الرجاء يحقق فوزا ثمينا ويعتلي وصافة الترتيب قبل الديربي المرتقب    المنتخب الوطني المغربي لأقل من 17 سنة يتعادل وديا مع نظيره الفنزويلي ( 3-3)    "حماة المستهلك" يطالبون بتشديد الخناق على زيت الزيتون المغشوشة    الملك يهنئ رئيس جمهورية كازاخستان    الأمين العام للأمم المتحدة يثمن التعاون النموذجي للمغرب مع "المينورسو"    مشجعون من 135 دولة يشترون تذاكر نهائيات كأس إفريقيا في المغرب    حكيمي يقود سان جرمان إلى الفوز    شرطي يصاب في تدخل بسلا الجديدة    ترامب منفتح على لقاء كيم ويصف كوريا الشمالية بأنها "قوة نووية نوعاً ما"    الأزمي: التراجع عن التغطية الصحية الشاملة في مالية 2026 دليل على إخفاق حكومة أخنوش    البرنامج الجديد للنقل الحضري العمومي للفترة 2025-2029.. استلام 70 حافلة جديدة بميناء أكادير    مسيرة في بروكسل تخليدًا لذكرى والد ناصر الزفزافي ومحسن فكري وإحياءً لذاكرة "حراك الريف"    عجز سيولة البنوك يتراجع بنسبة 2.87 في المائة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    شركة فرنسية تطلق خطا بحريا جديدا يربط طنجة المتوسط بفالنسيا وصفاقس    قبل أسابيع من انطلاق كأس إفريقيا للأمم.. فشل ذريع للمكتب الوطني للسكك الحديدية في التواصل مع المسافرين بعد عطل "البراق"    وفاة الملكة الأم في تايلاند عن 93 عاما    فيتنام: المغرب يوقع على المعاهدة الدولية للأمم المتحدة لمكافحة الجرائم السيبرانية    الأمين العام للأمم المتحدة يبرز التنمية متعددة الأبعاد لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد.. نزول أمطار متفرقة فوق منطقة طنجة    مصرع دركي في حادثة سير مروّعة بضواحي القصر الكبير    أمن مطار محمد الخامس يوقف روسيا مبحوثا عنه دوليا بتهمة الإرهاب    السوق الأوربية للفيلم... المركز السينمائي يدعو المهنيين لتقديم مشاريعهم حتى 24 نونبر المقبل    زينة الداودية عن صفقة زياش التاريخية: إنها الوداد يا سادة    نور عيادي تفتتح الدورة ال15 لمسابقة البيانو للأميرة للا مريم بأداء مبهر    الكوميديا والموسيقى في جديد هاجر عدنان "طاكسي عمومي"    المدرب مغينية: مستوى لاعبات المنتخب المغربي يتطور مباراة بعد أخرى    لقجع يكشف السرّ وراء تألق الكرة المغربية وبروز المواهب الشابة    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    مساعد مدرب برشلونة: الانتقادات ستحفز لامين جمال في الكلاسيكو    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    قمة صينية أمريكية بماليزيا لخفض التوتر التجاري بين البلدين وضمان لقاء ترامب ونظيره شي    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    تصريحات لترامب تعيد مروان البرغوثي إلى الواجهة (بروفايل)    تقارب النقاط بين المتنافسين يزيد من حدة الإثارة بين أصحاب المقدمة وذيل الترتيب    تركيا تتوسط بين أفغانستان وباكستان    وزارة المالية تخصص مبلغا ضخما لدعم "البوطة" والسكر والدقيق    طنجة... تتويج الفائزين بجوائز القدس الشريف للتميز الصحفي في الإعلام الإنمائي    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    التوقعات المبشرة بهطول الأمطار تطلق دينامية لافتة في القطاع الفلاحي    حدود "الخط الأصفر" تمنع نازحين في قطاع غزة من العودة إلى الديار    من التعرف إلى التتبع.. دليل يضمن توحيد جهود التكفل بالطفولة المهاجرة    عامل طاطا يهتم بإعادة تأهيل تمنارت    تقرير يقارن قانوني مالية 2025 و2026 ويبرز مكاسب التحول وتحديات التنفيذ    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    من العاصمة .. حكومة بلا رؤية ولا كفاءات    إلى السيد عبد الإله بنكيران    من وادي السيليكون إلى وادي أبي رقراق    عبد الإله بنكيران والولاء العابر للوطن    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    المخرج نبيل عيوش يغوص في عالم "الشيخات ". ويبدع في فيلمه الجديد الكل "يحب تودا "    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مداخل تركيبية حول فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان أفولاي للمسرح الأمازيغي بتزنيت
نشر في بيان اليوم يوم 09 - 12 - 2021


1 مدخل أول… في مقام الود والعرفان ..
استنادا إلى تجربة ميدانية أزعم أنها تجاوزت ثلاثة عقود من الزمن بقليل، ومنذ مشاريع مسرح الهواة بأحلامه الجارفة وتطوعه النبيل ويوتوبياه المزمنة حتى ما دعي وما يزال المسرح الاحترافي بالتباساته الكبرى وإعاقاته المتعددة وأعطابه الخفية والجلية معا، ما زلنا، هنا والآن، في مسيس الحاجة المنتظمة والدائمة لهذا (الشيء) الذي نسميه مسرحا بالمغرب المعاصر. ما نزال مضطرين، في نوع من الحتمية الانطولوجية، إلى صداقة المسرح وصناعة فرجاته والوعي بمضايق صنعته المعضلة بما يكفي من سداد النظرية وصواب المنهج وجسارة التجريب والجرأة على تحديث النظر إلى مسرح أصبح موغلا في استحالة أكيدة.
ولأن التجارب المتعددة والاختيارات الجمالية المتباينة والاقتراحات الفرجوية المختلفة التي ما يزال الريبرتوار الوطني يراكمها منذ عقود مديدة تكاد تجعل لكل فاعل مسرحي مسرحه المتخيل، فإن الحاجة في هذا المقام تستدعي معاودة استفهام تجارب المسرح الأمازيغي بعيدا عن يقين الهوية الخادع ونأيا عن كل طمأنينة كسولة المستقرة دوما في كل وعي هوياتي.
وإذا كانت صحبة الحياة والولع بمباهجها الطافحة تقترن بالذهاب إلى السينما، فإن الارتطام بأعطاب الكينونة وقلق الانطولوجيا تقتضي حتما الولوج إلى قاعة عرض مسرحي أو نظائره من الفرجات الحية. وبهذا المعنى لم يعد المسرح محض فرجة كسولة تؤثثها البداهة ويحتلها المشترك السردي والبصري المؤمم، وتتحرك على سطحها العاري الأجوبة الجاهزة والناجزة، ولكن فرجات المسرح الحية هي تلك الخشبات الضاجة بالأسئلة الكبرى والقلاقل العميقة. ومنذ أن ابتكر وجوده اللعين في ساحة (الأولمب) المجيدة، كان المسرح لعبا انقلابيا وانطولوجيا مرحة تتقن نسف العقائد المستبدة وهدم الأرثوذوكسيات المطمئنة وتدفع بالحقيقة الواحدة والمطلقة نحو حتفها الأكيد بما يجدر بها من حداد ممتع. المسرح، مرة أخرى، برهة أبدية يسائل فيها الإنسان قلقه الأصيل وينظر بغضب إلى أسلافه الرديئين ويدمن صداقة الاستفهام الناقد والسخرية اللذيذة من وقاحات الوجود.
بهذا المعنى، وعطفا على هذا الوعي الجديد، قدمت فرجات الدورة الثالثة من مهرجان أفولاي للمسرح الأمازيغي بمدينة تزنيت الدليل الإضافي على أن كل اقتراب من المسرح يكاد يكون اقترابا ضده، لأنه يكون منذورا على هجرة كل منظور استصغاري يختصر الفرجة في متعة طارئة أو لعب هامشي مجرد من القيمة والمعنى، وهو مجبول، بذات المناسبة، على مفارقة كل تعاط يستهل مصاعب المسرح ويعتبره مشاعا غفلا يقتحمه الجميع دونما استحقاق ولا جدارة.
لا شك أن تظاهرة فنية وعلمية بهذه القامة الفارهة، وهي تستضيف فرجات متنوعة المشاريع الفنية والاختيارات المسرحية وطرائق صناعة العرض الحي، من قبيل مهرجان أفولاي للمسرح الأمازيغي في دورته الثالثة، تكاد تصير تتويجا تنظيميا ومؤسساتيا لما أضحى كل متتبع يقظ لمنجزات المسرح الأمازيغي الحديث، وكل مواكب قريب من تجارب الفرجات الأمازيغية الحية ومظاهرها المتغيرة وأسئلتها الفنية ومعضلاتها الجمالية.. يعاينه من نمو كثيف لفرص العروض الأمازيغية وتواتر مطرد لشيوعها البصري إذ أصبحنا نشهد، منذ سنوات قليلة، ونتيجة لاعتبارات متعددة في مقدمتها انفتاح سياسة الدعم المسرحي العمومي على تجارب مهمة ضمن المنجز الفرجوي الأمازيغي، دينامية مسرحية أمازيغية برهانات جمالية حديثة تستند إلى اختيارات دراماتورجية جديدة وتصورات سينوغرافية وإخراجية مبدعة وذات نفس تجريبي لافت ومنتبه لأسئلة الجماليات المسرحية المعاصرة. وهو ما يشي، كما مثلته العروض الأمازيغية ضمن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان أفولاي للمسرح الأمازيغي، باستناد الفرجات الأمازيغية الأربعة المتنافسة إلى تصور اختلافي للهوية والتفات إبداعي لذخائر متخيل الأمازيغ وغنى علاماته وكثافة سيمائياته الثقافية
2 مدخل ثان… ورشات التكوين وأسئلة الصناعة الثقافية والفنية …
ولأنه لا يبتغي بالمرة أن يتحول إلى مجرد مناسبة طارئة تستضيف أداءات فرجوية من هنا أوهناك في نوع من الاستمتاع العرضي والطارئ، راهن مهرجان أفولاي للمسرح الأمازيغي، منذ درواته الأولى، على تحويل الحادثة المهرجانية إلى فرصة نموذجية للتكوين والتكوين المستمر إيمانا بأن صناعة الفرجات الأمازيغية الحية، في أفق حداثة جمالية معاصرة، لم تعد ممكنة دون ما يكفي من كفاءات علمية ومهارات تقنية وأهليات متنوعة المصادر والمرجعيات ذات الصلة بالإبداع الفرجوي في عمومه. وبعد ورشات تكوينية في (الجسد والإيقاع والفضاء) وورشة في تقنيات (القناع المسرحي)، بالدورة الأولى، وانتباها إلى معضلات النص المسرحي وأسئلته الدراماتورجية وقضايا المسرحة (Théâtralisation) ، وهو موضوع ورشات الدورة الثانية (ورشة في مكونات الكتابة المسرحية وورشة في المسرحة ومسرحة الأجناس الإبداعية الأمازيغية: مسرحة الرواية نموذجا)، خصصت الدورة الثالثة ورشتين موضوعاتيتين في مجال (الصناعة الثقافية والفنية) وطرائق صناعة المشاريع الفنية والمسرحية حصرا. ولعل الإيمان بكون الإبداع شرط وجود المسرح ذاته، مما يستدعي امتلاك جملة من الكفايات الإبداعية، والانطلاق من ضرورة حيازة ما يكفي من الأهليات العلمية الكفيلة بصناعة فرجة أمازيغية معاصرة وحاذقة، هو ما يجعل سؤال صناعة (المشروع المسرحي) سؤالا على قدر فائق من الأهمية والاستعجال معا. وفي هذا الأفق، يظل غياب المشروع الأمازيغي إحدى النقائص الكبرى لفرجاتنا الأمازيغية المعاصرة:
أي مسرح أمازيغي نريد هنا والآن في المغرب المعاصر؟
أي طريق نسلكه من بين مسالك التمسرح (Théâtralité) المتعددة لصناعة عرض مسرحي يستجيب لجماليات الفن المسرحي ويكتب متخيله الأمازيغي بذكاء الخيال وحذق الحرفة وعمق الفكرة.؟
وفي هذا الأفق، وفي سبيل الدفع بعموم فاعلي المسرح الأمازيغي المعاصر، توقفت الورشتان الموضوعاتيتان عند أسئلة المشروع المسرحي بوصفه تحققا متميزا لسيرورات الصناعة الفنية والثقافية في عمومها.
وباعتبارها سيرورة مركبة تبتغي تحويل مواد مختلفة إلى منتوج فني وثقافي، كانت الورشة مناسبة نظرية وإجرائية للتعرف على مفاهيم الصناعة الثقافية وعموم حدودها النظرية والمفاهيمة (تحديد اليونسكو نموذجا)، وكذا سياقها التاريخي (العقد الرابع من القرن الماضي في المجال الفرنكفوني) ومجمل المقتضيات المترتبة عن انتقال تداولي لمفردة (الصناعة) إلى مساحة فنية وثقافية لها ميزاتها الاستثنائية وخصائصها المتفردة.
واستنادا إلى كون مفهوم (الصناعة الثقافية أو الفنية) ينهض، في عمقه المكين، على تحويل (الفن)، على سبيل الحصر، إلى نشاط إنتاجي منتج للثروة ومدر للدخل خصوصا وأن حدود الصناعة الثقافية تمتد لتطال حقولا عديدة من حقول الإنتاج الإنساني من صناعات الإعلام وتصميم الأزياء والنسيج واللباس والعطور والحلي، إلى التراث المعماري حتى مختلف الفنون البصرية وفن العيش.
وبغية المساهمة في تحويل (العرض المسرحي الأمازيغي) إلى رأسمال منتج للثروة، كانت الورشات الموضوعاتية للدورة الثالثة من مهرجان أفولاي للمسرح الأمازيغي لحظة أساسية من لحظات التكوين في مجال تحويل العرض المسرحي من منتوج فرجوي أو إبداعية فنية إلى صناعة فنية قادرة على إنتاج الثروة وخلق مداخيل مهمة تغني الفن عن استجداء الدعم من هذه الجهة أو تلك. وفي هذا السبيل، تمكنت الورشة من تنظيم حصص عملية تضمنت خطاطة تطبيقية تمكن الفاعل المسرحي من بناء مشروعه الفني بناء احترافيا عبر بطائق تقنية دقيقة، في خطوة أولى، تتضمن اسم المشروع وحامله وأهدافه والفئات التي يستهدفها وزمانه ومكانه ومدة إنجازه وكلفته، وانتهاء بخطوة تالية تتضمن إعدادا دقيقا للميزانية العامة بشروطها المالية ونموذجها المحاسباتي والمقاولاتي. وهو ما فتح الورشات، في نوع من التنظيم الجدلي السلس لفقرات المهرجان ومفاصله العامة، على أسئلة المقاولة الفنية وآفاق تحويل العرض المسرحي إلى صناعة مقاولاتية للفرجة. وهي الأسئلة التي خصص لها المهرجان حيزا كافيا من التأمل النظري والدرس العلمي لإشكاليات المسرح والمقاولة المسرحية والصناعة المسرحية والفنية والثقافية في شمولها.
3 مدخل ثالث… الورش النظري والسؤال العلمي حول المقاولة المسرحية وأسئلة الصناعة الفنية في المغرب المعاصر
لا مراء أن مهرجان أفولاي للمسرح الأمازيغي، منذ تصوره المرجعي البدئي وعبر دورتيه السالفتين، لم يكن منفصلا عن هموم العلم وقضايا المعرفة المسرحية ومعضلات الأشكلة النظرية والنقدية لعموم أسئلة الفرجات الأمازيغية. ولذلك، ليس من قبيل التقليعة النظرية أو محض استئناف لتقاليد تنظيمية راسخة في مهرجانات سابقة أن تخصص الدورة الثالثة من مهرجان أفولاي للمسرح الأمازيغي بتزنيت مساحة محترمة للسؤال العلمي المتصل، من جهة، بمشكلات الصناعة الثقافية في عمومها (موضوع الندوة العلمية)، والمرتبط، من جهة أخرى، بالتجارب المسرحية الجهوية وآفاق خلق أنظمة مقاولاتية خاصة بالمنتوج الفرجوي والفني عموما (ندوة الحوار الجهوي حول التجارب المسرحية بالجهة وآفاق خلق نظام مقاولاتي (.
وبمناسبة تأمله في التجارب المسرحية على صعيد الجهة، واستفهامه النقدي لمختلف المعيقات المؤسساتية والتنظيمية التي ما تزال تكره الفرق المسرحية بالمدينة والجهة على اجترار أزماتها البنيوية المزمنة وإعادة إنتاج أعطابها الفنية وتضطر، إثر ذلك، إلى مجابهة عزلاء، دون دعم كاف ودونما سياسة ثقافية عمومية مساندة، لمضايق ترويج منتوجاتها المسرحية وإشاعة حضورها المشهدي والثقافي. بهذه المناسبة شكل الحوار الجهوي، الذي نشطه ثلة من الأساتذة والفاعلين الذين توزعوا بين البحث الأكاديمي والترافع النقابي والإبداع المسرحي، فرصة استثنائية لاستعراض نقدي لمجمل الإكراهات المتعددة التي ما تزال تحدق بالاعتراف المؤسساتي والتقدير السوسيو- ثقافي المحترم لفرجاتنا الأمازيغية بالجهة. وفي هذا السياق، توقف هذا الحور الجهوي الجسور والصريح عند نقيصة البنيات التحتية المناسبة للعرض الفرجوي بخصائصه الجمالية والهندسية والتقنية، زيادة على معضلة ترويج الفرجات وحسن تسويقها، إضافة إلى نقد سياسة الدعم العمومي التي استنفذت وظائفها الأولى إذ لم تعد محركا كافيا لدينامية مسرحية جهوية منتظمة، بل إن هذا الدعم تحول، في حالات كثيرة، إلى عطب تنظيمي ومؤسساتي أضحى عائقا أساسيا ضمن عوائق انتظام الإنتاج الفني بعموم الجهة .
وفي هذا الأفق، يظل الانتقال من (البنية الجمعوية) إلى (البنية المقاولاتية) من الرهانات الإستراتيجية الكبرى التي تعد بفيض من الآمال الحالمة في تحول (الفرجة) إلى (صناعة) و(الفن) إلى (منتوج) داخل اقتصاد ثقافي نشيط وسوق فنية توفر عروض شغل كريم للشغيلة الفنية بالجهة. ولن يستقيم مثل هذا الانتقال دون استحداث مدونات تشريعية محينة ومناسبة ومراجعات ضريبية واعتماد سياسة جبائية وقانونية تمتع المقاولات الفنية بجملة من الحوافز والامتيازات نظير خصوصية صناعة المنتوج الفني وهشاشة نموذجه الاقتصادي وضعف إغرائه الرأسمالي .
ولعل الندوة العلمية التي احتضنتها الدورة الثالثة كانت لحظة علمية ونظرية نوعية مكنت عموم الحاضرين، من فاعلين وفنانين وباحثين وشبيبة مسرحية وفنية، من الوعي بأسئلة الصناعة الثقافية وأهميتها من زاوية التشخيص والتمحيص وليس مسايرة لتقليعة مناسباتية معينة. وفي هذا الصدد، تستند الصناعة الثقافية إلى نموذج اقتصادي رغم ارتكازها على ما هو إبداعي، من قبيل الفرجة أو الكتاب وغيرهما. ولذلك لم يكن المسرح بعيدا عن هذا الأفق الصناعي الذي يستدعي الزواج بين الإبداع والسوق الاقتصادية بمختلف محدداتها الرأسمالية من حركية وحرية وترويج ومقاصد ربحية .
4 مدخل رابع… الفرجات الأمازيغية .. من جماليات إعادة الإنتاج إلى حداثة الفرجة المسرحية المتعددة
لاشك أن الدورة الثالثة من مهرجان أفولاي للمسرح الأمازيغي بتزنيت شكلت لحظة تاريخية بامتياز ولاعتبارات عديدة. فهي لحظة كاشفة عن راهن الإنجاز الفرجوي الأمازيغي في موسم مسرحي بمواصفات استثنائية بعد ما أضحى مشتركا بصدد الجائحة وآثارها المدمرة لسوسيولوجيا الاجتماع الفني برمته جهويا ووطنيا ودوليا. كما كانت هذه الدورة الثالثة إضاءة جديدة لعدد من الأسئلة القلقة والمؤرقة المتصلة بصناعة الفرجة الأمازيغية الحية المستندة إلى اختيارات جمالية متباينة ومقترحات دراماتورجية متعددة المصادر والحساسيات وتصاميم سينوغرافية ومشاريع إخراجية مختلفة .
وقد شكلت العروض المسرحية المبرمجة ضمن المنافسة، وخارجها كذلك، نموذجا حيا ومتنا فرجويا كاشفا عن راهن المسرح الأمازيغي الذي ما يزال متراوحا بين تحققين فرجويين:
– جماليات مسرحية محاكاتية موسومة بهيمنة نوازع التقليد وإعادة الإنتاج إذ تحولت الحكاية / السند في بعض الفرجات المنتسبة لهذا الاختيار المسرحي إلى مروي مشترك موغل في البداهة الواقعية والمحتمل السردي ومسكوكات الذاكرة الاستقبالية وأنواع تلقيها لحكاية هادئة ومطمئنة ومعروفة سلفا لا تستدعي كبير تفكير ولا تفترض جهدا تركيبيا في التحليل والتأويل. وهو ما يبدو بعيدا عن مكتسبات الحداثة المسرحية المعاصرة التي تؤسس الفرجة على مفاعيل التغريب وصناعة المفاجأة وخلق دعائم الغرابة والدفع بآفاق الانتظار نحو مضايق التأويل واستصعاب المعنى واستشكال الصورة المسرحية في كليتها .
– عروض تجريبية تجعل المشروع الفرجوي المنجز منتصرا لرحابة الخيال المسرحي ومغادرا، بأشكال ودرجات متراتبة، للسياجات التقليدية لهوية جوهرانية ومغلقة. وفي هذا الجانب، استمتعنا، بكثير من الانتباه العاشق، بفرجات أمازيغية ذات نزوع تجريبي لا يعيد استنساخ ذاكرته الهوياتية ويعيد إنتاج مكوناتها السردية والبصرية قدر ما ينتج فرجة واضحة الانتساب إلى (التمسرح) (Théâtralité) أولا وأخيرا قبل (المسرح) (Théâtre) ذاته. حيث تتخيل الفرجة مكوناتها المؤسسة في شساعة الحرية وامتداد الحلم وجسارة التجريب بعيدا عن كوابح الإيدولوجيا وانسداد الهوية .
ولن ندعي أي جديد إذا ما عاودنا الإلحاح بأن الفرجات التي كان لنا شرف مشاهدتها، في هذه الدورة الناجحة بمقاييس متعددة، نموذج أمازيغي آخر لما أصبح من مألوفات الدرس المسرحي المعاصر حيث أن المسرح فرجة (Spectacle) بالأساس وإنجاز بصري (Performance) كذلك وعمل جسدي وتمرين صوتي وحركي. وهو كذلك تمثيل أو عرض (Représentation) يتقدم بوصفه وسيلة جمالية تمنح للمتفرج الوهم الممتع واللذيذ الذي يدفعه إلى الاعتقاد بأن ما يعاينه بعينيه، وبحواسه الأخرى، في برهة المشاهدة، ليس ما يبدو عليه في مشترك الحس البصري. وكل هذه الكلية السيميائية التي ندعوها مسرحا ليس سوى (سيمولاكر) (Simulacre) بصري لواقع أكثر خفاء وغموضا وتمنعا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.