الخط : إستمع للمقال كشفت الطريقة التي تم التسابق بها من طرف مكونات الحكومة للإعلان عن خبر إيقاف الحملة التي شنتها السلطات المختصة على الدراجات النارية المعدلة خلال الأيام الماضية، عن حجم الارتجالية التي بات يعيشها البيت الحكومي، وعن غياب أي تنسيق بين مكوناته لا في الجانب التقني ولا في الجانب السياسي. إذ في الوقت الذي تخرج فيه جهة لتعلن عن قرار، يسارع طرف ٱخر إلى نفي نفس القرار، ما يضع صورة الحكومة على المحك بكونها مهتزة الأركان، وبأنها جسم مشتت الجوانب ويفتقد إلى الانسجام الداخلي. وهنا يبرز سؤال جوهري يطرح نفسه بقوة: أين هو وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت من كل ما حدث بخصوص تنفيذ قانون ضبط سرعة الدراجات النارية داخل المدار الحضري، خاصة أنه الجهاز الوصي حكوميا على هذا الجانب، بل إنه هو المسؤول الأول عن علاقة الجهاز التنفيذي بأجهزة إنفاذ القانون وإدخالها حيز التطبيق؟ وهنا يطفو سؤال آخر أكثر وضوحا: كيف لرئيس الحكومة أن يتدخل لإيقاف حملة يفرضها قانون صادر منذ 2010 بمجرد مكالمة هاتفية أو مطالبة الجهة الوصية بإصدار مذكرة في الموضوع؟ ما هذا الذي يحصل وأين نحن من بلد وجب أن يكون بلد للمؤسسات والقانون؟ ثم بأي منطق يمكن لمذكرة وزارية أو دورية أو قرار إداري أن يقوم مقام نص قانون تمت المصادقة عليه برلمانيا منذ أزيد من 15 سنة، دون الرجوع للبرلمان قصد تعديل بعض فصوله؟ أليس ذلك ضربا صريحا لهيبة القانون، ولمنطق دولة المؤسسات في مواجهة ضعف الحكامة وقوة الاندفاع السياسي والمالي؟. والأخطر من كل ما ذكرناه، أن رئيس الحكومة ومن يدور في فلكه، تعاملوا مع الملف وكأنه مجرد ورقة انتخابية مغرية بحجمها الذي يقترب من 3 ملايين مستعمل للدراجات النارية، وبالتالي يتم إطلاقه في لحظة حاسمة تتسم بتجاهل الأرقام الصادمة التي سجلتها الجهات الرسمية بخصوص ضحايا حرب الطرق. ففي الوقت الذي سارعت عدة منابر إعلامية إلى نشر خبر يفيد بأن رئيس الحكومة أمر بتوقيف الحملة ومنح مهلة سنة كاملة لتسوية الوضع، صدر بلاغ عن وزارة النقل يتناقض مع ما تم ذكره وتسريبه، ولا يحدد أي مهلة لتنفيذ التعديلات المطلوبة، طبعا هذا يعني أن وزارة النقل اختارت وقتا لا علاقة له بالزمن الانتخابي، في حين أن السيد رئيس الحكومة حدد المدة في سنة واحدة، وهي المدة التي تفصلنا عن الانتخابات التشريعية المقبلة. ولكن أفظع ما في الأمر أن مثل هذه التدابير ترتبط بشكل وثيق بالفواجع وبحياة المواطنين، وهو ما لم يُكلف رئيس الحكومة نفسه عناء استحضاره، سواء تعلق الأمر بحجم أعداد القتلى أو المصابين بجروح بليغة بسبب حوادث الطرقات والدراجات النارية، التي ارتفعت بنسبة خطيرة تفوق 21 في المائة خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذه السنة، مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2024، وهو ما يستدعي معالجة سريعة ومستعجلة ويقظة دائمة للحد من السرعة المفرطة للدراجات النارية داخل المدار الحضري أياً كانت الاعتبارات. وهنا يطرح سؤال جديد أكثر خطورة مما ذكرناه وهو: هل حياة المواطنين أصبحت عند رئيس الحكومة أقل قيمة من رصيده الانتخابي والمالي؟ طبعا هذا ما لا نتنماه أبدا، وإلا فإن عزيز أخنوش كان عليه أولا أن يعقد اجتماعا وزاريا يضم كل الوزراء المعنيين، بمن فيهم وزير الداخلية ووزير النقل ووزير التجهيز لتدارس الآثار وتقييم نجاعة الحملة وبحث سبل إيجاد حلول ملائمة تضع حدا لنزيف الدماء الذي يسيل يوميا على الطرق بسبب السرعة والتهور وإكراهات المعيشة، وهذا ما لم يتم للأسف، بل تم اختزاله في قرارات حكومية أو مكالمات هاتفية بين رئيس الحكومة وهذا الوزير أو ذاك، علماً أن لفظ "تعليمات" الذي تردد لدى بعض المنابر غير صالح في مثل هذه المناسبات، ولا يجدر نسبه في مثل هذه الأمور إلا إلى جلالة الملك. ولعل رئيس الحكومة، هو أيضا رجل الأعمال ومتدخل نافذ في مجال بيع وشراء المحروقات، ومن هذه الزاوية فقد يرى الأمر من جوانب أخرى بعيدة كل البعد عن السياسة وحيثياتها، وهو الجانب المالي وحجم الخسائر التي تسبب فيها حجز آلاف الدراجات النارية في المغرب، وهي خسارة يومية تقاس بعشرات آلاف الأطنان من المحروقات، مالم نتحدث عن الرقم المالي الذي تعتبر خسارته موجعة جدا لرجل الأعمال النافذ سي عزيز وباقي المتدخلين في المجال. وهنا تطرح القضية من زاوية مختلفة، وهي تداخل المصالح في الزمن الحكومي، بل أن الحقيقة تقول إن الموجع هي أرواح المواطنين، أما المال فهو ملعون ومشؤوم ما لم نكن إنسانيين في أحاسيسنا، ووطنيين في احترام الواجب وتقدير المسؤولية. إن أصحاب الدراجات النارية لا يجب أن ينظر إليهم كزبائن لمحطات الوقود، ولا كأرقام في صناديق الاقتراع، بل إنهم مواطنون مكدون يوميا من أجل كسب معيشتهم، وهم محتاجون إلى الدعم والمساعدة والتوجيه كي لا يكونوا طغمة سائغة أو ضحايا لقطاع يعمل في الظلام، وهو القطاع غير المهيكل الذي لم ينتبه إليه رئيس الحكومة في مشاريعه طيلة السنوات الماضية. وإذا كان عزيز أخنوش وحزبه يراهنان على فئة أصحاب الدراجات النارية لكسب ودّهم في الاستحقاقات المقبلة، فإنهما واهمان، لأنهما ينسيان أن الراجلين وأصحاب السيارات المنزعجين جدا من سوء تنظيم سرعة الدراجات النارية، لأن فئات أصحاب الدراجات النارية مهمومون أكثر بكسب العيش، وربما لا يشاركون كثيرا في العمليات الانتخابية، خاصة بعدما فقدوا، شأنهم شأن ملايين المغاربة، الثقة في الأحزاب وفي المسؤولين. وهاهم يرون اليوم قرارات مثل هاته، تُتخذ بين عشية وضحاها دون أي دراسة لآثارها على المجتمع، سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد. الوسوم أخنوش عزيز الدرجات النارية المغرب تسييس حزب الاستقلال حزب التجمع الوطني للأحرار