إنطلقت شرارة المقاومة المسلحة في المغرب بتشكيل النواة الأولى لجيش التحرير بعد إقدام الإستعمار الفرنسي على نفي السلطان محمد الخامس وأسرته يوم20 غشت 1953 ليلة عيد الأضحى إلى جزيرة كورسيكا ثم إلى جزيرة مدغشقر، وتعيين أحد أفراد أسرته ، محمد بن عرفة، ليتولى العرش ، بمساعدة القواد الكبار وزعماء الطرق الدينية ( الكلاوي وعبد الحي الكتاني). حاول المقاومون اغتيال ابن عرفة مرتين، كما حاولوا اغتيال الباشا الكلاوي، إضافة إلى تخريب المنشآت الاستعمارية. في خضم وهج المقاومة المسلحة حصل المغرب على تأييد الجامعة العربية وحركة دول عدم الانحياز، لرفع قضية المغرب إلى الأممالمتحدة، مما دفع السلطات الفرنسية إلى التفاوض مع السلطان وقادة الحركة الوطنية بمدينة إيكس ليبان. وانتهت المفاوضات بعودة السلطان محمد الخامس إلى المغرب في 1955، وتوقيع اتفاقية الاستقلال في 2 مارس 1956 مع فرنسا. أصر أعضاء الحركة الوطنية المشاركون في مفاوضات “إكس ليبان” (ما بين 22 و27 غشت1955) على عودة السلطان محمد الخامس من منفاه بمدغشقر لاستكمال المباحثات الممهدة لاستقلال المغرب، فبعد انتفاضة جيش التحرير في 2 أكتوبر من نفس العام، أيقنت فرنسا ضرورة رجوع العاهل المغربي إلى الرباط. في هذا السياق يروي عبد الهادي بوطالب الذي كان ضمن الوفد المغربي عن حزب الشورى والاستقلال، في لقاءات”إكس ليبان”، وقال إن فرنسا كانت تريد “أن يكون مؤتمر حوار مغربي مغربي، أي بين التقليديين والوطنيين ليصلوا إلى وفاق بينهم في موضوع العرش على أرضية مشتركة يمكن أن يستقر عليها الطرفان بالتراضي”. يتابع بوطالب روايته، «لما وصلنا إلى “إكس ليبان” يوم 22 غشت 1955 قيل لنا إن الباشا التهامي الكلاوي والقواد الآخرين موجودون بالمدينة. فامتنعنا عن لقائهم وقلنا: “نرفض هؤلاء، فهم ليسوا معنيين بالأمر. هم عملاء للإقامة العامة”. أفهم وفد الوطنيين المغاربة أعضاء الحكومة الفرنسية، الموفدين إلى “إكس ليبان”بأن إقامتها العامة في المغرب تخدعها وتكذب عليها. واضطر الفرنسيون بعد تلكؤ ثم بإمعان النظر إلى القبول بوجهة نظر الوفد المغربي، فأرجعوا في نهاية الأمر القواد الموالين للإقامة العامة إلى المغرب. ولذلك فإن مؤتمر “إكس ليبان” الذي يتحدث عنه التاريخ-بحسب بوطالب- لم يكن مؤتمرا لأنه لم يجتمع قط. وقد سبق أن كتب هذا في الثمانينيات في “موسوعة ذاكرة المغرب” باللغة الفرنسية بعنوان “المؤتمر الذي لم ينعقد”. وأضاف عبد الهادي بوطالب، قائلا:” بينما كان وفد الجبهة بقاعة الانتظار كان الوزير يستقبل المقيم العام الفرنسي بالمغرب الجنرال “بْوَيّي دُولاتُور”، دخل علينا الكومندان محمد أوفقير ليأخذ معطف المقيم العام، وبيده عصا الجنرال فسلم علينا وقدم نفسه لنا على أنه الضابط المرافق للجنرال المقيم العام. ثم قال لنا: “أهنئكم بنجاحكم، فالقضية التي دافعتم عنها أصبحت ناضجة” وتظاهر بأنه يغالب بكاء الفرح الذي لا أستطيع وصفه. وكانت هذه أول مرة ألتقي فيها الضابط أوفقير. وبعد مرور دقيقة خرج المقيم العام من مكتب الوزير فحياه أوفقير التحية العسكرية وألبسه معطفه وسلم إليه عصاه وانصرف وراءه. وكانت هذه أول مرة أرى فيها وجه أوفقير وأمد يدي لمصافحته. يوم العودة لم يكن حدثا عارضا في تاريخ المغرب، استعدت له الحركة الوطنية بمختلف تلويناتها، فكان مناسبة لإظهار قوة أعضاءها. يوم 16 نونبر يعبر عن حماس جماهيري واسع، وانتصار حقيقي للمغاربة على الاستعمار.