الملك محمد السادس يقود مبادرة إنسانية جديدة لفائدة الشعب الفلسطيني    البطولة الإحترافية 2025/2026: المرشحون والوجوه الجديدة ومباريات الجولة الأولى في إعلان MelBet    الدوري الإسباني.. ريال مدريد يستهل مشواره بالفوز على أوساسونا (1-0)    جمعية باقي الخير تستنكر منع شابة من ذوي الاحتياجات الخاصة من دخول فضاء ألعاب بطنجة بدعوى أنها "قد تُخيف الأطفال"    إسبانيا تواجه أضخم حريق في تاريخها: 343 ألف هكتار محروقة وآلاف المُهجّرين والحرائق ما تزال متواصلة    حفل استقبال بهيج: مؤسسة طنجة الكبرى للعمل التربوي والثقافي والاجتماعي والرياضي تستقبل أطفال القدس الشريف    بدر لحريزي يفوز بمنصب ممثل كرة القدم النسوية في عصبة الرباط سلا القنيطرة    تكريمات تسعد مقاومين في خريبكة    المركز الفرنسي للسينما يكرّم المخرجة المغربية جنيني ضمن سلسلة "الرائدات"    كزينة ونجوم الراب يشعلون الليلة التاسعة من المهرجان بحضور جماهيري قياسي    إدارة سجن "طنجة 2" تكشف سبب وفاة نزيل وتنفي مزاعم "تصفيته"        معاداة السامية .. الكذبة الإسرائيلية لتبرير جرائم الاحتلال    المينورسو تستقبل بالعيون وفد مكتب "حفظ السلام" بوزارة الخارجية الأمريكية    تداولات بورصة البيضاء تتوشح بالأحمر    التصنيف الائتماني للمغرب.. تقرير يوصي بشفافية البيانات وتنويع مصادر التقييم    عشريني يُعرض حياة أمنيين للخطر    الرجاء الرياضي يطوي صفحة النزاعات    السودان يصل ربع نهائي "الشان"    10 أعمال مغربية ضمن قائمة ال9 لأفضل الأعمال في جائزة كتارا للرواية العربية    48 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    المغرب يسجل مستوى قياسيا في الحرارة    البيت الأبيض يعلن موافقة بوتين وزيلينسكي على الجلوس لطاولة الحوار    أسعار الخضر والفواكه تسجل انخفاضا في أسواق المملكة    الوكيل العام للملك يكشف حيثيات العثور على سيون أسدون مغمى عليه بمنزله    تخمينات الأطباء تقادمت.. الذكاء الاصطناعي يتنبأ بموعد ولادة الأطفال بدقة عالية    تيكاد-9 .. وزير الشؤون الخارجية الياباني يجدد التأكيد مرة أخرى على عدم اعتراف طوكيو بالكيان الانفصالي    النيابة العامة تكشف الحقيقة الكاملة في حادث سيون أسيدون وتفند الروايات الكاذبة    مهرجان القنيطرة يفتح أبوابه للاحتفاء بالإبداع ويجمع نجوم الفن والرياضة في دورة شبابية مميزة    الجديدة.. إيداع شخص رهن الحراسة النظرية للاشتباه في هتك عرض طفل والتحقيقات متواصلة    الشعب المغربي يخلّد الذكرى ال72 لملحمة ثورة الملك والشعب    إنجاز علمي مغربي.. رسم الخريطة الجينية الكاملة لشجرة الأركان يمهد لآفاق جديدة    مساعدات المغرب لغزة تعزز التضامن    إسبانيا.. توقيف عنصرين موالين ل»داعش» بالتعاون مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    وزارة الصحة تطلق صفقة ضخمة تتجاوز 100 مليون درهم لتعزيز قدرات التشخيص الوبائي    محامي عائلة "محمد إينو" يعلن عن تطورات جديدة في ملف "القتل العمد ضد مجهول"    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير        بعد زيادتين متتاليتين.. انخفاض محدود في سعر الغازوال    تربية الأحياء المائية.. الوكالة الوطنية تنطلق في مراجعة المخططات الجهوية    صيادلة المغرب يحتجون بحمل الشارات السوداء ويهددون بالتصعيد ضد الوزارة (فيديو)    20 غشت.. ذكرى ثورة الملك والشعب    الألماني هانزي فليك يضغط على إدارة برشلونة لتسجيل مارتن    ارتفاع طفيف للدولار أمام العملات الرئيسية    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    البرغوثي المحرر من السجن في فلسطين ينضم إلى أزلام المطبعين مع الانحلال في المغرب    بطولة انجلترا: الاسكتلندي بن دوك ينتقل من ليفربول لبورنموث    أفغانستان.. زلزال بقوة 5,1 درجات يضرب منطقة هندوكوش    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    "غوغل" تضيف تحديثات إلى تطبيق الترجمة    المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة    مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة تنعي الروائي الكبير صنع الله إبراهيم    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في فيلم مواسم العطش

رغم النهر الجاري الذي يخترق القرية العزلاء ويروي عطش سكانها البسطاء، ويسقى أحواض النعناع المتواضعة، فإن الماء غير كاف ليضمن الاستقرار لساكنتها الفقيرة، ستغرق القرية في العطش، عطش من نوع آخرَ لا يجوز الاعترافُ به في مجتمع قروي محافظ ومتكتم تحكمه الأعراف التقليدية.
سَيُرَّحَل رجال القرية جماعيا في رحلة أشبه بالتهجير قد تمتد لأربع سنوات، والسبب هو العمل في ضيعات ومناجم الفرنسيين. يحصلُ هذا بُعَيْدَ استقلال المغرب أي في ستينيات القرن الماضي، حيث المستعمر قد غادر عسكريا لكن أذنابه كانت لا تزال تستنزف البلاد وتطحن اليد العاملة في رحاها.
إنها فترة حالكة من تاريخ المغرب الحديث، كان الظلم فيها متعدد الأوجه، وواحد من هذه الأوجه ظل مسكوتا عنه؛ سينمائيا على الأقل، فجنسانية المرأة تدخل في خانة الطابوهات التي يُتوجس منها. مشهدٌ في الفيلم مشهد يلخص إحدى هذه المآسي حين يبعث المستعمر السابق من ينوب عنهم في انتقاء خيرة رجال القرية من حيث البنية الجسدية والفُتوة، فيما يتم إقصاء اليافعين والعاجزين، يحصل هذا بكل بساطة دون مراعاة الأضرار الاجتماعية الجسيمة المترتبة عن هذا الترحيل.
فكيف يمكن تصور القرية بدون رجالها، أو بمعنى أصح برجلين أحدهما شيخ مقعد عاجز حركيا، ومراهق يُستهان بالحياة التي ينبِض بها؟!!!
أخذ المخرج عبد حميد الزوغي وقته الكافي ليبني حكايته؛ وعند نقطة التحول مع رحيل الرجال الأشداء، سيتركنا كمشاهدين لنأخذ أيضا وقتنا الكافي لاكتشاف المخفي في الضمائر والنفوس العطشى، كما ترك لنا المجال لملاحظة الأجساد الأنثوية وهي تتصارع مع بعضها البعض حينا بفعل الغيرة أو الحب المحرم، وتتصارع أحيانا أخرى مع ذواتها التي تحرقها لسعات الشهوة الجنسية كلما ازداد البعد والحرمان لِتتهاوى مقاومتها مع تطور أحداث الفيلم.
الفيلم جريء في الطرح، وجريء في المضمون، فالحرمان الجنسي للمرأة وخاصة تلك التي تنتمي إلى تربة قروية؛ قلما تمَّ تناوله سينمائيا سِيَما في السينما المغربية، لكن المخرج لم يكن جريئا في معالجته، وكأنه يريد أن يخبز رغيفا مثاليا دون أن يلتصق العجين بيديه، لقد استنزف كل أدواته ليجعل الفكرة واضحة، وحاول قدر الإمكان تجنب استغلال الجسد الأنثوي وما يمكن أن يقدمه من إيحاءات بليغة جماليا ودلاليا.
لقد اعتمد الفيلم على العنصر النسوي في بطولة جماعية منسجمة، وهذا الحضور هو الذي منح للفيلم جائزة ثاني دور نسائي مستحق لصالح لطيفة أزليف في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورته العشرين. لقد لعبت كل ممثلة في المساحة المخصصة لها بحرفية أثبتت قدرة الممثلات الشابات على تقمص الشخصية بعمق كاف وبطريقة مقنعة كيفما كانت طبيعة الدور، وهذا ينطبق على فدوى طالب ونهيلة بنمومو ونادية فردوس…أما فاطمة هراندي فكانت في ملعبها الذي تبرع فيه، في حين ظلت نزهة بدر وزهور السليماني في منطقتهما المعتادة في التشخيص.
الجميل في الفيلم رغم اتكائه على البطولة النسوية، أنه قدم معادلا مكافئا لها، فشخصيتنان رجاليتان وحيدتان في القرية ستكونان بمثابة حجر الرحى أو المطرقة التي تطرق السندان، لا يمكن للفيلم أن يقوم دونهما. الممثل الصاعد بدر الدين غطاس أبدع في دور يجمع البساطة والعمق، لغة جسده وتعابير وجه كانتا منسجمتين مع المرحلة العمرية التي يؤديها، أما محمد نعيمان فتُرفع له القبعة إذ كان مبدعا في دور قلما يُتقن في السينما المغربية، إذ عبر بجوارحه – التي لم تنل منها الإعاقة الحركية – عن تأرجحه بين الرفض والقَبول للاغتصاب الذي يتعرض له من قِبل شابة فاتنة تنضح بالشهوة.
ومن أجمل مشاهد الفيلم ذات التكثيف الإيحائي والتي تختزل كل آلام الفقد والشوق، إذ صار الحذاء المتهالك للزوج الغائب سيد اللحظة؛ حاملا للحنين وموقظا للشهوة؛ وعلى وقع ملمسه ستمارس الزوجة رقية عادتها السرية علَّها تهدئ قليلا من رغبتها المحمومة.
أما كاميرا المصور خوسيه جيريل Jose Gérelفحملتنا إلى أجواء قرية مغربية بسيطة في زمن ولَّى، بسيطة في معمارها الطيني، في الديكور والأثاث المنسجم كليا مع الفضاء العام، التركيز على الأبواب الخشبية وهي تغلق وعلى الأقفال وهي تُحكم الإغلاق عزز مضمون الحكاية التي تريد أن تخفي وتستر النار تحت الرماد. الجولة في الطبيعة حملت أجواء صيف قائض حيث رُصَّ التبن في البيادر، والنعناع يملأ الأحواض الصغيرة، الصورة لم تعتمد الألوان الصاخبة وكأنها بدورها تساهم في كتمان الشهوات التي تغلي، وتتنبأ بخريف طويل ستعيشه النساء.
من الأمور المربكة في الفيلم يمكن التركيز على ثلاث نقط، الأولى يمكن إدراكها خلال بعض المشاهد بسهولة؛ فلو قمنا بإغماض أعيننا واكتفينا بالإنصات للحوار، لتسرب إلينا الشك أن الفيلم يدور في وسط قروي، فاللهجة لا تحافظ دوما على لكنتها القروية، حتى أسلوب الخطاب والحجاج يفتقد لمنطق البدوي في التفكير والتعبير الغني بموروث حكائي وغنائي لا ينضب لم يتم استغلاله بما يكفي، وكأن كاتب السيناريو ينسى أنه يكتب عن بيئة قروية خالصة من جهة ومن جهة ثانية نحس أنه تائه بين ستينيات القرن الماضي وبين الزمن الراهن.
النقطة الثانية تتعالق مع الأولى، فالتطلع إلى وجوه القرويات الشابات اللواتي يقضين يومهن في الفلاحة، وفي تنظيف الملابس بالنهر أو ما شابه من الأعمال خارج المنازل تحت أشعة الشمس الحارقة، هي وجوه لا تشبه وجوه القرويات كما نعرفهن، – باستثناء من لا تغادرن البيوت- ، فالمكلف بالمكياج لم يشتغل على الوجوه بما يلائم طبيعة الساكنة القروية التي دُبغت ملامحها بأشعة الشمس وحُفرت عليها تجاعيدُ العمل المنهك والشقاء قبل الأوان.
النقطة الثالة: افتقد الفيلم لموسيقى تصويرية تتماشى مع طبيعة الموضوع المتسم بالتوتر والانفعال، فالموسيقى المنتقاة بعناية قادرة على رفع الإيقاع عند احتدام أحداث الفيلم أو تهدءتها عندما تسكن، خصوصا أن المغرب القروي غني من هذا الجانب وتوظيف موسيقى محلية سيكون إضافة للفيلم لا محالة.
لقد ظل المخرج إلى اللحظة الأخيرة وفيا لتوازن منشود، أو محلوم به، موت يقابله ولادة، لكن الجانب المتشائم هو المسيطر، فالولادة هنا جاءت متسمة بالعار، والآتي إلى الحياة سيتحمل عواقب انفجار رغبات محظورة، سيتحمل نتائج عادات وتقاليد
الفيلم جدير بالمشاهدة وحقق قيمة مضافة للسينما المغربية من حيث البعد التأريخي الذي يحمله لمرحلة سياسية مفصلية من تاريخ المغرب الحديث والمعاصر، عاشت فيه الأسرة المغربية بشكل خاص والمجتمع ككل معاناةً متعددة الأبعاد؛ سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية حاول المخرج مقاربة إحدى هذه الجوانب باقتدار يُحسَب له.
بقلم: سناء تراري ( استاذة باحثة)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.