في مدينة طنجة التي باتت خلال السنوات الأخيرة ورشا مفتوحا لعشرات المشاريع الحضرية، تبرز بين الفينة والأخرى قضايا تثير قلق الشارع المحلي، وتعيد إلى الواجهة أسئلة ملحة حول الشفافية في تدبير العقار العمومي، وأدوار المنتخبين والسلطات في حماية مصلحة المواطن. ومن بين هذه القضايا المثيرة للجدل، ما يحدث بجوار مؤسسة تعليمية عمومية في منطقة أشقار، حيث انطلقت أشغال غامضة يقال إنها تروم في إنشاء ملعب خاص للعبة "البادل"، دون أي إشعار رسمي أو لوحة تعريفية، ما أثار استغرابا واسعا وتساؤلات مشروعة لدى الساكنة والمجتمع المدني. ما أثار الاستغراب هو غياب أي لوحة تعريفية بالمشروع كما تقتضي القوانين الجاري بها العمل ما يحجب عن المواطنين أهم المعلومات المتعلقة بهوية المنجز، طبيعته، الجهة صاحبة المشروع، وتفاصيل التمويل، إضافة إلى غياب أي تواصل رسمي من طرف جماعة طنجة أو السلطات المحلية بشأن هذه الأشغال. أكثر من شهر مر على انطلاق الأشغال، دون أن يصدر عن المسؤولين أي بلاغ أو توضيح، ما فاقم الشكوك خاصة أن المكان كان يقدم في وقت سابق على أنه سيتحول إلى فضاء عمومي أخضر لفائدة التلاميذ وساكنة الحي، بعد أن تم تقطيع جزء من سور المؤسسة التعليمية المذكورة بدعوى كونه أيلا للسقوط. السؤال الجوهري الذي يطرحه المواطنون هو كيف تحول فضاء كان يروج له على أنه متنفس عمومي إلى مشروع خاص يستفيد منه مستثمرون من الخواص؟ وما الجهة التي وافقت على تفويت هذا الملك العمومي؟ وهل تم احترام المساطر القانونية التي تؤطر استغلال العقار العمومي؟ التحقيقات الأولية التي أجراها فاعلون من المجتمع المدني تفيد أن المشروع يعود لمستثمرين خواص، وينجز على مساحة كانت مخصصة في تصاميم سابقة لمنطقة خضراء، ما يعتبر في حال تأكيده خرقا واضحا لمبادئ التخطيط التشاركي، وتعديا على حق الساكنة في فضاءات عمومية أصبحت عملة نادرة في الأحياء الجديدة. من أبرز الملاحظات التي تفجرت في هذه القضية، هو الغياب التام لأي رد رسمي من طرف المجلس الجماعي أو السلطات المحلية، فالتساؤلات التي طرحتها الصحافة المحلية وبعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي طيلة الأسابيع الماضية، لم تلق أي إجابة مما زاد من حالة الغضب لدى الساكنة، وعمق فقدان الثقة في المؤسسات التمثيلية. ما يغذي الحقد هو هذا الصمت و غياب التواصل، هكذا علق أحد المواطنين في تدوينة فيسبوكية انتشرت على نطاق واسع، فيما ذهب أخرون إلى اعتبار هذا النمط من التدبير استخفافا بعقول المواطنين وتكريسا لمنطق الريع العقاري وتوزيع "الكعكة" في الخفاء على حد تعبيرهم. في الوقت الذي يحرم فيه المواطن العادي من الاستفادة من بقع أرضية بدعوى أن المنطقة خاضعة لتصاميم التهيئة، نجد مشاريع تقام فجأة على أراضي عمومية دون سابق إنذار، ودون إشراك فعلي للساكنة، ما يطرح كدليل صارخ على وجود ازدواجية في تطبيق القانون. فالمقاربة التشاركية التي طالما تغنت بها المجالس المنتخبة في خطابها تجد نفسها اليوم موضع شك، بعدما تم إقصاء المواطنين من أي نقاش حول مشروع سيكون له تأثير مباشر على الحي وساكنته. أمام كل هذه المعطيات، يطالب عدد من الفاعلين المحليين والي جهة طنجةتطوانالحسيمة، وعامل عمالة طنجةأصيلة، بفتح تحقيق فوري وشفاف في ظروف تفويت هذا العقار العمومي، وتوضيح الجهة التي رخصت بإقامة المشروع، ومحاسبة كل من ثبت تورطه في خرق القوانين المنظمة لاستغلال الملك العام. كما دعت فعاليات أخرى إلى ضرورة مراجعة سياسة تدبير الفضاءات العمومية بالمدينة، والقطع مع منطق الغموض والصفقات المشبوهة التي تسيء إلى صورة طنجة، وتعمق الهوة بين المواطن ومؤسساته المنتخبة.