الخط : إستمع للمقال تتجه الدولة نحو تجفيف منابع تمويل التشهير والابتزاز من خلال فتح أبحاث قضائية وتحقيقات تطيح بأسماء نكرة وشخصيات عمومية تورطت في عملية التمويل أو الوساطة. ويبدو أنه خيار لا رجعة فيه لأن الحرب ضد التشهير تبدأ بقطع مصادر تمويله في مرحلة أولى وإنفاذ القانون على الفاعلين والمساهمين والمشاركين في مرحلة لاحقة. لقد فضحت التحقيقات الجارية حول شبكات الابتزاز حقيقة تجارة مربحة لها وكلاء ووسطاء، كما جعلت الكثيرين يتحسسون رؤوسهم، لإدراكهم جميعا أن الدولة قادرة على الوصول إليهم وفضحهم.. لا شك أن البيئة الرقمية لعبت دورا مساعدا على تعزيز نشاط مواقع التواصل الاجتماعي، فشجعت على ما يسمى ب"تجارة الأفكار الحرة"، ما منح الأفراد سلطة التعبير عن آرائهم ومواقفهم حيث لتدفق الأنترنيت دورا مركزيا في تعزيز ثقافة الحقوق الرقمية. إلا أن ولوج إلى مواقع التواصل من طرف بعض الكائنات الانتهازية وأشباه الصحافيين والمزايدين على القضايا العادلة للوطن، جعل منها تجارة في الأعراض وابتزاز وسيلة للكسب غير المشروع. إن الأساس وراء نشأة شبكات التواصل الاجتماعي هو تعزيز قيم الحرية والحقوق الرقمية بوصفها جيلا جديدا من أجيال حقوق الإنسان، وهو ما جعل وظيفة الدولة ضمان الولوج الآمن والسهل وتقنين استخدامات هذه الشبكات بما يضمن حماية الحياة الخاصة للأفراد، عبر إصدار قوانين وإقرار حماية جنائية للحقوق الشخصية من خطر الاعتداء عليها في العالم الرقمي، واعتماد إجراءات وقائية تهم حماية المعطيات الشخصية، بحيث لا ينبغي أن يكون نظام المعلوميات وسيلة لإفشاء أسرار الحياة الخاصة للمواطنين، كيفما كان نوعها وبغض النظر عن دعامتها بما في ذلك الصوت والصورة المتعلقة بشخص ذاتي معرف أو قابل للتعرف عليه. لقد حوَّل الاستخدام المعيب وَسائل التواصل الاجتماعي إلى أدوات لارتكاب الجرائم والجنح وجعَلها أداة للتشهير وابتزاز الأشخاص والمؤسسات واستهداف الدولة. ولعل ملاحظة أولية لطريقة اشتغالها على مواقع التواصل الاجتماعي، تبين أن آلة التشهير تعمل وفق آليتين: التشبيك، من خلال تنسيق توقيت الخرجات ونشر الادعاءات في مواقف أو لحظات وطنية ورمزية محددة، وقد كشفت التحقيقات التي نشرها موقع "برلمان. كوم" أن عمليات التشبيك لم تعد حصرا على التوقيت بغية صناعة أغلبية مفبركة حول مواقف سياسية معينة في إطار تحقيق نوع من التحدي السياسي، بل وصل الأمر ببعضهم إلى ربط علاقات مع شبكات الاتجار في المخدرات وذوي السوابق القضائية وشخصيات عمومية وموظفين لابتزاز الضحايا أو التشهير بهم. بناء جهاز مفاهيمي، بما يسمح بتمويه المتلقي وممارسة نوع من السلطة اللغوية لتوجيهه. فقد تستخدم هذه الكائنات مفاهيم من قبيل "البنية السرية" و"البوليس السياسي" و"المعتقلين السياسيين"... وهي كلها عباراتغايتها التمويه على حقيقة الابتزاز والتشهير الذي يتعرض له الضحايا، كما قد يشمل هذا التمويه قلب المفاهيم واستدعاء الرموز وانتحال صفة معارض أو صحافي أو حقوقي.. لم يعد الابتزاز والتشهير في مواجهة الأفراد والمؤسسات الدستورية معزولا عن سياق الضغط الذي تسعى بعض الأجندات الخارجية لممارسته على الدولة، بل تحول إلى وسيلة بيد هذه الجهات تحركه في التوقيت واللحظة المناسبتين. ربما تختلف طبيعة الجهات التي تحرك هذه الكائنات، فقد تكون شبكات للمخدرات ترمي إلى تصفية حساباتها وقد تكون منظمات دولية "حقوقية" لها أجندة ضاغطة وقد تكون أجهزة مخابرات دول الإقامة. يبدو مهما أن تتوجه الدولة إلى تجفيف منابع التمويل أولا، هذا التمويل الذي يختفي تارة وراء عدد المشاهدات وتارة يتخذ شكل كتابة مقالات لمواقع معادية للقضايا الوطنية للمغرب، وفي الغالب يتخذ التمويل شكل تحويل مباشر، أو عبر وسيط، نظير مقابل حذف تدوينة أو فيديو أو صور، وهي كلها أساليب باتت مفضوحة تقتضي وجود بنية مؤسساتية تتولى رصدمظاهر التشهير ومصادر تمويله وآليات الابتزاز وتفكيك شبكاته وتيسير ولوج المواطنين، ضحايا التشهير، إلى العدالة، داخل المغرب وخارجه، من أجل الانتصاف.