مشروع قانون يُثير الجدل.. استحداث "مجلس أمناء" على رأس جامعات المغرب يفقدها آخر ما تبقى من استقلاليتها            بورصة الدار البيضاء تفتتح على ارتفاع طفيف في مؤشراتها الرئيسية        صندوق النقد الدولي: ارتفاع النمو الاقتصادي للصين في 2025    الفرنسي كوندي يجدد عقده مع برشلونة حتى 2030    مأساة كروية في الأرجنتين.. 19 إصابة خطيرة و111 موقوفاً بعد أحداث عنف مروعة    ضربة أمنية بسيدي إفني : إحباط تهريب دولي للمخدرات والهجرة غير القانونية        تَعرضُ باشا بطنجة إلى اعتداء وسلب هاتفه ومحفظته بالقوة    بعد التدخل المفاجئ لأخنوش: من يحمي حياة المواطنين وسط تغوّل الحسابات السياسية والمالية؟    الخنوس يقترب من فريق جديد            أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    توقيف مختل متشرد أنهى حياة شرطي خلال عمله بإيموزار    زفاف مغربي بلمسة إماراتية يجمع اللاعب المصري محمد النني بزوجته الثانية المغربية    زلزال بقوة 7,5 درجات يضرب ممر دريك قبالة سواحل الشيلي    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين.. العزيمة والإصرار مفتاحا التفوق على تنزانيا (طارق السكتيوي)    الاصابة تبعد الهولندي فريمبونغ عن ليفربول ثلاثة أسابيع    جاكوب زوما من قلب غانا.. دعم جديد لمغربية الصحراء يربك حسابات خصوم الوحدة الترابية    الصين: شينغ-تسانغ... ستة عقود من الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية    مدينة يابانية توصي بحصر استخدام الهواتف الذكية في ساعتين يومياً    المغرب يتصدر مستوردي الغاز الإسباني    تركيا تستعد لإطلاق شبكة الجيل الخامس ابتداء من سنة 2026    بين الديون والاختلالات.. طنجة بلا قيادة في لحظة حرجة    إرجاء العمل بالمسطرة الموحدة لتأطير عمليات مراقبة مطابقة الدراجات بمحرك باستعمال جهاز قياس السرعة (بلاغ)    إعادة برمجة خلايا الدم إلى خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات يفتح آفاقا واسعة في مجال العلاج الشخصي والبحث العلمي (صابر بوطيب)    دراسة: عدم شرب كمية كافية من الماء يسبب استجابة أكبر للإجهاد    إسرائيل تتوعد بتدمير مدينة غزة    الهواء المسموم... نفايات إلكترونية تتحول إلى كارثة بيئية في الخليل        نادي سينما الريف يطلق العنان لإبداع الشباب السينمائي    برقية تهنئة إلى جلالة الملك من العاهل الإسباني بمناسبة عيد الشباب            أفلام مغربية تتألق في بانوراما تونس    تحليل بالبيانات يرصد حضور الشباب في 40 بالمائة من الخطابات الملكية    بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية بمناسبة الذكرى ال62 لميلاد الملك محمد السادس    تصفيات كأس العالم 2026: المغرب يفتتح ملعبه الجديد بمواجهة النيجر المرتقبة    أزمة جديدة في استيراد العجول .. حجز شاحنتين بميناء طنجة المتوسط        وفاة القاضي الرحيم عن 88 عاما.. صوت العدالة الذي أنصف المهاجرين    الملك محمد السادس يصدر عفوا على 591 شخصا بمناسبة عيد الشباب    انطلاق فعاليات مهرجان الرمى والطلبة والخيالة بمركز صخور الرحامنة مبادرات راائدة في التضامن الترابي (صور)    ابتكار جهاز من الماس يرصد انتشار السرطان دون مواد مشعة    مندوبية التخطيط تسجل انخفاضا طفيفا للرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك            إطلاق فيديو كليب "رمشا الكحولي" بتوقيع المخرج علي رشاد    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفن المعاصر بمدينة ميدلت    المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فصل الربيع في الأغنية المغربية
نشر في بيان اليوم يوم 24 - 03 - 2019

من خلال القيام بجرد للأغاني المغربية، سواء العصرية أو الشعبية أو الفولكلورية، نجد حضورا لفصول السنة وتفاعلا مع تقلبات مناخها وتعبيرا عن ما تخلفه في النفس والوجدان من أحاسيس خاصة، قد تكون هذه الأحاسيس باعثة على الفرح والحبور، مثلما قد تكون مقلبة للمواجع، خصوصا عندما يتم استحضار تلك الفصول بارتباط مع حوادث أليمة، من قبيل الفراق أو الفشل أو ما إلى ذلك.
ومن بين فصول السنة التي لها حضور ربما بدرجة أقوى من الفصول الأخرى في الربرتوار الغنائي المغربي على اختلاف أشكاله واتجاهاته وإيقاعاته ولهجاته.. يبرز فصل الربيع، بالنظر ربما إلى الأثر العميق الذي يحدثه في الوجدان، نتيجة ارتباطه بالجمال الناطق.
إن شعراءنا الغنائيين، من خلال ما أنتجوه من قصائد تتغنى بفصل الربيع، بأحاسيس مختلفة، وبتعابير متعددة، يؤكدون على أنهم يحبون الحياة والجمال، وأنهم متمسكون بالعيش رغم الإكراهات الاجتماعية التي يعانون منها، صحيح أن هناك من هذه الإنتاجات ما يعكس نوعا من السوداوية والتشاؤم، بالرغم من استحضارها للفصل السنوي المشار إليه، غير أن ذلك عادة ما يكون مرتبطا بتجربة حياتية مؤسفة ومؤلفة، ويشكل حالات استثنائية، في حين أن التعبير عن الفرح بقدوم فصل الربيع، فهو متجلي بوضوح في العديد من الأغاني المغربية.
قصائد عديدة تغنت بفصل الربيع وبمباهجه، منها ما تم تحويله إلى أغاني ومنها جزء كبير ظل عبارة عن نصوص مكتوبة لأجل القراءة، وقد يأتي من يشتغل عليها ويجعل منها منتوجا غنائيا وقد لا يتحقق ذلك، بالنظر إلى أنه ليس كل القصائد قابلة للتلحين، غير أن الشيء الأكيد هو أن مجموع القصائد الغنائية أو الجزء الأكبر منها على الأقل؛ مما تم تلحينه وأداؤه، يظهر أنه تعبير صادق عن التفاعل مع كل ما يميز فصل الربيع من جمال وحسن وحيوية وطيب وما إلى ذلك، وطبعا كل ما ينبع من الإحساس الصادق سواء من حيث التعبير بالكلمات أو بالأداء اللحني والغنائي، يكتب له البقاء، ويظل محفوظا في الذاكرة والوجدان، والدليل على ذلك أن النماذج التالية يعود تاريخ إنتاجها إلى سنوات خلت، ومع ذلك لا تزال تتكرر على مسامعنا دون أن ننفر منها أو نعبر عن مللنا من الاستماع إليها، على عكس بعض الأغاني التي صارت تنتج خلال السنوات الأخيرة، والتي لم يعد عمرها الافتراضي يتجاوز بضعة أشهر أو أسابيع، على اعتبار أنها لم تكن صادقة وأنها أنتجت لغرض تحقيق ربح مادي سريع وفاحش، تحت مسمى: أغنية الموسم أو ما شابه ذلك، لكن هذا موضوع آخر، يستحق وقفة أخرى عنده في مقال مستقل، ولنعد إلى أغانينا الخالدة، تلك التي تغنت بفصل الربيع، لنستحضر كيف تفاعل فنانونا وشعراؤنا الغنائيون مع هذا الفصل الذي حان موعده، وبأي لغة وبأي لهجة وبأي إيقاع لحني وبأي الطبقات الصوتية، عبروا عن مشاعرهم وأحاسيسهم نحو قدومه.
يقول مطلع أغنية “يا محبوبي” التي كتب كلماتها علي الحداني رحمه الله ولحنها الموسيقار أحمد العلوي وأداها المطرب عبد الهادي بلخياط:
“هاي هاي هاي هاي يا محبوبي
أمحبوبي عاد الربيع
وموسم المسارية ضوا
بالشمس والأزهار”
لنلاحظ كيف تم التعبير عن الفرح بقدوم هذا الفصل، لقد تم استعمال لفظة قد لا نجدها في القاموس اللغوي، وهي “هاي”، إنه تعبير فطري طبيعي يتلاءم مع الفصل الربيعي باعتباره جزءا من الطبيعة بل هو الطبيعة ذاتها.
إن قدوم هذا الفصل بمباهجه حفز في صاحب الأغنية الرغبة في الانطلاق وعدم البقاء مشدودا إلى المكان نفسه الذي يقيم فيه؛ فإذا كان فصل الشتاء قد يجبرنا في كثير من الأحيان على عدم مغادرة بيوتنا، بسبب الأمطار والثلوج وهبوب الرياح القوية والعواصف وما إلى ذلك، فإن فصل الربيع دفع صاحب أغنية “يا محبوبي” إلى التفكير في أن “موسم المسارية ضوا”، بمعنى أن أوان السفر والتجول والاستمتاع بجمال الطبيعة قد حل ليبث الضوء في ظلام النفوس المكتئبة، لكن هذه الرغبة لا يمكن أن تكتمل دون رفقة أحد، وطبعا فإن لا شيء أفضل من أن تكون الرفقة مع من نحب.
إن فصل الربيع هنا يبعث على كل الأحاسيس السامية: الحب، الجمال، المتعة، الفرح.. إلى غير ذلك.
إن ترديد لفظة “هاي” المعبرة عن الفرح الفطري الطفولي إذا شئنا القول، منح نوعا من الخفة على الإيقاع اللحني لهذه الأغنية، سيما وأن مؤدي هذه الأغنية معروف بأدائه الصادق، ولا شك أن خفة الإيقاع أتى منسجما إلى حد كبير مع طبيعة فصل الربيع الذي يبعث على التحرر والانطلاق.
ولعل من الطرائف المرتبطة بهذه الأغنية، أنه في إحدى الحفلات الغنائية التي كان يحييها المطرب عبد الهادي بلخياط، كان يؤدي هذه الأغنية، وعندما كان يردد لفظة “آمحبوبي” كان الجمهور يخاطبه ساخرا “آ العروبي” أي ذلك الإنسان القادم من القرية إلى المدينة والذي يجهل أشياء كثيرة عن مظاهر التمدن، وقد
يواجه مشاكل وصعوبات نتيجة ذلك، مع أن لفظة “آ العروبي” غير واردة في الأغنية، بالرغم من ذلك فإن مطربنا لم يكن يبدي انزعاجه أطال الله عمره، بل كان يبتسم ويستمر في الغناء، ولعل لفظة “آ العروبي”، لم تكن قدحية، كما قد يفهم من ذلك، ولكنها تجسيد لمضمون الأغنية، بالنظر إلى أن العروبية أو القرية هي إحالة على الطبيعة أي على فصل الربيع الذي تتغنى به أغنية “آ محبوبي”.
ليست الأغنية العصرية وحدها من تغنت بفصل الربيع، بل يمكن القول إن إنتاجاتنا الغنائية على اختلاف اتجاهاتها ولهجاتها ولغاتها، استحضرت فصل الربيع وجعلت منه موضوعا ومحورا لقسم كبير منها، ومن النماذج الغنائية التي انصب موضوعها على هذا الفصل السنوي: أغنية من تراث الملحون، تحمل عنوان “فصل الربيع” وهي من تأليف سيدي قدور العلمي، ومن بين منشدي الملحون الذين أدوها: سعيد المفتاحي، يقول مطلع الأغنية:
“فصل الربيع أقبل والقوت زيان
وعلامات الخير للورى بانو
جاد الزمان وضحك ثغر السلوان
والنكد تفاجى وزالت حزانو”
الأغنية من مطلعها إلى نهايتها تعبير عن الفرح بقدوم هذا الفصل، وتعداد فضائله.
بحلول فصل الربيع تبتهج النفوس وتنمحي كل المشاعر السلبية: الغم، الحزن، السوداوية، التشاؤم.. إلى غير ذلك.
الربيع فصل الألوان والفرح والتحرر، ودعوة إلى الاستمتاع بخيرات الطبيعة.
الأصوات النسائية أطربتنا كثيرا بتغنيها بهذا الفصل كذلك، فصل الربيع، يقول مطلع أغنية “تفتح الورد” التي كتب كلماتها الشاعر الرقيق المهدي زريوح ولحنها محمد بنعبد السلام، وأدتها وأضفت عليها شحنة عاطفية قوية المطربة نعيمة سميح:
“تفتح الورد وغنى الطير
ما احلى مساء الخير وما احلى صباح الخير
ما بين سهول ما عندها نظير
وجبال تنطق بالعز الكبير
الورد مشكل بالألوان
والحب قصيدة على كل لسان
واللي ما قدرش يكون فنان
بهاذ الحسن ما يكون بالغير
تمنيت في سماك نطير يا فصل الربيع”
فصل الربيع المتغنى به هنا، كما هو الحال في العديد من الأغاني على هذه الشاكلة، له إحالة على الحسن والجمال، وما يلفت الانتباه في هذه الأغنية هو ترديد لفظة “ما أحلى”، إن صاحبة الأغنية تعبر عن إعجابها بهذا الفصل إلى حد أنها تقر بتذوق حلاوته، إنها تلك اللذة العابرة، تماما مثل الزمن القصير لفصل الربيع، مع ذلك لا بد من اغتنام الفرصة بالتلذذ بهذه الحلاوة، ومخاطبة الآخر وذواتنا بالاستمتاع بمباهج الربيع، ومن شدة الإعجاب بهذا الفصل، نود لو أننا خاطبنا كل عضو من جسدنا لحثه على التمتع بهذا النعيم الذي تعرضه علينا الطبيعة في فصلها السنوي هذا:
“يا قلبي خذ ما تتمنى
فصل الربيع فصل الجنة” تقول أغنية “تفتح الورد”.
***
إن الذخيرة الغنائية المغربية تشتمل على العديد من الإنتاجات التي تتغنى بفصل الربيع، بأصوات نسائية وذكورية بطبيعة الحال، وبمختلف اللغات واللهجات، وبتعابير وإيقاعات متعددة، وحبذا لو يتم إصدار ألبومات تتضمن مختارات من هذه الأغاني، وتقام حفلات غنائية، تكون تيمتها الرئيسية هو فصل الربيع، تمزج بين الأغاني القديمة والحديثة الإنتاج، لعقد مقارنة بين هذه التجارب، وأساسا لأجل الاستمتاع بالأداء الغنائي في حد ذاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.