"التنسيق الميداني للتعليم" يؤجل احتجاجاته    تحرير ما معدله 12 ألف محضر بشأن الجرائم الغابوية سنويا    بعد "بولميك" الجزائر.. إقبال كبير على أقمصة نهضة بركان    رسميا.. عادل رمزي مدربا للمنتخب الهولندي أقل من 18 سنة    الأنفاس مقبوطة فالحركة الشعبية...والسبب: انتظار جلسة النطق بالحكم ضد انتخاب محمد أوزين أمينا عاما    ترحيب واسع من المنظمات والجمعيات المهنية باتفاق زيادة الأجور    وزير الفلاحة يكشف الأسباب الحقيقية وراء غلاء اللحوم الحمراء    محتجون يغلقون "السوربون" بسبب غزة    بوريطة يستقبل وزير الخارجية الغامبي حاملا رسالة خطية إلى الملك محمد السادس من رئيس غامبيا    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى السيد نزار بركة بمناسبة إعادة انتخابه أمينا عاما لحزب الاستقلال    إدانة صاحبا أغنية "شر كبي أتاي" بالسجن النافذ    تفاصيل حصرية على كيفاش تشد المجرم اللي قتل تلميذة بطريقة بشعة فصفرو: سبق ليه دوّز 5 سنوات نافذة ديال السجن بسبب تكوين عصابة إجرامية (صورة)    شنو هي قصة مرات سانشيث؟ وشنو المبررات اللي خلات سانشيث يبقى فمنصبو؟    لمكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي.. البوليس والوكالة الوطنية للمياه والغابات دارو اليوم اليد فاليوم    نيروبي.. وزيرة الاقتصاد والمالية تمثل جلالة الملك في قمة رؤساء دول إفريقيا للمؤسسة الدولية للتنمية    الرئاسيات الأمريكية.. ترامب يواصل تصدر استطلاعات الرأي في مواجهة بايدن    يوسف يتنحى من رئاسة حكومة اسكتلندا    بتنسيق مع "ديستي".. الحرس المدني يحجز زهاء طنين من الحشيش بسواحل إسبانيا (صور)    مجلس النواب.. انطلاق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2024    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام        الاتفاق رسميا على زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم شهريا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الحوار الاجتماعي..الحكومة ترجئ الحسم في ملفي التقاعد والإضراب إلى حين التوافق مع النقابات    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«إكس ليبان».. كواليس خمسة أيام انتهت باستقلال المغرب
هكذا وافق أقطاب «القوة الثالثة» على «الاستقلال الممنوح»
نشر في المساء يوم 16 - 11 - 2014

أورد الجابري ضمن سلسلة مذكراته «مواقف»، بأن فرنسا نجحت في أوائل الخمسينيات، عندما اشتد الكفاح الوطني السياسي من أجل الاستقلال بقيادة حزب الاستقلال وتجاوب تام من جانب الملك محمد الخامس، في تشكيل «قوة ثالثة» من القواد (حكام النواحي من زعماء القبائل وزعماء الطرقية وبعض الموظفين في الإدارة الاستعمارية إلى جانب بعض المتعاملين مع المصالح الاقتصادية الفرنسية). وقد بررت هذه «القوة الثالثة» –بإملاء من سلطات الحماية- بكون الملك محمد الخامس لم يعد ملك جميع المغاربة بتحالفه مع حزب الاستقلال، قائد حركة المطالبة بالاستقلال التام بدون قيد ولا شرط. وكان ذلك بمثابة الذريعة، التي ساقتها الحماية الفرنسية لعزل محمد الخامس وتنصيب محمد بن عرفة مكانه سنة 1953.
كان عزل السلطان الشرعي بن يوسف، هو السبب المباشر في قيام المقاومة المسلحة المغربية التي توجت بقيام جيش التحرير في جبال الأطلس والريف سنة 1955. وعندما رأت فرنسا أن تطور الأمور المتسارع، نحو تلاحم جيش التحرير المغربي مع جيش التحرير الجزائري، وبالتالي مع القوات الوطنية التونسية الحاملة للسلاح بدورها، قررت أن تمنح نوعا من الاستقلال لمحميتيها، المغرب وتونس، بهدف الاحتفاظ الدائم بمستعمرتها الجزائر كامتداد طبيعي لها.
هكذا، دخلت فرنسا مع الوطنيين المغاربة والتونسيين في مشاورات ثم «في مفاوضات». وبالنسبة للمغرب كانت إعادة محمد الخامس إلى عرشه من منفاه أمرا صعبا على الحكومة الفرنسية، لما فيه من اعتراف بالهزيمة، فاقترحت على الوطنيين المغاربة أن «يأخذوا» الاستقلال ويضعوا دستورا ويؤسسوا ديمقراطية، في انتظار نضج الأمور وترحيب الشعب بالملك المنفي. لكن الوطنيين الذين كان يربطهم مع محمد الخامس حلف وطني رفضوا الاقتراح وطالبوا بعودة محمد الخامس والاستقلال في آن وحد.
هنا سيظهر ما عبر عنه الجابري ب «القوة الثالثة» كطرف بين فرنسا من جهة والملك محمد الخامس وحزب الاستقلال من جهة ثانية. فكان قبول فرنسا لإعادة محمد الخامس على حساب الاستقلال الذي يحققه ويتسلمه الوطنيون، وقد قبل الوطنيون ذلك لأنهم كانوا مؤمنين بأن الملك الذي كافح من قبل ضد الحماية الفرنسية وعملائها والذي تحالف معهم في أصعب الأوقات سيعمل الشيء نفسه، ولذلك اعتبروا عودته «ضمانة» للديمقراطية ولتحقيق الاستقلال الحقيقي.
لقد كانت قوة-ثالثة- مصطنعة أريد بها تكسير تلك الوحدة الحميمة التي جمعت العرش والحركة الوطنية في صف واحد للكفاح من أجل الاستقلال.
نجحت الاستراتيجية الاستعمارية الفرنسية في استقطاب بعض الشخصيات التي لم تكن داخل الحركة الوطنية، واحتفظت مع ذلك بنوع من الولاء للعرش، فنصبتها على رأس هذه الصيغة الأخيرة من «القوة الثالثة». مثل امبارك لهبيل البكاي، أول رئيس للحكومة في المغرب المستقل، وكذلك أحمد رضا كديرة الذي كان على رأس «حزب»، أنشئ عقب الاستقلال مباشرة باسم «الأحرار المستقلين»، وأحرضان والخطيب اللذان أسسا بدورهما حزب الحركة الشعبية...
حتى لا يدفن التاريخ في ذاكرة النسيان، وتحاصر ذكرى قامات الكفاح الوطني من أمثال عباس المساعدي والهاشمي الطود وحدو أقشيش... التي أصبحت مجرد أسماء تزين بعض الكتابات التاريخية، دون التساؤل مثلا عن حيثيات رحيلهم ومن يقف وراء ذلك الفعل الجبان، ومن يتحمل بمغرب الاستقلال مسؤولية القضاء على جيش التحرير، وعرقلة توحيد الحركات التحررية على مستوى شمال أفريقيا.
تعيد «المساء» على صفحات الملف التالي إحدى المحطات المفصلية، التي حددت مصير المغرب المستقل، وهي محطة «إكس ليبان» التي دارت بين 23 و28 غشت من سنة 1955، والتي أجمعت كل مذكرات الوطنيين ك-شهود عيان- على أنها لم تكن سوى «تغليف» للاستقلال «الممنوح» . من شارك فيها عن الجانب المغربي؟ وما هي مضامينها وخلفياتها؟ وما هي مختلف التسويات التي كانت قائمة؟.. أسئلة ضمن أخرى يحاول هذا الملف ملامستها.
كرونولوجيا أطول خمسة أيام في تاريخ المغرب
تفاصيل مفاوضات «إكس ليبان» التي حددت مستقبل البلاد
كان استقلال المغرب سنة 1956، تتويجا لحركة المقاومة المسلحة في سنوات الخمسينيات، التي ظهرت كرد فعل عنيف مطبوع بالاستمرار والتنظيم، والذي تهيكل وتماسك مع الزمن، ليكتسي شكل مجموعات مسلحة بالمدن أساسا قبل الامتداد إلى القرى لاحقا. وتميز شكل العمل العنيف هذا عن أشكال النضالات السياسية التي طورتها الحركة الوطنية منذ سنوات 1930، من قبيل: العرائض، قراءة اللطيف، حملات دبلوماسية،...الخ)
كما لا يمكن مقارنة هذه المقاومة الحضرية بأشكال قديمة من معارضة المخزن، مثل «السيبة»، ولا بالمقاومة الأولى للقبائل، التي كانت تقودها جماعات فلاحية مسلحة عند بداية إرساء الحماية. وباستثناء التجربة بمنطقة الريف (عبد الكريم الخطابي)، التي كان لها طابع مميز، وعلى عكس أعمال المقاومة الأولى التي انتهت ب«تهدئة» البادية المغربية سنة 1934، بعد أن عملت جاهدة على وقف العدوان العسكري الاستعماري، ظهرت حركة المقاومة المسلحة بالمدن، ابتداء من سنة 1950 كتعبير عن التحولات البنيوية التي طالت المجتمع المغربي.
كان ينشط أعمال المقاومة المسلحة تلك، مناضلون واصلوا إعلان انتسابهم إلى أحزابهم السياسية الأصلية حتى الاستقلال(3) والذين استفادوا من تجربة متراكمة على الصعيدين السياسي والتنظيمي. بفضل العمل الذي قامت به مختلف مكونات الحركة الوطنية طيلة سنوات طويلة من النضال السياسي المنظم. كذلك ساهمت الحركة النقابية والحركة العمالية في النضال المسلح، عبر مجهودها الكبير في تسييس الفئات التي خاضت هذا النضال.
عرفت مرحلة النضال المسلح تحضيرا سياسيا، انبرى له أطر الحركة الوطنية، للمزج بين كل من الطور السياسي وطور النضال المسلح، في تلاحم وانسجام، وتمكن العمل المسلح، بفعل نتائجه العملية، من تحقيق ما عجز عنه العمل السياسي بمفرده طيلة عشرين سنة. حيث ساد اقتناع عميق –آنذاك- بأن الوسائل السياسية، التي تجاوزتها الأحداث، لم تعد كافية لفرض مطلب الاستقلال.
كانت الرغبة قوية لدى عدد كبير من مناضلي القواعد والأطر المتوسطة بالأحزاب الوطنية للتحرر من رتابة السياسة التقليدية، وأساليب العمل التقليدية. وذلك أمام تصعيد القمع- وسعار العسس الاستعماري الذي اتخذ حجما جديدا في مطلع سنوات 1950، مع سلسلة الاعتقالات اليومية والإعدامات. التي لم تثبط من عزيمة المقاومة، ولم تكن سبل «اللاعنف» التي لقنها القادة الوطنيون ترضي المغاربة، الذين تعرضوا يوميا لقمع السلطة الاستعمارية، استحالت معها كل مطالبة سلمية بالاستقلال والكرامة.
على هذا النحو كانت البيئة مهيأة لتقبل أي عمل عنيف أو مسلح. طبعا اكتست حركة المقاومة في البداية طابع أعمال فردية ومعزولة من قبيل محاولة محمد الحنصالي أو علال بن عبد الله بعد تنحية محمد الخامس. لكن أعمال المقاومة ستشهد تنظيما لاحقا عبر المجموعات والمنظمات المنغرسة في كافة مدن المنطقة السلطانية تقريبا.
ما خلا المنظمات الرئيسية للمقاومة، مثل المنظمة السرية والهلال الأسود، التي كانت لها بوجه عام فروع بأهم المدن، لم تكن باقي منظمات المقاومة تتجاوز إطار المدينة أو الموقع. يتعلق الأمر بمنظمات تضم عددا محدودا جدا من المناضلين لا يتعدى إطار خلية (4 إلى 5 أفراد). وغالبا ما كانت تحمل اسم المؤسس مثل حمان الفطواكي، أو الحاج بقال بمراكش، أو خلية بنشقرون بفاس، أو خلية الحاج معنينو في سلا. وكانت منظمات أخرى تحمل اسم شخصية إسلامية مثل منظمة أبو بكر الصديق، أو اسم السلطان المخلوع مثل « أنصار محمد الخامس». ويجدر تأكيد أهمية العامل الديني في التعبئة السياسية خلال تلك الحقبة، عبر بعث كل الجوهر الأسطوري للإمام الذي تجسد بقوة استثنائية في شخص محمد الخامس.
العرش يوحد المقاومة
أبرز ثلة من الباحثين، ببني ملال، خلال ندوة حول موضوع «المرحلة الثانية من عهد السلطان سيدي محمد بن يوسف: 1939- 1955»، أهم المحطات التي عكست تلاحم السلطان محمد بن يوسف والحركة الوطنية في مواجهة الاستعمار.
وتوقف الباحثون، خلال الجلسة الأولى، يوم الجمعة، للندوة العلمية الثالثة للدورة الثامنة عشرة لجامعة مولاي علي الشريف، التي ترأستها بهيجة سيمو، مديرة الوثائق الملكية، عند صدور ظهير 16 ماي 1930، وتوقيع عريضة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، ومؤامرة نفي السلطان سنة 1953، وعودته من منفاه سنة 1955.
ففي مداخلة حول موضوع «السلطان محمد بن يوسف والحركة الوطنية المغربية»، أبرز أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، العربي واحي، أن السلطات الفرنسية تحكمت خلال فترة الحماية في اختيار سلاطين المغرب رغبة منها في «جعلهم قناة أساسية لترسيخ أسس نظام الحماية».
وأشار إلى أن هذا التوجه وضع سلطات الحماية في مأزق صعب مع تزايد اتصالات السلطان محمد بن يوسف والوطنيين الشباب عقب صدور ظهير 16 ماي 1930، بالرغم من عمل هذه السلطات على تشويه عمل الوطنيين، مؤكدا أن تناغم مواقف الطرفين وتحالفهما الوثيق ظهر بشكل جلي في عدد من المحطات منها على الخصوص احتفال الوطنيين بعيد العرش، وزيارة السلطان سيدي محمد بن يوسف لمدينة فاس سنة 1934، وخوض الطرفين معركة المطالبة بالاستقلال.
من جانبه، تناول الأستاذ عز المغرب معنينو، الأستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، تفاصيل يوم عودة السلطان محمد بن يوسف إلى المغرب بعد اضطرار إدارة الحماية لإرجاعه وأسرته من المنفى.
واعتبر معنينو، في مداخلة حول «الاحتفال بعودة السلطان محمد بن يوسف متوجا ببشرى الاستقلال والحرية يوم 16 نونبر 1955»، هذا الحدث «أكبر حفل وطني شهده المغرب في تاريخه المعاصر»، مضيفا أنه يعد «انتصارا وطنيا توج فيه بطل التحرير سلطانا شرعيا على المملكة».
وأبرزت المداخلة انخراط مختلف القوى السياسية والقبائل في إنجاح هذا الحدث، مشيرة إلى أن انطلاق الإعداد لمراسيم هذا اليوم التاريخي جرى خلال لقاء السلطان بعدد من الوطنيين بمقر إقامته المؤقتة بفرنسا، حيث دعاهم إلى اتخاذ كل الاحتياطات الضرورية ليتم الاحتفال بعودته في جو آمن وحضاري.
وسلط خلا السعيدي، باحث ورئيس جمعية أبناء المقاومين بأزيلال، في مداخلة مماثلة، الضوء على سوء تقدير سلطات الحماية والقواد والعلماء المتواطئين معها لمكانة السلطان سيدي محمد بن يوسف لدى مجموع القبائل المغربية.
وأشار إلى أهم المحطات التي أبرزت عمق هذه العلاقات، ومنها استجابتهم لدعوة السلطان للمشاركة في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء لمحاربة الأنظمة النازية والفاشية، وخطاب طنجة لسنة 1947 الذي حرك مشاعر المغاربة قاطبة.
هذا، قبل أن يضيف بأن جميع المغاربة، ساهموا في الكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي ومؤامرته ضد السلطان سيدي محمد بن يوسف، مستشهدا بتقديم قبائل الأطلس لعدد كبير من المقاومين، وفي مقدمتهم أحمد الحنصالي وحمان الفطواكي والقائد الداودي سعيد ومحمد بن الحاج العتابي.
وألقى الأستاذ الباحث بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كذلك، علي بنطالب، الضوء على «مساهمة منطقة زمور في النضال الوطني ضد الاستعمار (1939-1955)»، بدءا بتأسيس فرع لحزب الاستقلال بمركز الخميسات، والذي قام بتأطير العديد من الوطنيين الزموريين مما ساهم في إذكاء الروح الوطنية بالمنطقة، مضيفا أن خلية حزب الاستقلال توجت تحركاتها بتأسيس أول مدرسة حرة بالمنطقة (مدرسة الأطلس) بإيعاز من الأمير مولاي الحسن الذي ألقى خطابا بالمناسبة أثبت تلاحم العرش والشعب في خوض معركة التحرير وتخليص البلاد من براثن الاستعمار.
وأبرز أن هذا العمل الوطني الذي اتخذ توجها مدنيا بالمنطقة سرعان ما انقلب إلى عمل مسلح وعمليات فدائية ضد المستعمر والمتعاونين معه، قامت به منظمات سرية على إثر نفي السلطان سيدي محمد بن يوسف سنة 1953.
نتائج الحرب العالمية الثانية
ساهم المغرب الذي كان تحت الحماية الفرنسية، إلى جانب الحلفاء في تحرير أوربا، والتراب الفرنسي من الديكتاتوريات الفاشية الإيطالية والنازية والألمانية، وتتجلى أسباب تلك المشاركة في دعوة السلطان محمد بن يوسف-محمد الخامس- الشعب المغربي إلى مؤازرة فرنسا ماديا وعسكريا مباشرة بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية يوم 3 شتنبر من سنة 1939.
وذلك أنه وقفت كل البلدان العربية بجانب الحلفاء في مواجهة الدول الدكتاتورية خلال الحرب الضروس، وقد كانت من بين هذه الدول العربية تونس والمغرب وموريتانيا، التي كانت تحت نير الاستعمار الفرنسي. فيما اعتبرت فرنسا الجزائر أرضا فرنسية وبموجب هذا فرضت فرنسا على الدول العربية التي كانت تسيطر عليها دخول الحرب إلى جانبها، مجندة شبابها في طوابير خاصة، فاحتفظت فرنسا بخدمتها، حتى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتحرير باريس... من يد الألمان.
وقد شارك المغرب في الحرب العالمية الثانية لكونه قاعدة استراتيجة مهمة لانطلاق العمليات العسكرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط لصد الجيوش الألمانية والإيطالية، عن غزو كل من شمال إفريقيا وغرب أوربا.
أمام هذه المتغيرات، كانت عملية «المشعل» التي بعثرت أوراق دول المحور، حين نزلت قوات الحلفاء بالسواحل المغربية بكل من فضالة وآسفي والدار البيضاء والمهدية يوم 08نونبر 1942. وكذا استضافة المغرب لمؤتمر أنفا في يناير 1943. الذي أعطى دفعة دبلوماسية لحرب الحلفاء بأوربا.
التحقت فرق عسكرية مغربية من الرماة والمدفعية والهندسة بالجبهات الحربية الأمامية، لقتال الفاشية والنازية في منطقة الجزائر وتونس والبحر الأبيض المتوسط، وفي الأراضي الأوربية بدء بصقلية وايطاليا ثم فرنسا وبلجيكا وألمانيا ...وفي جبال الألب، مرورا بأنهار السين والراين ووصولا حتى الدانوب، في ظروف مناخية قاسية، أبان خلالها الجنود المغاربة عن شجاعة حربية عالية اعترف بها الأعداء والحلفاء معا...
امبارك لهبيل البكاي.. رئيس أول حكومة مغربية
رأت فيه فرنسا الرجل «الأكثر جدية» من خلال مواقفه الجريئة عندما قدم استقالته من منصبه كباشا غداة نفي السلطان الشرعي بن يوسف. وفي سنة 1954، بدأ تيار متعاطف مع استقلال المغرب داخل فرنسا آخذا بالتشكل، من أولئك الذين كانوا يفضلون إجراء مفاوضات جادة مع المغاربة، وكان من بينهم مثقفون وكتاب صحفيون ومفكرون وأعضاء من الجمعية الفرنسية من أمثال جان فدرين والكاتب فراسوا مورياك، إلى جانب صحفيين من منابر إعلامية عريقة، مثل «لوبسيرفاتورl»»إكسبريس» وle Temoignage Chretien و «العالم» و»لوفيغارو». وأخبروا جميعهم البكاي بأن فرنسا لا تريد أن تعترف بخطئها وتعيد سلطان المغرب إلى عرشه. مشيرين عليه بالبحث عن إيجاد صيغة أخرى للخروج من الأزمة التي نشبت بين كل من العرش والحركة الوطنية من جهة، وبين إدارة الحماية من جهة أخرى، لأنها أدركت أنها أخطأت في حق رمز الأمة المغربية، خاصة بعد تراجع جل المحسوبين على الحماية من المغاربة، في اختياراتهم بدعم لا مشروط للسلطان بن يوسف. تمخضت عن تلك الأجواء الساخنة، فكرة خروج محمد بن عرفة من القصر السلطاني ومغادرته عرش المغرب بأمن وسلام.
يروي حفيد امبارك لهبيل البكاي، في حوار له مع (الاتحاد الاشتراكي : ع 16 - 01 - 2009) : بأن «كل ما كانت فرنسا تدعيه من احترامها للبكاي الذي حارب بضراوة من أجل تحرير أراضيها من النازيين، جعله يقدم استقالته دون تردد من منصبه كباشا لمدينة صفرو احتجاجا على ما أقدمت عليه الإقامة العامة من فعل يعد أكثر جرما وإثما. وذلك في مدينة باريس التي بقي بها حتى 20 يوليوز 1955 حيث تم استدعاؤه من قبل المقيم العام آنذاك GILBERT GRANDVAL لمعرفة مدى شعبيته ووزنه في الأوساط الشعبية المغربية...»
يذكر كذلك، أن سنة 1954، تميزت بالفراغ السياسي والإداري معا والدبلوماسي أيضا للأسباب التالية: 1 أن فرنسا لا يمكنها أن تتفاوض مع سلطان منفي
2 لا يمكن لها أن تتفاوض مع أحزاب سياسية لم تعترف بها أصلا مثل حزب الاستقلال والشورى والاستقلال والحزب الشيوعي، علما أن الحزبين (الاستقلال والشيوعي) كانت الإقامة العامة قد عملت على حظر نشاطيهما. فهذا الفراغ السياسي والدبلوماسي، بحسب حفيد البكاي، دفع الإدارة الفرنسية إلى الموافقة على البكاي باعتباره الشخصية الأكثر اعتدالا ووضوحا بين الوطنيين.
تأسست حكومة البكاي-في نسختها الأولى- بأمر من السلطان بن يوسف، يوم 7 دجنبر 1955 وامتدت في مهامها حتى تاريخ 25 أكتوبر 1956 .التي تعتبر أول حكومة في المغرب بعد استقلاله عن فرنسا.
في حوار له، مع جريدة «الشرق الأوسط» اللندنية المنشور على صفحاتها في سنة 2001 قال عبد الهادي بوطالب: «تشكلت هذه الجبهة (يعني حزب الاستقلال والشورى والاستقلال» بزعامة محمد بن الحسن الوزاني وحزب الإصلاح الوطني بتطوان بزعامة عبد الخالق الطريس وحزب الوحدة الوطنية بطنجة بزعامة محمد المكي الناصري. وكان يمثل الجبهة بفرنسا عمر بنعبد الجليل وعبد الرحيم بوعبيد والمهدي بنبركة ومحمد بوستة وهم جميعا آنذاك من حزب الاستقلال، كما كان يمثلها من حزب الشورى والاستقلال عبد القادر بنجلون وأحمد بنسودة وعبد الهادي بوطالب، وأسندنا رئاسة وفد الجبهة للمرحوم مبارك البكاي لهبيل، الذي كان باشا (حاكم) مدينة صفرو القريبة من مدينة فاس، في عهد الحماية وحارب في الحرب العالمية الثانية داخل الجيش الفرنسي وفقد ساقه وعوضه بساق خشبي اصطناعي. وكان يحمل رتبة عقيد (كولونيل) في الجيش الفرنسي، وظل كذلك بعد تشكيل الجيش المغربي، ولم يكن البكاي منتميا إلى أي حزب سياسي مغربي، وكنا نتركه يتحدث قبلنا إلى مخاطبينا الفرنسيين. فقد كان متحدثا بارعا وخطيبا مفوها باللغة الفرنسية ومقنعا مخاطبيه من الفرنسيين إلى أبعد حدود. ومن جملة ما كان يبهر مستمعيه قوله «لقد فقدت من أجل فرنسا رجلي وساقي، وهما أعز ما أملك، وضحى مغاربة كثيرون بأرواحهم لإنقاذ فرنسا من خطر النازية وعليها أن تفي للمغرب كما وفى لها المغرب».
لهذه الأسباب رفض بوعبيد مفاوضات «إكس ليبان»
في القسم الثالث من مذكراته، فك عبد الرحيم بوعبيد، باعتباره أحد الذين تتبعوا عن كثب وشاركوا في مخاض استقلال المغرب بعضا من طلاسم المفاوضات التي قادت إلى استقلال المغرب. وقدم الراحل بوعبيد عبر مساحة مذكراته توضيحات هامة، حول أسئلة وتساؤلات متعددة تخص «ايكس ليبان» وآراء القادة الاستقلاليين وبعض الخفايا التي ارتبطت بمفاوضات الاستقلال، وألقت بظلالها على المغرب المستقل.
كانت أول نقطة بسطها، هي التذكير بالظروف التي أجريت فيها لقاءات «إكس ليبان»، التي عارضها علال الفاسي-بدوره- علانية.
روى بوعبيد، أنه خلال اجتماع عمل اللجنة التنفيذية للحزب، وقبل بدء المفاوضات، كان الهدف من هذا اللقاء، هو «تبديد أي غموض» أو «تأويل خاطئ»، وذلك في حال استدعاء الحزب إلى «إكس ليبان». وسيظهر لاحقا أن الغاية من «إكس ليبان» لم تكن لأجل تفاوض زعماء الحركة الوطنية مع الحكومة الفرنسية حول مستقبل العلاقات الفرنسية المغربية، بل من أجل عرض وجهة نظر حزب الاستقلال كحزب فقط.
فهم الوفد المغربي سريعا، أن هذا اللقاء قرره الرئيس إدغار فورمن أجل أن يكون الوزير الفرنسي في الشؤون الخارجية، على وجه الخصوص على اطلاع ب»الملف المغربي»، كشبه تمرين بيداغوجي. وقد اشترط السيد انطوان بيناي، أحد أعمدة أغلبية الرئيس فور استدعاء كل التيارات، بما فيها أقطاب المخزن والباشوات وقياد الحماية ...
كما تحدثت الصحافة الدولية حينها، عن مائدة مستديرة جمعت كل التيارات، والحال-يضيف بوعبيد- أن ذلك لم يكن أبدا دقيقا. شارحا وجهة النظر المتعلقة بمطالب الحركة الوطنية، سواء أمام السفير الفرنسي غارانفال أو في باريس. إذ لم يكن واردا بالنسبة لحزب الاستقلال أن يجلس حول مائدة واحدة مع ممثلين لمكونات اجتماعية وسياسية أخرى، بدون انتداب وبدون قاعدة لدى الشعب المغربي. قبل أن يتدارك منظمو لقاءات «إكس ليبان» ذلك، مبادرين إلى طمأنة بوعبيد ومرافقيه، بضمانات مفادها: أنهم سيتم استقبالهم لوحدهم على انفراد من أجل عرض موقفهم على الوفد الفرنسي، بغية الإجابة عن أسئلته في حال طرحها، وهو ما وقع بالضبط عمليا بعد ذلك.
أكد بوعبيد على مسألة جوهرية، تمثلت في أنه « لم تكن هناك مفاوضات في «ايكس ليبان..» ولا مشاركة في أية مائدة مستديرة من أي نوع. أكثر منه تلبية للدعوة الفرنسية لأجل شرح المغاربة لموقفهم، وطرح شروط حل حقيقي وفعلي للأزمة. والتي كان احتمال رفضها، سيشكل خطأ سياسيا لا يمكن تفسيره ولا قبوله من طرف الرأي العام الدولي.
كان علال الفاسي-خلال اللقاء- ينصت ويطرح الأسئلة من حين لآخر. وقال: «هناك أشياء كثيرة فاتتني، لكنني همشت...».
لقد كانت الحكومة الفرنسية أمام احتمالين، إما أن تدع هذا اللقاء بدون أية استمرارية، لأسباب داخلية، وفي هذه الحالة تبدو الوحيدة المسؤولة عن تفاقم الوضع.. أو اعتماد المسطرة الوحيدة التي كان المغاربة يطالبون بها، أي الاتصال مباشرة مع السلطان الشرعي محمد الخامس في المنفى بمدغشقر. فبدون مشاركة نشيطة للعاهل الشرعي للبلاد، لم يكن هناك ثمة حل مقبول لمجموع الشعب المغربي، وبهذا ختم وفد حزب الاستقلال مع الوفد الفرنسي. وذلك بحكم أن ابن عرفة كان مازال في الرباط ولم يخط وثيقة تنازله بعد.
إعلان سان سيل كلو.. تنظيم العلاقات المستقبلية الفرنسية-المغربية
في حوار له على كرسي اعتراف «المساء» أشار مدحت بوريكات، (الثلاثاء 11 نونبر 2014 - العدد : 2525) إلى أن بيرجي الذي كان مكلفا بإنجاز تحقيق سري شامل عن الوضع في المغرب، وكان والده –بوريكات- ينظم له لقاءات مع الأعيان والتجار وزعماء الأحزاب... كما كان بيرجي يجالس الفرنسيين الأحرار أيضا (المساندين لاستقلال المغرب) ليكوِّن فكرة عامة عما كان يمور في المغرب حينها.
عندما كان بوريكات مقيما رفقة العائلة الملكية لأزيد من أسبوعين بفرنسا، قبل عودتها النهائية إلى المغرب، كان يلمح مسيو بيرجي يوميا في محيط قصر «Saint Germain En-Laye» وبرفقته هنري إيريسو، مدير ديوان وزير الخارجية الفرنسي أنطوان بيني. وقد كان بيرجي يوفر لمولاي الحسن (ولي العهد) ولأفراد العائلة الملكية ما يحتاجونه من مال وسيارات سوداء يقودها أفراد الشرطة الفرنسية.
كانت مفاوضات «إيكس ليبان» ما بين 22 و27 من غشت 1955، بينما لم يحل السلطان بن يوسف بسان جيرمان إلا يوم 30 أكتوبر من السنة نفسها، وغادرها يوم 16 نونبر إلى المغرب. وخلال هذه المدة تم توقيع إعلان «سيل سان كلو»، الذي صادف يوم 6 نونبر 1955. يتابع بوريكات روايته على كرسي الاعتراف قائلا: « وكنت قد ذهبت إلى هناك مرتين، وحين رأيت في المرة الثانية العلم المغربي يرفع فهمت أن الطرفين وصلا إلى اتفاق وأن عودة السلطان إلى عرشه أصبحت وشيكة، خصوصا وأنني يومها لاحظت أن المشاركين المغاربة كانوا في كامل أناقتهم، ورأيت أن امبارك البكاي غير لباسه العصري بآخر تقليدي: جلباب وسلهام.. وعندما خرج السلطان رفقة وزير الخارجية الفرنسي أنطوان بيني، ظهرت الدراجات النارية التي لم تكن قبلها تتقدم موكب السلطان بن يوسف. وعندما عدنا إلى سان جرمان وجدنا أن الأمور قد تغيرت، حيث أصبح هناك العديد من رجال البوليس والدرك يحيطون بقصر «Saint Germain En-Laye»، ولا يسمحون لأي كان بالاقتراب من محيط السلطان؛ وبعد أن كان كل من هب ودب، من الفرنسيين والمغاربة على حد سواء، يتقدم للسلام عليه، أصبح لقاء الملك يخضع للبروتوكول..»
نص برتوكول الملحق بإعلان «سان سيل كلو» 2 مارس 1956 على أن الفترة الفاصلة بين التاريخين، مرحلة أنجز من خلالها المغرب تقدما، لم تعد معه معاهدة الحماية (1912) صالحة لتنظيم العلاقات الفرنسية المغربية. وكما جاء في نص الإعلان المشترك بأن مفاوضات ستجمع في باريس بين المغرب وفرنسا هدفها توقيع اتفاقيات جديدة لتنظيم العلاقات بين البلدين في مجالات المصلحة المشتركة أساسا: الدفاع، العلاقات الخارجية، الاقتصادية، والثقافية، والتي تضمن حقوق وحريات الفرنسيين المقيمين في المغرب والمغاربة المقيمين في فرنسا. كما أضاف الإعلان المشترك، على أنه في انتظار توقيع الاتفاقيات الجديدة بين الطرفين وبناء المؤسسات الجديدة، لن يتم المس بوضعية الجيش الفرنسي، وأن الجيش الذي سيتوفر عليه سلطان المغرب سيتم تشكيله برعاية فرنسية. أما الفقرة الأولى من البروتوكول الملحق فقد تم من خلالها فرض الإطلاع على جميع مشاريع الظهائر والمراسيم من طرف ممثل فرنسا بالمغرب لأجل وضع ملاحظاته على النصوص، سيما فيما يتعلق بالمس بمصالح فرنسا والفرنسيين أو الأجانب خلال الفترة الانتقالية.
بوطالب: مؤتمر «إكس ليبان» انتهى قبل أن يبدأ
يروي عبد الهادي بوطالب الذي كان ضمن الوفد المغربي عن حزب الشورى والاستقلال، بلقاءات «إكس ليبان»، واصفا الهدف منها الذي كان «يراد منه أن يكون مؤتمر حوار مغربي مغربي، أي بين التقليديين والوطنيين ليصلوا إلى وفاق بينهم في موضوع العرش على أرضية مشتركة يمكن أن يستقر عليها الطرفان بالتراضي. وبكلمة جامعة: كان المنظرون من دهاقنة الاستعمار الفرنسي لمشروع التقاء الفرقاء «المتشاكسين» (أو الإخوة الأعداء) من المغاربة في تجمع كبير «لغسل وسخهم» ...»
يتابع روايته، «لما وصلنا إلى «إكس ليبان» يوم 22 غشت 1955 قيل لنا إن الباشا التهامي الكلاوي والقواد الآخرين موجودون بالمدينة. فامتنعنا عن لقائهم وقلنا: «نرفض هؤلاء، فهم ليسوا معنيين بالأمر. هم عملاء للإقامة العامة..».
أفهم وفد الوطنيين المغاربة أعضاء الحكومة الفرنسية، الموفدة إلى «إكس ليبان» بأن إقامتها العامة في المغرب تخدعها وتكذب عليها. واضطر الفرنسيون بعد تلكؤ ثم بإمعان النظر إلى القبول بوجهة نظر الوفد المغربي، فأرجعوا في نهاية الأمر القواد الموالين للإقامة العامة إلى المغرب. ولذلك فإن مؤتمر «إكس ليبان» الذي يتحدث عنه التاريخ-بحسب بوطالب- لم يكن مؤتمرا لأنه لم يجتمع قط. وقد سبق أن كتب هذا في الثمانينيات في «موسوعة ذاكرة المغرب» باللغة الفرنسية بعنوان «المؤتمر الذي لم ينعقد»، ..» لأننا لم نجتمع مع أولئك العملاء. واضطر الوزراء الفرنسيون الذين جاءوا إلى»إكس ليبان» لاستدعائهم-من بعد- وحدهم فاجتمعوا بهم منفردين، وصرفوهم فرجعوا إلى المغرب من حيث أتوا، واستدعونا نحن واجتمعوا بنا وحدنا، فأطلعناهم على وجهة نظرنا ووضعنا الأمور في نصابها. إن مؤتمر «إكس ليبان» انتهى كما قلت قبل أن يبدأ، وبالتالي لم يدخل قط التاريخ...».
لقد انقطعت الاتصالات بين الوطنيين وبين السلطان محمد بن يوسف لأن الحصار كان مضروبا عليه بمنفاه. ولكن مع توالي الأيام وانتهاء معركة ما سمي ب«خدعة إكس ليبان» تبين لفرنسا أنه لا حل للأزمة المغربية إلا بالدخول في محاورة مباشرة مع الوطنيين في جبهة العمل الوطني، مستبعدة الحوار مع نفسها -أي بواسطة القواد والباشوات والعملاء التقليديين-. وأنشأت فرنسا داخل الحكومة الفرنسية وزارة خاصة باسم وزارة الشؤون المغربية والتونسية، كان يشرف عليها الوزير «بيير جولي».
يواصل عبد الهادي بوطالب، قائلا: « بينما كان وفد الجبهة بقاعة الانتظار كان الوزير يستقبل المقيم العام الفرنسي بالمغرب الجنرال «بْوَيّي دُولاتُور»، دخل علينا الكومندان محمد أوفقير ليأخذ معطف المقيم العام، وبيده عصا الجنرال فسلم علينا وقدم نفسه لنا على أنه الضابط المرافق للجنرال المقيم العام. ثم قال لنا: «أهنئكم بنجاحكم، فالقضية التي دافعتم عنها أصبحت ناضجة». وتظاهر بأنه يغالب بكاء الفرح الذي لا أستطيع وصفه. وكانت هذه أول مرة ألتقي فيها الضابط أوفقير. وبعد مرور دقيقة خرج المقيم العام من مكتب الوزير فحياه أوفقير التحية العسكرية وألبسه معطفه وسلم إليه عصاه وانصرف وراءه. وكانت هذه أول مرة أرى فيها وجه أوفقير وأمد يدي لمصافحته.
وكان الفرنسيون يرغبون في تشكيل حكومة رشحوا لرئاستها أحد المعتدلين التقليديين هو الفاطمي بن سليمان الذي كان وزيرا للمعارف في حكومة المخزن ورئيسا للمحكمة العليا بالرباط قبل أن يذهب السلطان إلى المنفى. ثم انفصل عن الحكومة المخزنية وظل على ولائه للسلطان محمد بن يوسف، وذلك عندما شرع الموالون للحماية الفرنسية بالانفضاض من حولها. وأمام تصميم وفد الوطنيين المغاربة. اضطرت الحكومة الفرنسية لمجاراتهم. وتهييئ الأجواء بقصد التقائهم في غياب الإعلام، للاتصال بالسلطان في المنفى. وسافر بوطالب فعلا، ضمن الوفد الوطني إلى مدينة أنتسرابي في جزيرة مدغشقر. وضم الوفد كلا من عمر بن عبد الجليل، وعبد الرحيم بوعبيد من حزب الاستقلال، وعبد القادر بن جلون، وعبد الهادي بوطالب من حزب الشورى والاستقلال. عبر طائرة خاصة أقلتهم في التاسع من شتنبر 1955 دون اجتياز الحواجز الأمنية والجمركية من مطار خاص في باريس على الساعة الحادية عشرة صباحا. ولم يُعلَن عن سفر الوفد المغربي للقاء السلطان إلا بعد رجوعه. وتم قطع الرحلة من باريس إلى «تناناريف» عاصمة مدغشقر في ظرف 36 ساعة، توقفت خلالها الطائرة في عشرة مطارات. بسبب التوقف الدائم للطائرة لأجل تزودها بالوقود كل 400 كلم. قبل أن تحط في مطار «تناناريف». ثم إكمال الرحلة، على متن السيارة إلى مدينة «أنتسيرابي» في رحلة استغرقت أربع ساعات. حيث كان السلطان يقيم في الفندق الكبير «لي تيرم» بجوار حامة معدنية كان يحل بها من يرغبون في الاستشفاء، ويأتي إليها السياح للاستجمام أو شرب مياهها للعلاج. وكانوا قبل وصول السلطان يقيمون في ذلك الفندق الكبير الذي تم إخلاؤه ليقيم فيه السلطان وأسرته.
عندما صرخ المهدي المنجرة: «إنها خيانة»
اعتبر أنها كانت مجرد تسوية بين زعماء سياسيين والمستعمر الفرنسي
في اليوم الذي تم فيه «طبخ» مفاوضات «إكس ليبان» صرح الدكتور المهدي المنجرة قائلا إنها «خيانة»، وشاءت الأقدار أن يصرح بذلك، في مكان غير بعيد عن جامعة السوربون. وبعد الاستقلال أكد المنجرة الكلام نفسه في برنامج إذاعي شارك فيه ثلة من المغاربة، منهم عبد الهادي بوطالب، إلا أن السلطات فضلت عدم بث فحواه على الهواء وحجبته عن المستمعين.
لقد تحدى الراحل المهدي المنجرة في حياته، أيا كان يقول بأن «إكس ليبان» كانت مفاوضات دارت حول استقلال المغرب. فمن وجهة نظره، كان يعتبر دائما بأن معاهدة « إيكس ليبان» من أكبر «الخيانات»، وكانت مجرد تسوية بين زعماء سياسيين والمستعمر الفرنسي، حيث كان المتفاوضون عن الجانب المغربي، يسعون نظير مناصب سياسية ومواقع النفوذ بعد الاستقلال. واعتقد المنجرة أنه لو استمر جيش التحرير في سياسته التحريرية ونجح في استمرار تحالفه، مع الحركة التحريرية بالجزائر وتونس لتم الوصول إلى مغرب عربي كبير وحر، إلا أن تسوية «إكس ليبان» كانت ضربة قاضية فوتت على بلدان المغرب العربي شروط إقلاع اقتصادي واجتماعي مهم.
لقد عاش المنجرة في قلب الأحداث التي سبقت مفاوضات «إكس ليبان»، وذلك بحكم دراسته بالولايات المتحدة الأمريكية، إذ جعلته إقامته في عمق العمل الوطني من أجل القضية المغربية وقضايا المغرب العربي والعالم بشكل عام. ففي سنة 1951 التحقت عائلة محمد الغزاوي بعائلة المهدي حيث يوجد بيتها على بعد مائة كيلومتر من نيويورك. هذان البيتان كانا عند نهاية كل أسبوع ملتقى لممثلي مختلف الدول لدى هيئة الأمم المتحدة، وقد احتضن هذا الملتقى في تلك الفترة مسؤولي حركة التحرير التونسية ومن بينهم السي الباهي الأدغم. أما مكتب الحركة الوطنية المغربية فقد افتتح بواشنطن من طرف الدكتور المهدي بنعبود سنة 1951، وقد التحق به المرحومان عبد الرحمن بنعبد العالي وعبد الرحمان أنكاي والمهدي بنونة الذين افتتحوا في سنة 1952 مكتب نيويورك. كان المهدي قد أدرك أن مكتب واشنطن افتتح في السنة نفسها التي عرفت نشوب أزمة خطيرة بين المغفور له السلطان محمد الخامس والمقيم العام الجنرال جوان، وهي الأزمة التي لم تترك أي خيار سوى اللجوء إلى المجتمع الدولي. بعد أن طلب جلالته أثناء زيارته لفرنسا في أكتوبر 1950 مراجعة عقد الحماية عبر منح المغرب الاستقلال، ولم يتوقف محمد الخامس عن التأكيد على هذا المطلب الذي اعتقل من أجله العديد من الوطنيين في سنة 1951.
كانت تفاصيل من حياة المهدي المنجرة خلال هذه الفترة بصمات دالة في مسار تكوينه وارتباطه بالعمل الوطني. ومن اللحظات التي كانت راسخة في ذهنه، اليوم الذي تناول فيه الغداء ببيتهم وجوه ذات حضور تاريخي كبير، وقادته الصدفة أن يوصل بعضهم بالسيارة إلى البيت كعلال الفاسي وبلحسن الوزاني وأحمد بن سودة والمكي الناصري الذين جاؤوا حينها بقصد إبرام ميثاق وطني من أجل العمل على استقلال المغرب، وكان من الحاضرين يومها إضافة إلى والد المهدي، محمد الغزاوي عبد الرحمن بنعبد العالي وعبد الرحمان أنكاي والمهدي بنونة ولوفان كيشيان أحد كبار الصحفيين الذي تطوع ليخصص جزءا هاما من وقته للدفاع عن القضية المغربية، كما حضر في تلك المناسبة أفراد من عائلة المهدي. وأصدر المكتب المغربي –على إثر ذلك- أول بلاغ صحفي في نونبر 1951 حول خرق فرنسا لحقوق الإنسان والحريات العامة بالمغرب. وهي المبادرة التي تعززت في 13 أكتوبر من سنة 1952 بإصدار العدد الأول من «نشرة الاتصال». كانت سنة 1952 أكبر منعطف في تاريخ القضية المغربية ضد الاستعمار الفرنسي حيث قبلت هيئة الأمم المتحدة مناقشة الملف المغربي، وهي السنة نفسها التي نشر فيها المهدي المنجرة أول مقال له في الصحافة، وذلك بتاريخ 24 أكتوبر يوم الاحتفال بذكرى تأسيس الأمم المتحدة، وكانت قد نشرته «كورنيل دايلي سان» (أكثر من 5 آلاف نسخة) وهي الصحيفة اليومية التي كانت تصدرها الجامعة التي كان يدرس بها المهدي.
قام المهدي رفقة الوطنيين المغاربة ب «مكتب نيويورك» بعمل جبار بعد نفي المغفور له محمد الخامس في 20 غشت 1953، من أجل أن يكون للقضية الوطنية مكان في جدول أعمال مجلس الأمن، واشتغل مكتب نيويورك رفقة المهدي المنجرة حينها ليل نهار من أجل تهييئ ملف في الموضوع يحظى بدعم خمس عشرة دولة، وكان قد وصل الحاج أحمد بلافريج إلى نيويورك في 29 غشت 1953 تاريخ اجتماع مجلس الأمن، ليتابع الجلسة كعضو من الوفد الباكستاني، وهو ما أثار اعتراض رئيس الوفد الفرنسي هنري هوبنو الذي طالب بانسحاب بلافريج من القاعة، ليخرج الأخير من جيبه جواز سفر باكستاني مكنه من متابعة الاجتماع. وكانت أصداء هذا الاجتماع عالقة بذهن المهدي بالنظر، إلى مستوى المندوبين وطبيعة النقاش. بحضور (شارك مالك من لبنان، ظفر الله خان من الباكستان، قسار بكين من الاتحاد السوفياتي، أوروسيا من كولومبيا، وواد وورث من الولايات الأمريكية وتسيانغ من الصين) .
معروف دفالي *: مجلس الوصاية على العرش ولد ميتا.. !
في معرض تعليقه على لحظة «إكس ليبان» المفصلية، أكد المؤرخ معروف دفالي بأن السياق العام لهذه المشاورات بين كل من فرنسا والوطنيين المغاربة، ارتهن بالنظرة الكونية الجديدة للاستعمار بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ودعم الأمم المتحدة لحركات التحرر.
بالمغرب، ظهرت الارهاصات الأولى لاستقلاله، منذ سنة 1947 التي اتسمت بتوتر العلاقات بين الحماية والقصر، وكذا تصعيد أعمال المقاومة المسلحة. ثم توالت الأحداث سريعا بنفي السلطان بن يوسف، ومحاولة السلطات الفرنسية تصفية الحركة الوطنية المغربية، بملاحقة أقطابها والزج بهم في السجون والمنافي...
تكون الوفد المفاوض المغربي ب»إكس ليبان»، من تشكيلات سياسية واجتماعية، جد متنوعة حالت دون وحدة وانسجام الوفد المغربي، مما حدا بالمفاوض الفرنسي إلى تمرير إحداث مجلس الوصاية على العرش، الذي تصارع حول عضويته العديد من الأسماء التاريخية، ولم يدم إلا أياما قليلة، ويمكن القول إن هذه الهيئة التي نصبت بمقتضى مشاورات «إكس ليبان» قد ولدت ميتة، ولم يكن لها أدنى دور تاريخي في معرض الأحداث اللاحقة.
*مؤرخ
محمد شقير *: مفاوضات «إكس ليبان» كانت عبارة عن صفقة سياسية بين كل من سلطات الحماية الفرنسية والقصر والحركة الوطنية
قال إن فرنسا لعبت دورا كبيرا في تنويع المفاوضين
- ما هي ملامح السياق العام الذي أطر لحظة «إكس ليبان» ؟
هناك مستويين بهذا الصدد، ويتجلى أولاها في الإطار الدولي الذي ساهم بدوره في نضج تلك اللحظة التاريخية، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية التي أسفرت نتائجها على قوتين كبيرتين وهما الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية، وتراجع الهيبة العسكرية لكل من فرنسا وإنجلترا. فاسحة المجال أمام ظهور حركات التحرر بالمستعمرات، التي كان المغرب جزءا منها تحت الاحتلال الفرنسي والإسباني.
تنضاف كذلك الهزيمة المدوية للجيش الفرنسي بتيان فو (الهند الصينية) سنة 1954. أما ثانيها فيهم السياق الوطني والإقليمي، مثل حرب التحرير الجزائرية التي أثرت بدورها على مجريات الأمور بالمغرب، خاصة بعد مواجهات جيش التحرير للقوات الاستعمارية، التي تميزت بالتنسيق العملي على المستوى المغاربي، لمواجهة الاستعمار في كافة دول المغارب.
- ما هو دور الحركة الوطنية المغربية في ظل كل هذا المخاض؟
كانت الحركة الوطنية الحاضرة ب»إكس ليبان»، ممثلة بكل من أحزاب الشورى والاستقلال والاستقلال، إلى جانب الحزب الشيوعي المغربي. التي سبق أن عقدت تحالفا بينها وبين القصر، منذ 1930 لمواجهة الحماية الفرنسية. حيث ستتطور الأحداث وصولا إلى مؤامرة نفي محمد الخامس والأسرة الملكية إلى جزيرة مدغشقر سنة1953.
- مم تشكل الوفد المغربي في مفاوضات «إكس ليبان» ؟
لعبت فرنسا دورا كبيرا في تنويع المفاوضين ب«إكس ليبان»، فالوفد المغربي تكون حينها، من ممثلين عن الأحزاب «المتحزبين» وممثلين عن القياد، مما ترك المجال فسيحا أمام المفاوض الفرنسي، لأنه كان يعي أنه أمام كتلة غير متجانسة من المفاوضين، مما جعله يمرر مقترح إحداث مجلس الوصاية على العرش، الذي لم يدم كثيرا في مضمار هذه الفترة التاريخية.
- بعد «إكس ليبان» في غشت 1955، تم توقيع إعلان «سان سيل كلو» بفرنسا، بم جاء هذا الإعلان المشترك بين الوفدين المغربي والفرنسي؟
لقد شكل هذا الإعلان المشترك الموقع في 2 نونبر من سنة 1955، مجرد بداية نحو الاستقلال، وهو الذي تم تحديد مضامينه في البرتوكول الملحق بهذا الإعلان الذي تم توقيعه في 2 مارس سنة 1956، وحدد طبيعة العلاقات التي ستنتظم لاحقا بين كل من فرنسا والمغرب بالتفصيل داخل بنود البروتوكول الملحق.
وتميزت الفترة الفاصلة بين توقيع الإعلان المشترك وبروتوكوله الملحق، بعودة محمد الخامس من المنفى، وهو الأمر الذي اعتبره الوطنيون المغاربة بمثابة الإعلان الحقيقي عن استقلال المغرب، نظرا للتلاحم الذي برز بين العرش والوطنيين في ملحمة شعبية تاريخية، تجسدت في الاستقبال الحاشد لعودته في18 نونبر سنة 1955.
- كيف تطورت العلاقات الفرنسية - المغربية بعد مخاض الاستقلال؟
للتذكير فإن أغلب الدارسين للمرحلة، أكدوا على أن مفاوضات «إكس ليبان»، كانت عبارة عن صفقة سياسية بين كل من سلطات الحماية الفرنسية من جهة، والقصر والحركة والوطنية من جهة أخرى. هدف كل طرف الحفاظ على مصالحه. وبالطبع فرنسا حافظت على مصالحها، وحتى المقيمون الفرنسيون بالمغرب، لم يتم طردهم مثلا..فقد استقروا بمساكنهم حيث ممتلكاتهم لسنوات لاحقة. وكذا العلاقات الاقتصادية المتميزة التي استمرت بين كل من المغرب وفرنسا، كذلك حافظت فرنسا على كل ترسانتها الأمنية والعسكرية والدبلوماسية بالمغرب حتى منتصف الستينيات، مع سياسة المغربة.
بالمقابل، احتفظ المغرب بطبيعة خاصة لخروجه من نير الاستعمار عكس باقي البلدان المستعمرة، حيث لم ينل استقلاله وسيادته على أراضيه دفعة واحدة، بل امتدت تلك العملية لعقود، بدءا باسترجاع المنطقة الخليفية (شمال لمغرب) ثم سيدي إفني وطرفاية والصحراء سنة 1975، وبعدها إقليم وادي الذهب سنة 1979. وذلك راجع إلى طبيعة المفاوضات التي قادت لهذه الصيغة التي مازال المغرب يعاني من تبعاتها إلى اليوم، في إطار استكمال وحدته الترابية... فجل أقطاب الحركة الوطنية المغربية مثل علال الفاسي، وعبد الرحيم بوعبيد والمهدي بن بركة لم يكونوا راضين عن تلك المفاوضات (إكس ليبان). بحكم أن رهانات المقاومة كانت تدور على تحرير جميع أقطار المغرب العربي، التي وحدت كفاحها ضد المستعمر الفرنسي، في إطار عمل مكتب المغرب العربي ونشاطه بين تلك البلدان، ومختلف المنابر العربية والدولية بهدف تحقيق الاستقلال لشعوبها. فلو فاوض المغرب مثلا في ظل وحدة مطلبية لجميع دول المغارب، لكان بإمكان المغرب أن يفرض شروطه على فرنسا، عوضا عن وضعية التشرذم التي عرفها الوفد المفاوض لفرنسا، وأدت لما اعتبره البعض «خيانة» للقضية الوطنية، وفريق آخر اعتبرها كذلك، بمثابة»استقلال ناقص»، بحكم المشاكل التي يعاني منها المغرب -إلى اليوم- في إطار استكمال وحدته الترابية أمام الجزائر وغيرها...
- إضافة لمشكل استكمال الوحدة الترابية، عرف المغرب في فجر الاستقلال صراعات سياسية فوتت عليه الالتحاق بالدول المتقدمة، وأجلت الديمقراطية لأجل غير معلوم، ألا ترون بأن هذه الوضعية، تعد كذلك من نتائج «إكس ليبان»؟
أظن أن هذا كان من بين البنود -السرية- للصفقة السياسية التي تمت ب»إكس ليبان»، فلو استمر جيش التحرير في كفاحه، وكذلك تواصلت أعمال المقاومة المسلحة بالمدن لكان ذلك دافعا لفرنسا في تغيير البنية السوسيو اقتصادية والسياسية التي خلفتها أربعة عقود من الحماية قبل مغادرتها.
- هل صحيح أن المهدي بن بركة طالب قادة جيش التحرير بإلقاء السلاح؟
هذا كان موقف حزب الاستقلال ككل، إذ كان يرغب في تهيئة شروط سليمة للمفاوضات حول عودة السلطان الشرعي بن يوسف، واستقلال المغرب. وبالفعل فقد شارك المهدي بن بركة في محاولات إقناع أعضاء جيش التحرير بالالتحاق بالعملية السياسية التي كان الوطنيون بصددها مع فرنسا. إذ كان أعضاء الحركة الوطنية أو ما عرف ب»المتحزبين» يوظفون سلاح جيش التحرير فقط، كورقة للضغط على الحماية الفرنسية، ولم تكن المقاومة المسلحة هدفا في حد ذاته واستراتيجية، وهي النقطة التي طالما ظلت عالقة بين حزب الاستقلال وزعماء الحركة المسلحة، مما حدا بالوطنيين المتحزبين إلى محاولة إجهاض جيش التحرير والتخلص منه، حتى لا يفسد الصفقة السياسية...
* باحث في العلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.