لم تعد صفة مجرم تنطبق على من لا دخل لهم بل طالت حتى المحلفين والذين يكسبون آلاف الدراهم في اليوم الواحد ظروف قاهرة هي التي جعلتنا نغيب عن الكتابة الصحفية الملتزمة إلا أن المستجدات التي تحبل بها الساحة دفعتنا إلى معاودة صقل القلم من جديد ، ورفع شعار التصدي لمنظومة الفساد بكل أشكالها وألوانها وفاعليها . هاجسنا الأول هو الغيرة على الصالح العام وخدمة القضايا الوطنية . إن الإرادة القوية لتجاوب السلطات العمومية مع ما تموج به شوارع العالم العربي ومع التغيرات التي تطفو على الساحة العربية جعلت المغرب يعجل بمشروع الجهوية الموسعة وبتعديل الدستور الذي جاء في الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 كخطوات إصلاحية إستباقية للاستجابة للمطالب الشعبية الملحة . ذلك ما أعطى ضمانات للرأي العام العربي والعالمي على أن المغرب ليس كتونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن ، إنما هو بلد له خصوصيات تمسك بجميع خيوطه وعلى رأس هذه الخصوصيات إمارة المِؤمنين التي تضم تحت جناحيها كل المكونات الوطنية . وتزامنا مع هذه الأوراش التي عزم المغرب بكل قواه الحية على الدخول فيها والالتحاق بركب الحداثة والديمقراطية ، شرعت المحاكم المغربية تحقق في تقارير المجلس الأعلى للحسابات والتي رصدت أوجه الإختلالات في التسيير الجماعي بعدة مناطق . وبناء على هذه الإجراءات زج بالسجون بالعشرات من المشتبه فيهم والمتواطئين معهم بالإضافة إلى عشرات آخرين في حالة سراح يخضعون للتحقيق . وهذا من شأنه أن يعيد الثقة إلى الرأي العام ويدفع المواطن إلى المشاركة في الانتخابات المقبلة بكثافة بعدما يئس من أسالب التزوير ومن احتلال كمامير الأزمة للمؤسسات الدستورية طيلة حياتهم عن طريق الأساليب المعهودة والمتجاوزة . هذا المشهد الغريب وغير المسبوق لدى الرأي العام يترك سلبيات تتجلى في كساد تجارة كل ما هو كمالي كتبديل السيارة والأفرشة واقتناء الأقمشة والعطور وارتياد الفنادق المصنفة وتبادل الهدايا ، وإيقاف السيولة لدى كل من له علاقة نفعية مع جلادي المال العام من عناصر متنفذة ومتسترة بأجهزة الدولة وأشباه إعلاميين وأشباه مقاولين وأذناب وذيول يقومون بتلميع الصورة . ومن السلبيات أيضا ما زال مبدأ الإفلات من العقاب سائدا في جرائم هتك الصناديق العمومية إبان العقود الماضية والتي وقفت عليها لجان تقصي الحقائق وفي عدم مثول بعض سلطات الوصاية المتورطين أمام العدالة . كما أن لهذا المشهد الغريب إيجابيات منها : التعدد والتنوع حيث أن السجون لم تشهد مثل هذا العجب سابقا . أصبحت هذه المراكز تضم خليطا من الفئات والأطر المعهود فيها حماية مصالح المواطنين ، فإذا بالتسونامي كشف عنهم للغادي والبادي . فمنهم الموثقون والمحامون والمستشارون والمهندسون والأطباء ، ولم تعد صفة مجرم تنطبق على من لا دخل لهم بل طالت حتى المحلفين والذين يكسبون آلاف الدراهم في اليوم الواحد . من هنا أصبح البؤساء والمظلومون داخل السجون وخارجها يشعرون بثأرهم وكأنه يلازمهم ، وأصبحت الفئات المحرومة كذلك والتي كان لها تعايش يومي مع هؤلاء المشتبه فيهم تشعر بذوبان التفاوت الطبقي الذي يكن الحقد الدفين . ومن هنا تبدأ إعادة الاعتبار للطبقات المحرومة عبر إعادة الاعتبار لتطبيق القانون والذي يبدأ بالتعاطي المعقول والقانوني مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات . المصطفى دغالي مناضل سياسي وحقوقي مؤلف كتاب " أجيال الإرهاب "