بمناسبة عيد العرش ببثت وسائل الاعلام الرسمية برنامجا تضمن فقرات من التمجيد والتهنئة والاعتزاز بالنفس. وعرض البرنامج للجمهور قصة على شكل "ملحمة" اعتبر فيها شخص الملك مقدس في المخيلة الجماعية، والابتعاد تماما عن كل نقاش موضوعي من شأنه استعراض الإنجازات ، ولكن أيضا الإخفاقات، خلال 15 سنة الماضية . هذا النوع من الخطاب والمدائح يبعدنا عن روح دستور 2011 الذي ألغى على كل حال مفهوم "قدسية شخص الملك". صحيح أن الملك نفسه قد اعترف بأنه لم يكن معصوما عن ارتكاب الأخطاء، لكن هذا الاعتراف لازال لم ُُيجِب على سؤال آخر أكثر أهمية، وهو المسؤولية السياسة لأعلى وأقوى سلطة في البلاد. والحقيقة هو أن المناقشة الموضوعية لكل قرارات الملك وانتقادها ما زالت محظورة في النظام السياسي المغربي. ومن المفارقات، أن النقد تحت سمائنا لايمكن أن يكون إلا نقدا ذاتيا أو لا يكون كما هو الحال في عهد الحسن الثاني الذي يسائل خياراته الخاصة من حين للآخر. ولكن ما الفائدة من ذلك إذا لم يتم التشكيك في طريقة اتخاذ القرارات في أروقة النظام؟ يجب إذن ملاحظة أن المؤسسة تأخذ القرارات الوجودية التي تخص الأمة، والقرارات المتعلقة بالقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الأمنية، دون الخضوع لأي نوع من المساءلة عن ذلك بحيث لا يوجود بالمغرب أي نظام دستوري ولا سياسي ولا قانوني يفرض مسائلة الملكية على آلية عملها. هذه الحقيقة تتناقض مع مبدأ "ربط المسؤولية بالمساءلة" الذي جاء في خطاب من 9 مارس 2011، والمنصوص عليها في دستور يونيو من نفس السنة، الذي جاء بعد مظاهرات 20 فبراير و الاضطرابات في المنطقة. لذلك يمكن للمرء أن ينظر إلى مسألة العفو الملكي على ما يفوق 13000 سجين على سبيل المثال في الوقت الذي يتحدث الناس على عدم الشعور بالأمان المتنامي. هذا في الوقت الذي كانت فيه فضيحة العفو على الشاذ المدعو دنيال غالفان تجعلنا نفكر في تلك القرارات المؤسفة التي اتخذها الملك والتي وضعته هو كذلك في قلب الجدلات الشعبية التي كان يمكن تفاديها لو كانت هناك آليات تنظيمية ومراقبة مسبقة لقراراته. ولكن الزعيم الذي لا يخضع للمراقبة قبل أو بعد أخذ قراراته، يفقد الاتصال مع الواقع وقد يكون في وضع خطر من نفس وضع حسني مبارك أو زين العابدين ، بسبب عدم وجود آليات سياسية ودستورية للمؤسسات لمراقبة رئيس الدولة. لكن خطاب "الملكية القوية" و "الملكية التنفيذية" المغلف الذي وضعته الحاشية يتماشى مع الدفاع عن النظام الاستبدادي المطلق، حيث يسود الملك ويحكم، هذه الملكية التي من شأنها أن تكون أكثر فعالية وأكثر كفاءة من نظام ديمقراطي لأنها ستكون قادرة على خلق توازن اقتصادي واجتماعي إيجابي في وقت قصير نسبيا. إذا أخذنا بهذا المنطق وطبقناه ، َيجب أن يكون أداء المغرب قد تحسن في المسائل الاقتصادية والاجتماعية في عهد محمد السادس. لكن الواقع القاسي لا يتفق مع "أغنية الملحمة" و المغرب لم يحقق أي شيء على مستوى التصنيف العالمي في مجال التنمية البشرية، والحقيقة أنه في عام 1999 كان يحتل المرتبة 126 والآن في سنة 2014 يحتل المرتبة 129. و على المدى القصير والمتوسط يظهرأنه من الصعب ابقاء الامور في الدولة على ما هي عليه هذا في الوقت الذي يطمح فيه الجميع إلى إرساء الديمقراطية بالمغرب. وإذا أردنا أن يحتفظ النظام الملكي على وظيفته الرمزية وأن يوحد ويجمع المغاربة، فمن الأفضل أن يأخذ الملك المسافة مع القرارات اليومية ومع شؤون الدولة والقرارات التي تجذب الحرج وتغدي النقاش العمومي، بما أننا في عصر الديمقراطية والحداثة السياسية. ولذلك فمن المهم توسيع مجال اتخاذ القرارات ومسؤولية الحكومة، المنبثقة من صناديق الاقتراع ومسؤولة أمام الشعب المغربي.