ما حدث في بني ملال مؤخرا من تحول الظاهرة الاحتجاجية من طابعها السلمي إلى أعمال عنف وتخريب طال ممتلكات عمومية وخاصة، والأحداث التي سبق أن اندلعت في مدينة تازة، تضع اليوم الجميع أمام مسؤولية أخلاقية إزاء الثقافة التي أصبحت تؤطر فعل بعض الحركات الاجتماعية في مسعاها إلى تحقيق مطالبها. لقد كان مسوغا في مراحل خلت أن تتم تبرئة هذه الثقافة، وإلقاء المسؤولية على المقاربة الأمنية، واتهامها بالتسبب في أحداث العنف والشغب، فقد كانت الخروقات الأمنية تبرر هذا التسويغ. لكن اليوم، يبدو أن الأمر أصبح يتطلب النظر إلى الظاهرة من كل زواياها، وتحليل طبيعة الحركات الاجتماعية التي تقود هذه الاحتجاجات ليس فقط في المغرب، ولكن في كل البلدان العربية التي تعرف تجربة الانتقال الديمقراطي. إن الملاحظ لطبيعة هذه الحركات على امتداد الوطن العربي وبشكل خاص في شمال إفريقيا، يسجل وجود مواصفات متشابهة، تكاد تطرد في شكلها وأسلوب حراكها، وفي الثقافة الاحتجاجية الجديدة التي تحملها، والتي تتسم في مجملها بعدم تفهم السياق الانتقالي الذي تعيشه المؤسسات السياسية التي أفرزتها العملية الانتخابية الديمقراطية، وعدم الإيمان بالممكن السياسي والاجتماعي في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر منها هذه الدول، والقدرة على التحول إلى عامل إعاقة للتحول الديمقراطي، ناهيك عن صدور تعبيرات عنفية عن بعض هذه الحركات سواء كان هذا العنف موجها نحو الذات (ظاهرة إحراق الذات، والتهديد بالانتحار)أو موجها نحو مؤسسات الدولة (احتلال الملك العمومي)أو موجها ضد المملكات العامة والخاصة (أعمال التخريب) أو موجها ضد الأجهزة الأمنية. هناك اليوم معادلات دقيقة تفرض على الجميع أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والسياسية في مراعاتها في هذه الظرفية الدقيقة: معادلة إنجاح التجربة الديمقراطية والإصلاحات الكبرى التي ينتظر منها، والأثر الاقتصادي المدمر الذي يمكن أن تحدثه الاستجابة الكلية للضغط الاجتماعي. ومعادلة الحفاظ على سلطة القانون وهيبة الدولة، والأثر الذي يمكن أن تحدثه سياسة التساهل في إنتاج واقع الفوضى والتسيب (السكن العشوائي مثلا). ومعادلة ضمان حق الاحتجاج السلمي والحفاظ على الأمن العام. هذه المعادلات الثلاثة، أصبحت تفرض أن تتصدر أولويات النقاش العمومي، خاصة، وقد توحدت المفردات اليوم بين جميع مكونات الطيف السياسي:أغلبية حكومية ومعارضة ومجتمع مدني، على ضمان الحق في الاحتجاج السلمي، ورفض العنف، واستعمال الحوار كآلية وحيدة لحل الاحتقانات الاجتماعية. إن الأحداث الأليمة التي عرفتها مدينة بني ملال، وتازة قبل ذلك، تؤكد وجود حاجة حقيقية لأن تعيد الحكومة تقييم نظرتها للملف الاجتماعي، واتخاذ ما يمكن من التدابير العاجلة لوضع حد لهذا الاحتقان، كما تؤكد بموازاة ذلك، الحاجة الماسة لأن يشتغل الجميع على معالجة أعطاب الثقافة الاحتجاجية الجديدة، خاصة ما يتعلق بالمنحى العنفي فيها. إن استسهال بعض مكونات الفعل السياسي والمدني للتحول الذي تعرفه الحركات الاجتماعية، وعدم تحمل المسؤولية في المعالجة الفكرية لهذه الثقافة الاحتجاجية الجديدة، ستكون كلفته كبيرة، ليس فقط على الدولة، ولكن على المجتمع أيضا، إذ من الممكن أن تتحول هذه الثقافة إلى أسلوب لتدبير العلاقات الاجتماعية، مما سيجعل المجتمع برمته ضحية ثقافة العنف. بكلمة، إن حل المشاكل الاجتماعية في المغرب رهين بدعم شعبي حقيقي يسند ظهر العمل الحكومي في مكافحة الفساد والتوجه إلى الإصلاحات الكبرى التي تصل ثمراتها إلى المواطن البسيط، لكن تصعيد الحراك الاجتماعي، وتحويله إلى موجات عنف وتخريب، يمكن أن يشكل عامل تشويش وإرباك للتجربة بحيث لا يكون المستفيد من حصيلتها سوى جيوب مقاومة التغيير الديمقراطي.