يستعد حزب الاستقلال في نهاية هذا الأسبوع للقيام برحلة حزبية إلى الأقاليم الجنوبية تستغرق أربعة أيام. وإذا كان بعض قياديي الحزب يعتبرون هذه الجولة شبيهة برحلة صيد هادئة لما يمكن أن تتيحه من غنائم ومكاسب سياسية، فإن البعض الآخر يعتبرها رحلة لتأكيد الذات، وترسيخ التواجد في المنطقة، في حين يصفها العارفون بالشأن السياسي بأنها جولة لاستعراض عضلات النفوذ الحزبي لحمدي ولد الرشيد في المناطق الجنوبية، الذي سيجمع في اليوم الأول أزيد من ألف شخص في حفل عشاء من تنظيمه. كما أن قراءة متأنية في هذا التحرك تؤكد بالملموس أن المستهدف الكبير منه، هو حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي بدأ في وضع اللبنات الأولى لمخطط استراتيجي، من أجل التغلغل في هذه المناطق كي تكون امتدادا لتواجده ببعض المناطق السوسية. وبالرغم من أن بعض المتتبعين يجمعون على أن عزيز أخنوش لم ينجح إلى حدود الساعة في التخفيف من قوة التجاذبات الحزبية في معقله الذاتي بسوس، فإن الظاهر للعيان هو أنه نجح نسبيا في إضفاء لمسات خفيفة عبر تسطير مسارات جديدة لحزب التجمع الوطني للأحرار، داخل رقعة يصفها خصومه بالضيقة في مجال جغرافي شاسع. ومع تسجيل بعض النجاحات في هذه المنطقة لم يستطع عزيز أخنوش إلى حدود الساعة تغيير الواقع الحزبي بالمنطقة إسوة بخصمه الكبير حزب العدالة والتنمية، الذي نزع جذور الهيمنة التاريخية للاتحادي طارق القباج في التسيير المحلي، كما أن قوة الأمواج والتلاطمات الحزبية لم تمنح لعزيز أخنوش مساحات أقوى للحد من الامتداد التاريخي لعائلة قيوح الحاملة للواء حزب الاستقلال في المنطقة، وهو ما يمكن اعتباره انكسارا لأخنوش داخل بيته، وانكماشا محرجا له داخل مجاله العائلي، باعتباره ينحدر من هذه المناطق. وفيما يشبه السباق التاكتيكي المنظم يبدو أن آلة حزب الاستقلال تحركت في هذه اللحظة بالذات، بهدف قلب المعادلة الحسابية التي كان حزب التجمع الوطني على وشك وضعها في الأقاليم الجنوبية، وقد تعبأ لهذه المواجهة الردعية قياديون بارزون من أمثال حمدي ولد الرشيد، مولود علوات، حمد ولد الشيكر، عبد العزيز أبا “سبيسيال”، الخطاط ينجا وغيرهم. فحمدي ولد الرشيد الذي نجح في الفترة السابقة في الحد من هجوم حزب الأصالة والمعاصرة، وكسر محاولات الشيخ بيد الله لنيل بعض المغانم السياسية، هو نفسه من واجه الوالي المتمرس في التسيير الترابي محمد جلموس، بتكتيك صحراوي لم يستطع أحد حل شفراته إلى اليوم. ورغم أن الشخص لا يملك شهادات ودكتورات جامعية، فإنه يمتلك قدرات كبيرة على التموقع والاستباق، وعلى تتبع الوضع السياسي، وتعبئة ما يلزم من إمكانيات لصد أي تغلغل حزبي منافس في مساحات تواجده. كما أن قدرته على الجمع بين مكانته داخل القبيلة، وبين مؤهلاته المالية تسهل عليه الحد من التفوق المقاولاتي لقياديي حزب التجمع الوطني للأحرار، الذين لم ينجحوا إلى حد الساعة في صناعة صورة شعبية لحزب يقوده حاليا ثري مقاول بينما انسحب زعيمه السابق ليقود اتحاد مقاولات المغرب. وإذا كان عزيز أخنوش يتوفر على تراكمات اقتصادية تسهل على حزبه التحرك في العديد من المناطق، فإن آثار أقدامه تبقى سطحية وغير متوغلة، ويسهل كنسها من طرف منافسيه بسبب ضعفه في خلق صورة شعبية لحزبه، بالرغم من الطابع الإنساني الذي نسج له بكونه رجلا متواضعا، أو “ولد الناس” كما يسميه البعض. ولعل نجاعة الصورة التنافسية التي يحملها حزب الاستقلال تتجلى في كون زعيمه الجديد نزار بركة يتوفر على سجل يخلو من أية سوابق مزعجة لدى الرأي العام الوطني، بل إنه يمتلك بدوره صورة المرجعية العائلية لشاب خلوق وصادق، وهو لا يتوانى أيضا في ربح التعاطف من خلال إظهار جدية كبيرة في انتقاد الإجراءات الحكومية غير الشعبية، والتي يحمل المسؤولية فيها لحزب العدالة والتنمية ولحلفاءه، وعلى رأسهم حزب التجمع الوطني للأحرار.