يمكن تقسيم عبادة الاختيار إلى: أ عبادة قلبية: والمقصود بها العبادات المنوطة بالقلب، وتسمى: العبادات القلبية أو أفعال القلوب كالحب، والإخلاص والخوف والخشية والرجاء والصبر والتوكل... فهي تحيل على العبادة الحقة والعبادة الصحيحة... وكل أثر خارجي ومادي للعبادة لا تتحقق فيه هذه العبادات القلبية ، يكون قاصرا، وفارغا من أي معنى حقيقي للعبادة، وإن من أعظم البلية أن يكون الإنسان مصابا بفراغ القلب من هذه العبادات وبالتالي يوصف بالتحجر والقسوة قال تعالى: "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة او أشد قسوة، وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء، وان منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون"سورة البقرة: 73. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"القلب فقير بالذات إلى الله من جهتين: من جهة العبادة، ومن جهة الاستعانة والتوكل... فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا ينعم ولا يسر ولا يلتذ ولا يطيب، ولا يسكن، ولا يطمئن إلاّ بعبادة ربه وحده وحبه والإنابة إليه... وهكذا كلما أخلص المرء العبودية لله وجد نفسه، واهتدى إلى سر وجوده، ووجد مع ذلك سعادة روحية لا تدانيها سعادة... تتمثل فيما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم: "حلاوة الإيمان"، وإن لهذه الحلاوة لطعماً لا يتذوقه إلاّ من عرف الله وآثره على كل ما سواه. ويقول ابن القيم رحمه الله: "فالقلب لا يفلح ولا يصلح ولا يتنعم ولا يبتهج ولا يلتذ ولا يطمئن ولا يسكن إلاّ بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه، وكلما تمكنت محبة الله من القلب، وقويت فيه أخرجت منه تألهه لما سواه وعبوديته له.(اغاثة اللهفان) ويقول الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير: "إن الاشتغال بالعبادة انتقال من عالم الغرور إلى عالم السرور ، ومن الاشتغال بالخلق إلى حضرة الحق وذلك يوجب كمال اللذة والبهجة... ب. عبادات فكرية وعقلية: والمقصود بها عبادات التدبر والاعتبار والتفكر قال تعالى:"قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا"سور سبأ: 46، فيكون التفكر في أسماء الله الحسنى وصفاته العلا والتفكر في مخلوقات الله وكونه المنظور، كما قال تعالى: "الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير، ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير"سورة الملك، وكذا التفكر في كتاب الله وكونه المقروء قال تعالى:"أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"سورة النساء:82.والتفكر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتهاد الأئمة الأعلام والنظر في النوازل والحوادث والمستجدات واستنباط ما يناسبها من الأحكام والاجتهاد في حسن التنزيل والتطبيق.وما أحوجنا إلى إعادة الاعتبار لهذه العبادة المنسية. ج عبادات بدنية ومالية:والمقصود بها العبادة المنوطة بأفعال المكلفين، وذلك ينضوي تحت ما أمر به الشارع عباده من الأعمال التي يكون تحققها بالجوارح، وذلك يكون إما باللسان: كالشهادتين، أو التسبيح أو قول الحق وعدم كتمانه، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... الخ. أو بالأبدان وفي بعضها بالمال أيضا وهي باقي الأفعال: كالصلاة و الزكاة والصوم والحج والنذر..، ويشترط فيها جميعا بعد الإيمان إخلاص القلوب العبادة لله تعالى ومتابعة رسول الله والحرص على السنة. د. عادات تصبح عبادات: يمكن للعبد المومن أن يجعل من عاداته وسلوكه في حياته اليومية عبادة من العبادات يتقرب بها إلى مولاه، وذلك بنية جعل ذلك لله تعالى وبالتزام ضوابط الشرع فيما يفعل وفيما يترك، متمثلا قول ربه: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العلمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين"سورة الأنعام:165-164. ومن عادات الناس سعيهم على عيالهم وكذا إتيانهم شهواتهم التي أباح الله لهم من أزواجهم وكل ذلك وأمثاله يعتبر من العبادات التي تستحق الأجر والثواب، ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله إلى آخر الحديث وقال أبو قلابة على إثره: وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم أو ينفعهم الله به ويغنيهم، وفي صحيح مسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم : "وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا.