كلما استمعنا إلى وزير التجارة والصناعة والاستثمار الأخضر والرقمي، وهو يتحدث للصحافة إلا واقتنعنا أن هذا الوزير في واد وتقنيات التواصل والتخاطب في واد آخر. فالشخص نسي تماما أنه ينتمي إلى دولة بها مؤسسات حكومية وإدارية، وانفلت عن سكة المسؤولية ليغلب الأنا الأعظم، وكأن كلما ينجز في هذه المرحلة إنما بفضله هو وفريقه. لا حاجة لنا إلى استعراض الكثير من العثرات الكلامية والتواصلية لهذا الوزير، ويكفي أن نلقي نظرة على مداخلته يوم 23 أبريل أمام لجنة المالية، كما نشرتها الصحافة، حيث استعرض عضلاته في الأنا، والإفراط في حب الذات، إلى درجة تدفع المرء إلى التساءل عن مدى وعي الوزير بمضامين مداخلته، أو أنه يعتمد أسلوب “كور وعطي العور” بعيدا عن المنطق التواصلي بدولة المؤسسات. فالوزير لم يتوقف عن إبراز ذاته بكونه يتعرض لعناد حديدي من طرف بعض الجهات المرتبطة بصناعة النسيج، وبأنه حاول أن يضمن توزيعا سهلا للكمامات لكنه تعرض لبعض المناورات، وبأنه سارع إلى منع تصدير الكمامات، وبأنه نجح في ضبط المضاربات والاحتكارات والتلاعبات بالكمامات وبأثمنتها، وبأنه واجه الكثير من المشاكل التي اعترضته في مسألة التصديق على الكمامات، كما واجه تزوير الكمامات وحمايتها من التلاعب. هنيئا أيها الوزير “العنتري”، هنيئا بكل هذه الصولات والجولات، ولكن اخبرنا بالله عليك أين اختفت الكمامات؟ ولماذا لا توجد في السوق رغم العدد الكبير الذي صرحت بصنعه وتوزيعه (6.8 ملايين كمامة في اليوم)؟معاناة المواطنين كبيرة للعثور على الكمامات في الصيدليات وما شابهها، التي اكتفت بكتابة عدم توفرها عليها علنا أمام العادي والبادي، أما المحلات التجارية فتلك قصة أخرى. فإذا كانت هذه الكمامات تتبخر بعد صنعها، فعليك ان تخبر المغاربة بذلك. وإذا كان المحتكرون هم من يفرون بها ليخفونها عن الأنظار، فيجب أن تعترف بفشلك في محاربتهم أمام الرأي العام الوطني بعيدا عن الزهو والمباهاة والعنتريات الكلامية. ويصل تضخم الأنا عن الوزير المتكلم إلى مداه حين يصرح: “أنا قمت بكل شئ من أجل أن يتم توزيع الكمامات لدى التجار الصغار، لأنهم متواجدون في كل نقاط البيع بالمغرب…” فهنيئا أيها الوزير، نعم هنيئا بما تدعيه، أما بما تنجزه فهذا أمر يحتاج إلى مراجعة. بالله عليك أو نسيت أن في وزارتك مدراء ورأساء أقسام وموظفين بسطاء شمروا علو سواعدهم في هذه الظروف الصعبة؟ ونسيت أن هناك جهات تعمل بالموازاة مع القطاع الذي تشرف عليه، ونقصد مؤسسات الدولة، ووزارات الداخلية، ووزارة الصحة، وباقي الأجهزة التي لا تكل ولا تمل من أجل المراقبة والحرص واليقظة..ونسبت كل شيئ إليك. أنت لا تعمل على تسويق صورتك في هذه المرحلة الحساسة، بل تجتهد في سحق صورة مؤسسات وقطاعات أخرى، وضرب ثقة المواطن في مرحلة نسعى فيها إلى تفضيل المنتوج الوطني والمقاولة المغربية..فلا مجال إذن إلى المواجهات مع قطاعات وطنية من المستحسن أن تحسن التفاوض معها. وأخيرا فنحن لا نطلب منك أي شئ، سوى أن تراجع خطابك التواصلي أولا، وثانيا أن تتفادى الزهو والمبالغة في الادعاء..لأن الكمامات غير متوفرة مهما قلت وادعيت. وبالتالي، فعليك تحريك مساعديك أولا، كي يراقبوا الوضع الحقيقي عن كتب، في ظل تطبيق إلزامية حمل الكمامات. ووبإمكانهم أن يجوبوا الصيدليات طولا وعرضا ويخبروننا بالنتيجة..صح النوم، أيها الوزير. رمضان مبارك وكل عام وأنت بخير.