أطلقت "القيادة الحزبية" مؤخرا نداء يدعو إلى المصالحة داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وإن المصالحة لَعمري هي مبادرة جد ايجابية، لا يمكن رفضها أو تبخيسها إلا من ذوي النوايا السيئة، أو الذين يتلذذون بمرض الحزب وأعطابه. إن الوجه المشرق في المصالحة، لا يتمثل في المبادرة في حد ذاتها، بل في كونها اعترافا صريحا أن هناك خصومة، أو بالأحرى خصومات، وهذه الخصومات لها دواعي أو إن شئنا التدقيق دوافع، وعليه فلا يمكننا عقد مصالحة دون الوقوف على دوافع الخصومات وأسبابها وعللها، وذلك قصد تشخيصها، في أفق تجاوزها. إن ما يلاحظ في المبادرة التي أطلقها المكتب السياسي هو غياب تشخيص أسباب الخصومات التي استنزفت الحزب، وزجت به في براثن الأزمة، بل الأزمات، ليظل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح : ما المصالحة التي نادت بها "القيادة"؟ وما المصلحة من هذه المصالحة؟ وهل هناك فترة زمنية تغطيها؟ وهل وُضعت لها شروط، ووضعت عليها قيود؟ يبدو أن المصالحة التي ينادي بها الحزب هي الآتية : على كل من غضب من القيادة أو غضبت عليه القيادة أن يعود للاشتغال تحت قيادة هذه القيادة!! وهذا لا يمكن لعاقل أن يطلق عليه المصالحة، بل هو العبث بعينه، بل بعيونه. لقد كثرت النداءات والدعوات إلى المصالحة من طرف هذه القيادة، حتى أصبحت المصالحة تلك الآلية التي تسبق كل المحطات التنظيمية، ففقدت المصالحة جديتها، وأصبحت تكتيكا للمصالحة مع خصوم الأمس، قصد إقصاء أصدقاء اليوم، والذين هم بمثابة خصوم الغد. ما هكذا تورد الإبل أيتها "القيادة"، فعلينا أولا تقييم ما جنيناه من مصالحة مع حزبا العمال والاشتراكي الديمقراطي؟ هل انعكس الأمر ايجابا على التنظيم الحزبي؟ هل انعكس ايجابا على نتائج الانتخابات؟ كلا لقد زاد تقهقر الحزب، ليس لأن المشكل في يتمثل في المصالحة، كلا، لكن في الطريقة التي دُبرت به هذه المصالحة، والأهداف المتوخاة من ورائها، وما زال التاريخ يعيد نفسه. إن المصالحة التي يحتاجها الحزب اليوم، هي المصالحة مع المواطنين/ الجماهير، التي خاب فينا ظنها، بعد أن كنا أملها الوحيد في تغيير أوضاعهم، كيف لنا أن نستعيد ثقتهم فينا، وهم يشاهدوننا نضع أيدينا في أيدي أحزاب أخرى، ونحتفل باغتصاب كل مكتسباتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ كيف لهم أن يثقوا بنا ونحن نرتمي نهارا في أحضان الرجعيين، وليلا في أحضان المحافظين؟ المصالحة هي فلسفة، وليست مجرد أقوال، مصالحتنا الحقيقية هي المصالحة مع المقرات التي هاجرناها، حتى بدت وكأنها متاحف، بل إن البعض يجاهر بالدعوة إلى الاستغناء عنها وتعويضها بوسائل التواصل الاجتماعي، إسوة بالحزب الاشتراكي الفرنسي " في أحلك ظروفه"!! يقولون ذلك دون أن يجدوا غضاضة في أنفسهم. إن المصالحة الحقيقية تبنى على المشاريع، وليس على انتقاء الأشخاص المراد المصالحة معهم، بناء على مصالحهم الخاصة. لا يمكن إذن إنجاح مبادرة المصالحة دون بلورة مشروع حزبي واضح، مبني على تعاقدات استراتيجية مع مختلف الفاعلين المدنيين في المغرب. فما فائدة المصالحة والقيادة لا تملك أدنى جرأة للتعبير عن مواقفها إزاء قضايا جوهرية كالقضية الأمازيغية وقضية المرأة وقضية العلمانية، فمثلا في قضية المرأة أعلن الكاتب الأول عن دعمه للمساواة في الإرث قبل أن يتراجع عن ذلك، واعتبر الأمر موكولا للفقهاء ورجال الدين!! يا حسرتاه على القيادة، وبالنسبة للعلمانية، فإن قيادتنا مثلا رفضت التحالف مع بنكيران، لكون المرجعية الدينية لحزبه تختلف عن المرجعية الايديولوجية لحزبنا، وبعد ستة أشهر يفاجأ الرأي العام بتحالف حزبنا مع العدالة والتنمية في حكومة سعد الدين العثماني!! عن أية مصالحة نتحدث، ونحن غير واضحين حتى مع أنفسنا؟ وحتى لا أطيل، فعلى القيادة الحالية أن تعي ثلاثة أشياء إن كانت فعلا تهمها مصلحة الحزب : اولا : المواطن قال كلمته فيها بوضوح وفي محطات انتخابية مختلفة، قال : نحن لن نصوت لهذا الحزب ما دامت تسيره هذه القيادة. ثانيا : المؤتمر الوطني الأخير الذي أفرز هذه القيادة الحالية هو أسوأ مؤتمر في تاريخ الاتحاد ثالثا : لا يمكنكم الاشراف على المصالحة، لأنكم ببساطة أنتم جزء من المشكل، ولا يمكنكم أن تكونوا جزءا من الحل.