي أو تنافس سياسي أو كمجرد ورقة في سجال مجتمعي، أيمانا من الجميع أن المقاربة التوافقية والانخراط الجماعي هو أضمن طريق لخدمة الأمازيعية ورفع ما يطالها من تهميش وتبويئها المكانة التي تستحق في النسيج الوطني.
حركة التوحيد والإصلاح واحدة من الهيئات التي انشغلت وما زالت بهذه القضية وساهمت بأقدار معتبرة فيما تحقق من إنجازات إن على مستوى الخطوات التي قطعتها جهود رفع التهميش عنها أو على مستوى مساعي التمكين لها في النسيج الوطني المغربي ثقافيا وإعلاميا وتعليميا.
ما تحقق للقضية الأمازيعية من إنجازات على طريق التمكين الثقافي والاجتماعي والسياسي لهذه القضية، يعد إنجازا مجتمعيا يستوجب صيانته وتنميته.
غير أن ما طفا على السطح في الآونة الأخيرة من تطورات ذات الصلة، وما سجلته بعض الجوانب التفصيلية من سجال، كل ذلك سينعكس بشكل سلبي على الحراك الاجتماعي والتفاعل المجتمعي وينذر بتقلص مساحات التوافق وتوسع هوامش السجال والخلاف حول هذه القضية.
حركة التوحيد والإصلاح والقضية الأمازيغية
كغيرها من القضايا الأساسية وكمكون من مكونات الهوية الوطنية ورافد من روافد الإنسية المغربية، ظلت القضية الأمازيغية حاضرة في قلب اهتمام الحركة الإسلامية تتفاعل مع المطالب المشروعة لرفع التهميش عنها وتنخرط في الفعاليات الرامية إلى النهوض بها تراثا وثقافة وأداة تواصل وتخاطب في الحياة العامة، وتدعم جهود تعزيز حضورها في برامج التعليم والإعلام والثقافة وباقي مجالات الحياة العامة.
غير أن ذلك لم يمنع حركة التوحيد والإصلاح من الجهر بقوة بمواقفها إزاء بعض المطالب الملتبسة بل والانخراط في الحراك التدافعي، مع مشاريع توظيفها لخدمة أجندات تجزيئية أو إلحاقية غايتها افتعال اصطراع بينها وبين باقي مكونات الهوية المغربية وخاصة العروبة والإسلام،
فقد انخرطت فعاليات الحركة بقوة في الجهود المجتمعية للتصدي للمساعي الرامية إلى استغلال القضية الأمازيغية لأغراض إيديولوجية أو سياسية أو إثنية، أو محاولات الركوب عليها والتستر وراء بعض جوانبها من أجل اختراق المجتمع المغربي والتمكين عبر بوابتها للتطبيع مع الكيان الصهيوني والانخراط في حملات تبيض جرائمه البشعة. ومواجهة مساعي فصل المغرب أو عزله عن عمقه العربي والإسلامي سواء من خلال السعي لتبني الحرف اللاتيني في كتابتها أو عبر توظيف بعض المزاعم الحقوقية الهادفة إلى الابتزاز والضغط لفائدة قضايا أخرى في المحافل والمنابر الدولية.
فعلى المستوى التصوري، انطلقت الحركة في تعاملها مع القضية الأمازيغية، من مقاربة دينامية منفتحة وإيجابية سلكت مسلكا يتميز بالمرونة حيث تبنت موقف الدعم والإسناد لما رأته مشروعا لكنها انحازت إلى موقف والتدافع بل والمواجهة أحيانا عندما يتعلق الأمر بقضايا تعتبرها الحركة متصادمة مع مشروعها الرسالي أو مضرة بمصلحة التعايش والتساكن التي شيد الإسلام صروحها قبل 14 قرنا.
وعلى المستوى العملي وتجسيدا لهذه المقاربة، فقد ظلت فقرة حول القضية الأمازيغية وما زالت، من الفقرات الثابتة في هندسة موضوعات البيانات الصادرة عن هيئات الحركة وخطابات قيادتها. بل احتلت مكانة معتبرة في برامج التثقيف والتكوين الخاصة بالحركة، جنبا إلى جنب مع أولويات التوعية الداخلية والأعمال الإشعاعية.
أكثر من ذلك، فقد قررت الحركة في مرحلة تالية، مأسسة جهودها في التعاطي مع القضية الأمازيغية فأسست لجانا وجمعيات تعنى بهذه القضية، وعقدت أياما دراسية وندوات علمية، وذلك تمهيدا لإنشاء تخصص أمازيغي يساهم في بلورة تصور للحركة ينطلق من المبادئ والقيم الإسلامية ويتدافع مع مشاريع تحويلها إلى قضية لبث النزاع والفرقة داخل المجتمع الواحد الموحد، وهو ما وفقت الحركة إلى حد كبير في التعبير عنه في البيان الختامي الصادر عن آخر جمع عام وطني انعقد في الصيف المنصرم حيث جاء فيه: «وإذ ينوه الجمع العام بالجهود المبذولة للنهوض بالأمازيغية وإعادة الاعتبار لها كمكون حيوي من مكونات الهوية المغربية (فإنه) يدعو إلى تعزيز هذه الجهود في مختلف مجالات الحياة العامة ولاسيما التعليمية والثقافية والإعلامية والاجتماعية وذلك وفق مقاربة وطنية تقوي الوحدة في إطار التنوع وترفض كل استغلال ضيق للأمازيغية لخدمة مشاريع استهداف مكانة العربية والهوية الإسلامية للمغرب».
فالأمازيغية بالنسبة للحركة مكون من مكونات ثلاث للهوية المغربية إلى جانب العربية والمرجعية الإسلامية، والجهود الرامية إلى النهوض بها وإعادة الاعتبار لها منوه بها، بل أن الحركة تدعو إلى تعزيزها وتعميمها لتشمل مختلف مجالات الحياة العامة ولاسيما التعليمية والثقافية والإعلامية لكن بشرط أن يكون كل ذلك بمقاربة وطنية تستبعد التدخل الخارجي وتنأى عن الاستقواء بالأجنبي وتسعى في نهاية المطاف إلى تحقيق هدفين مركزيين يتمثل الأول في تقوية الوحدة المراعية للتنوع بينما يتمحور الثاني حول رفض الاستغلال الضيق للأمازيغية لخدمة مشاريع استهداف مكانة مكوني الهوية المغربية المتمثلين في العربية والمرجعية الإسلامية .
ومن هذا المطلق فالحركة وهي تنوه بالجهود الرامية إلى إعادة الاعتبار والنهوض بلأمازيعية وتطالب بتعزيزها، فهي تقر بحجم التهميش الذي يطال الأمازيغية لكن مع تمايز واضح مع بعض الأطروحات السائدة في هذا المجال فيما يتعلق بمصدر وأسباب هذا التهميش وكذا في سبل مواجهته.فالحركة بخلاف التيار التغريبي والإثني ترى في الهيمنة الفرنكفونية والتمييز اللغوي الذي تحظى به لغة المستعمر السبب الرئيسي لهذا التهميش وهذا الحيف الذي تعاني منه كل من الأمازيغية وباقي مكونات وركائز الهوية الوطنية من عربية ومرجعية إسلامية، وأن النضال من أجل تعزيز المرجعية الإسلامية أو من أجل التعريب هو بالضرورة من أجل التمكين للهوية الوطنية التي تعتبر الأمازيعية رافد من روافدها الأساسية.
ومن ثمة يتعين تضافر الجهود لرفع هذا التهميش في مواجهة مسبباته الحقيقية والمتمثلة أساسا في هيمنة الثقافة الأجنبية الإحلالية التي لا تضمن استمرار وضعها الاعتباري إلا في ظل استمرار افتعال الصراع بين مكونات هذه الهوية.
إن مقاربة من هذا النوع لا تحظى بموافقة عموم أعضاء الحركة بل هناك اختلاف واضح إن لم يكن في النوع فعلى الأقل في الدرجة حيث يسجل يباين في أولا في تقدير مستوى أداء الحركة وحجم مسؤوليتها بهذا الخصوص وثانيا في نوع وطبيعة المقاربة الواجب انتهاجها في التعاطي مع ملف الأمازيغية
مزاعم التقصير في دعم القضية الأمازيغية
يرى كثيرون داخل حركة التوحيد والإصلاح أن «القضية الأمازيغية» لم تعد تسجل ذات الحضور لكنهم يختلفون في تقدير سبب ذلك وما إذا كان ذلك ناتج عن تراجع الحركة في تبني هذه القضية وسعت قاصدة إلى تهميشها في خطابها أم أن ذلك يعود لأسباب أخرى بعيدة عن مزاعم التقصير.
فبينما لا يستبعد البعض المسؤولية التقصيرية للحركة عن تواري «القضية الأمازيغية» وراء قضايا وأولويات أخرى متخوفا من إن يشكل ذلك بداية لانزياح الحركة عن الطبيعة الإسلامية إلى طبيعة قومية وعروبية، قد تكرر ما حصل في موريتانيا من ردود فعل على ما اعتبر إضرارا بالتنوع العرقي واللغوي الذي يميز هذا البلد، أو ما وقع في إقليم كردستان الذي اضطر فيه بعض المتدينين إلى تأسيس حركة إسلامية كردية بعدما عجزت الحركة الإسلامية، حسب زعمهم، عن التجاوب مع المطالب الثقافية واللغوية والإنسانية للأكراد.لا يسلم البعض الآخر لا بالطرح ولا بمستنداته.فعلى فرض صحة طرح من هذا القبيل إلا أن ذلك لا يمكن بحال من الأحوال أن ينقض من إسلامية الحركة الإسلامية ولا أن يرتفع بالأمازيغية إلى المستوى الذي تصبح معه مؤشرا على الأسلمة على اعتبار أن تراجع «القضية الأمازيغية» في الخطاب الثقافي العام وضمنه خطاب الحركة الإسلامية عموما وحركة التوحيد والإصلاح على وجه الخصوص مقارنة مع حجم حضورها في مراحل سابقة لا يعدو كونه تراجع لمقاربة معينة في الطرح وتوار لجهود توظيفها واستغلالها لأجندات محددة، لا سيما بعد أن افتضحت بعض النوايا أو بعد انتقال خطاب معين إلى ما يسميه بالمرحلة السياسية بعد استنفاذ المرحلة الثقافية لأغراضها وانفضاض المخدوعين في عنهم .
من جهة أخرى فإن التراجع في الخطاب أو في الحضور العام لا يعني سوى تراجع لخطاب المطالب أمام تراكم الإنجازات وتعزز المكتسبات وهو ما يعني تراجع لحالة التوتر والصراع الذي أدخلها إليه خطاب دغمائي علماني وإثني ودخول القضية إلى دائرة التوافق في ضوء السياسة العمومية منذ إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وما تلاه من برامج وإجراءات.
ومن هذا المنطلق، حسب وجهة النظر هذه فقد ساهمت السياسة الرسمية المعتمدة في احتواء القضية الأمازيغية وإدماج مناضليها في المؤسسات المحدثة للنهوض بها وهو ما أرجع القضية إلى حجمها الطبيعي في الحضور العام بما في دلك لدى المكونات المجتمعية المعنية بها
أما بالنسبة لحركة التوحيد والإصلاح فلا بد من الإقرار أن خطابا أنتج من قبل نشطاء حركيين بدافع الحماس الشخصي والتفاعل الميداني أكثر منه لمؤهل علمي أو منهجي، فضلا عن غياب المصاحبة والتأطير أو التوجيه القيادي، هذا الخطاب لا يمكن المراهنة عليه للوصول إلى أكثر مما وصل إليه خصوصا في سياق التحولات التي تشهده هذه القضية والأسئلة الجديدة التي تطرحها.كما أن تجاوز هكذا وضع يتطلب من الحركة أن تتدخل لاستعادة زمام المبادرة وإعادة هيكلة جهودها في التعاطي مع قضية بهذا الحجم وإعادة تأسيس رؤيتها تصورا وخطابا بكل ما يتطلبه الموقف من جرأة وشجاعة فكرية.
القضية الأمازيغية بين المقاربة التوحيدية والطرح التنازعي
من حيث المقاربة يمكن التمييز أيضا بين وجهتي نظر في متن الخطاب الذي يستعمله أبناء حركة التوحيد والإصلاح في مقاربتهم لبعض أسئلة القضية الأمازيغية، المقاربة الأولى أسميها مقاربة توحيدية ائتلافية توفيقية، والثانية يمكن نعتها بالمقاربة التنازعية الأحادية والتي وإن تمايزت مع الطرح التجزيئي الإثني على مستوى الخطاب، فهي لا تبتعد عن مقتضياته على مستوى الممارسة.
فالمقاربة التوحيدية تقارب موضوع الدفاع عن الأمازيغية بمقاربة تؤلف بين مكونات الهوية الوطنية الثلاثة، كما سبق شرحه آنفا، ضد عنصر دخيل عليها، ومفروض بسطوة النفوذ الأجنبي والسلطوي، وتوجه بوصلة جهودها ضد هذا العنصر. وتقول بتلازمية النضال ثلاثي الأبعاد لإعادة الاعتبار والنهوض والتمكين للهوية الوطنية بروافدها الثلاثة. وفي ذات الوقت لا تجامل الأطروحات التجزيئية أو المقاربات الإثنية أيا كان مصدرها، فتنظر إلى الخطاب الأقلي الإثني في التيار الأمازيغي على أنه وجه آخر للخطاب القومي العروبي الذي ساهمت الحركة الإسلامية في التصدي له والحد من غلوائه انطلاقا من نفس الاعتبارات والمنطلقات التي تواجه بهما الخطاب الإثني الأمازيغي.
وعلى العكس من ذلك لا تبتعد المقاربة التنازعية الأحادية التي يسقط فيها بعض المشتغلين بالقضية الأمازيغية حتى من داخل حركة التوحيد والإصلاح كثيرا عن النتائج العملية التي ينادي بها أصحاب الطرح الأقلي الإثني.
فالمطلقات الإسلامية والخطاب الإسلامي التي ينطلق منها هؤلاء في مقاربتهم لبعض موضوعات الأمازيغية تضعهم من جهة في حالة من التوتر والتنازع مع حملة المقاربة التوحيدية، وفي الجهة المقابلة في حالة من المجاملة والمداهنة مع أصحاب الطرح التجزيئي والممالاة لبعض رموزه.
فبدعوى عدم إثارة هؤلاء وتجنب استعدائهم يضغط أصحاب ما أسميته بالطرح التنازعي في اتجاه تكرار موقف اللاموقف بصيغه العامة ومفاهيمه الفضفاضة حتى وإن تعلق الأمر بقضايا حيوية كما هو الشأن مع حالة ارتماء بعض نشطاء التيار الإثني في أحضان الكيان الصهيوني وانخراطهم في التطبيع معه.
ولاعتبارات غير بعيدة عن ذلك، يحاول هؤلاء احتكار الحديث باسم الأمازيغية ونزوعات مصادرة الرأي حولها بدعوى تجنب الاحتكاك مع الطروحات المتدافعة مع الحركة وحالة الإرهاب الفكري والرمزي الذي يمارس باسم القضية وبدعوى الدفاع عنها في بعض المناسبات، أو التعبير عن موقف إزاءها، كل ذلك يؤشر بوضوح على الطابع التنازعي الأحادي لهذه المقاربة.
واليوم لا أنكر بأن مياها كثيرة جرت تحت جسر الحركة وأصبح من المتعذر مناقشة هذا الموضوع دون السقوط في مشاحنات ومماحكات ودون خلق أجواء من الترهيب إلى درجة أصبح معه الاعتقاد سائدا بأن أهلية الحديث والتحدث في الأمازيغية أصبحت مقصورة على البعض دون البعض الأخر.إن المطلوب الآن هو إعادة فتح نقاش هادئ وجريء حول القضية الأمازيغية في ارتباط بالمشروع الرسالي للحركة بدءا من التساؤل حول موقعها من رؤية ورسالة الحركة ووصولا إلى بلورة مقاربة إسلامية حول هذه القضية ومرورا بتحديد إجابات واضحة حول بعض القضايا المثيرة للجدل.
والخلاصة هو أنه حتى وإن سجل فتور من حركة التوحيد والإصلاح في المرحلة الأخيرة، في تعاطيها مع هذه القضية وبقاء خطابها في الموضوع حبيس الأدبيات العامة فإنه ما زال الوقت متاحا من أجل الانكباب على صياغة وثيقة مرجعية بخصوص القضية الأمازيعية تدقق في معالم رؤيتها وتقطع مع أي تردد نابع من اعتبارات خارج مقاضيات الرسالية ومستلزمات الشهادة على الناس ووحده النقاش الصريح والجريء بعيدا عن الطابوهات وبعبدا عن نفس الاتهام والتشنج هو الذي من شأنه أن يرقى بمقاربة وأداء الحركة في موضوع الأمازيغية إلى مستوى الطرح الإسلامي التوحيدي المؤسس على ركائز الوطنية والتوافقية والائتلافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.