يواصل ميناء طنجة المتوسط إعادة تشكيل توازنات الشحن البحري في غرب المتوسط، بعد أن نجح في تقليص حصة موانئ إسبانيا من حركة الترانزيت الدولي للحاويات، مدفوعا بتحالفات استراتيجية مع كبريات شركات النقل البحري. ووفق ما كشفته صحيفة Economía Digital الإسبانية، فقد تكبدت موانئ فالنسيا وساغونتو وغانديا خسارة بنسبة 5,46 في المئة من حركة الحاويات العابرة خلال النصف الأول من سنة 2025، وهو ما عزته هيئة ميناء فالنسيا إلى تراجع التوقفات المرتبطة بإعادة الشحن نحو موانئ أوروبية، في مقابل التحول المتزايد نحو ميناء طنجة المتوسط وأوضحت الصحيفة نفسها أن هذا التراجع لا يعبر فقط عن تذبذب ظرفي في حركة الملاحة، بل يعكس تحولا هيكليا تقوده الإدارة المغربية لميناء طنجة، التي استفادت من نظام ETS الأوروبي المفروض على الانبعاثات الكربونية، لتقديم بديل أقل كلفة للشركات البحرية الكبرى. وبما أن الضريبة تحتسب فقط في الموانئ الواقعة داخل الاتحاد الأوروبي، فإن التوقف في طنجة يسمح بإعادة تصفير عداد الانبعاثات، ما يتيح لشركات مثل Maersk وHapag Lloyd تقليص فواتير الكربون بشكل جذري ولفتت المصدر أيضا إلى أن هذا التوجه يرافقه استثمار مغربي متسارع في البنية التحتية، تمثل أبرز مظاهره في اقتناء قاطرتين بحريتين جديدتين من طرف مجموعة Boluda الإسبانية، لتعزيز قدرة طنجة المتوسط على استقبال سفن الحاويات العملاقة التي باتت تضاعف وتيرة مرورها عبر الميناء المغربي كما ذكرت الصحيفة أن Maersk اختارت تحويل توقفها غرب المتوسط من ميناء الجزيرة الخضراء إلى طنجة، ضمن خط بحري استراتيجي يربط الهند والولايات المتحدة مرورا بمضيق جبل طارق، وهو ما اعتبر مؤشرا إضافيا على ترسيخ الميناء المغربي مكانته كمركز عبور رئيسي وفي خطوة موازية، عززت Hapag Lloyd حضورها في غرب إفريقيا انطلاقا من طنجة، بعد أن أطلقت خطوطا جديدة تربط الميناء المغربي بدكار وأبيدجان ولومي وأوني، كما أعادت تنظيم خطوطها بالاشتراك مع Arkas Line لربط تركيا والمغرب وإسبانيا بسفن بسعة 2800 حاوية، وفقا لما نقلته Economía Digital وأشارت الصحيفة ذاتها إلى أن المخاوف تتزايد في أوساط الفاعلين الإسبان من فقدان خطوط الربط القصير والمتوسط، التي كانت تضمن انسيابية التوزيع البحري عبر موانئ شبه الجزيرة الإيبيرية. وبحسب التقرير، فإن هذه الخسارة لا تتعلق فقط بحجم الحاويات بل تمس أيضا تنافسية الشركات الإسبانية التي تعتمد على سرعة الوصول وربط الأسواق الأوروبية بباقي القارات ويُنتظر أن يتسع الفارق أكثر مع دخول المحطة الغربية الجديدة في طنجة المتوسط حيز التشغيل سنة 2027، بطاقة إضافية تقدر ب 9 ملايين حاوية سنويا، منها 7 ملايين مخصصة للترانزيت، حسب ما نقلته الصحيفة عن المعطيات المنشورة في الموقع الرسمي للميناء المغربي وفي ظل هذا الزخم المتسارع، تجد إسبانيا نفسها أمام تحدي إعادة التموقع، في وقت باتت فيه ضفاف المتوسط تعيد رسم خريطة الملاحة العالمية من الجنوب.