غامبيا تجدد دعمها لمخطط الحكم الذاتي لتسوية قضية الصحراء المغربية    ندوة علمية تناقش موضوع النخبة المغربية في زمن التغيير    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    الصين تدفع نحو مزيد من الانفتاح السياحي على المغرب: سفارتها بالرباط تتحرك لتعزيز توافد السياح الصينيين    بنهاشم مدرب الوداد : "كنا قادرين على تسجيل هدفين في الشوط الأول أمام السيتي    بيب غوارديولا في تصريح أعقب مواجهة الوداد الرياضي المغربي، إن "المباراة الأولى في دور المجموعات دائما ما تكون صعبة    بعد هدف الزرهوني.. أعمال شغب خطيرة تُوقف "ديربي طرابلس" في الدوري الليبي    كيوسك الخميس | إسبانيا تشيد ب"التنسيق النموذجي" مع المغرب في إطار عملية مرحبا    عمال أوزون يحتجون بالفقيه بن صالح بسبب تأخر صرف الأجور ومنحة العيد    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    مجموعة العمل من أجل فلسطين تعقد ندوة صحفية تحضيرا لمسيرة وطنية الأحد بالرباط    أجواء حارة في توقعات طقس الخميس    اصابة دركي اصابات بلغية في عملية لاحباط عملية للتهجير السري وتوقيف 30 حراكا    مربو الدجاج يثمنون توجه الحكومة لإعفاء الفلاحين الصغار ويدعون لإدماجهم الفعلي في برامج الدعم    ياسين بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد رياضة    اتحاد تواركة يبلغ نهائي كأس التميز على حساب الوداد الفاسي    اليوفي يكتسح العين في الموندياليتو    كارثة صامتة .. ملايين الهكتارات العربية على وشك الضياع    طنجة.. سيارة تدهس "مقدّم" بعدما دفعه متشرد نحو الطريق    توقيع اتفاقية شراكة بين بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية لتعزيز الشمول المالي في القطاع الفلاحي المغربي    صواريخ إيران تُشرد 2000 عائلة إسرائيلية    كأس العالم للأندية.. الوداد الرياضي ينهزم أمام مانشستر سيتي    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    تعاونيات إفريقية تستفيد من المغرب    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    كومنولث دومينيكا تجدد تأكيد دعمها لمخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء    الأمم المتحدة/الصحراء.. سيراليون تجدد تأكيد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية    المغرب يستعد لإحصاء وطني جديد للماشية ويعد بشفافية دعم الكسابة    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    نشرة إنذارية.. طقس حار وزخات رعدية مصحوبة ببرد وهبات رياح    فطيمة بن عزة: برامج السياحة تقصي الجهة الشرقية وتكرس معضلة البطالة    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    مباحثات رئيس مجلس النواب و"سيماك"    معرض باريس الجوي.. مزور: 150 شركة طيران تتوفر على وحدة إنتاج واحدة على الأقل بالمغرب    تفكيك شبكة دولية لتهريب السيارات المسروقة نحو المغرب عبر ميناء طنجة المتوسط    السيّد يُهندس مسلسل شارع الأعشى في كتاب    ثلاثة مغاربة ضمن قائمة أغلى عشرة لاعبين عرب بمونديال الأندية    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    إيران: سيطرنا على أجواء الأرض المحتلة اليوم وبداية نهاية أسطورة الدفاع للجيش الصهيوني    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    جلالة الملك يهنئ رئيس السيشل بمناسبة العيد الوطني لبلاده    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    أردوغان: "نتنياهو تجاوز هتلر في جرائم الإبادة"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    "واتساب" ينفي نقل بيانات مستخدمين إلى إسرائيل    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أضواء على قضايا وطنية معاصرة من خلال مذكرات اليوسفي وآيت إيدر

إنهما مذكرتان أو سيرتان تتقاطعان وتتماهيان في جوهر حكيهما وسردهما أكثر مما تختلفان، صدرتا عن شخصين وطنيين وزعيمين سياسيين ينتميان إلى نفس الجيل والمرحلة التاريخية، يتعلق الأمر بالمناضل الحقوقي والسياسي الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، وبالمناضل السياسي محمد بنسعيد آيت إيدر فكلاهما قد ولدا في العقد الثاني من النصف الأول من عشرينيات القرن الماضي، وعاشا نفس الأحداث الوطنية والدولية الكبرى وتجربة سياسية مشتركة خلال فترة الحماية وغداة الاستقلال، وتقاسما معا تجربة مقاومة الاستعمار وتحمل المسؤولية السياسية بشأن توجيه فيالق ووحدات جيش التحرير المغربي والتخطيط الاستراتيجي والمستقبلي لسير عملياته العسكرية، وعانيا معا في ظل الاستقلال الوطني من جمر سنوات الرصاص التي اكتويا بلظى لهيبها المتقد خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، وفي التأسيس كذلك للتجربة الحقوقية الأولى في المغرب التي كان ميلادها على يد نخبة من الوطنيين المغاربة وضمنهم بالخصوص الأستاذ اليوسفي، ولما ادلهمت سماء الوطن تحت وطأة أنين الأزمات واحتقان الأوضاع اضطرا معا أيضا إلى اختيار مرارة المنفى ومعانقة آلام الاغتراب، وفي منأى عن الأهل والديار طيلة عقود وسنوات مديدة.
حول أوجه التقاطع بين مذكرات عبد الرحمان اليوسفي ومحمد بنسعيد :
ونحن بصدد إجراء مقارنة بسيطة بين الجزء الأول من شهادة وسيرة بنسعيد على أمل صدور الجزء الثاني منها في المستقبل القريب، وبين مذكرات اليوسفي فإن أول ما يمكن أن نلحظه إمعان بنسعيد واستفاضته في الحديث عن أدق التفاصيل المتعلقة بنشأة وتكون جيش التحرير في المنطقة الجنوبية من المغرب، معرجا بالخصوص على معركة " إيكوفيون " التي تحالف فيها الجيشان الإسباني والفرنسي بدعم مستتر من الأمريكان والحلف الأطلسي لضرب جيش التحرير، ومن المؤكد أن اختيارا من هذا القبيل يتحكم فيه بالأساس حدة الوعي الوطني الصادق وجذور من النزعة المغربية المتأصلة، وهو الذي آثر مغادرة مدينة الدار البيضاء بسبب ما كان يطبعها من الفساد والزبونية والعنف الذي أصبح للأسف من شيم بعض المقاومين على حد تعبيره، وقرر التوجه لدعم جيش التحرير في الجنوب المغربي الذي كانت العديد من مواطنه خلال سنة 1957، لا تزال ترزح تحت نير الاحتلالين الإسباني والفرنسي، ولم يفوت الفرصة المقاوم بنسعيد للتذكير في شهادته التاريخية كون بعض القادة من السياسيين المغاربة لم تربطهم قط يوما ما أية صلة تؤكد انتماءهم إلى جيش التحرير من قبيل حالة القائد السياسي المحجوبي أحرضان زعيم ومؤسس حزب الحركة الشعبية .
وغير بعيد عنه، يقف الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في حلقات مذكراته الثلاثة بدوره عند قضية جيش التحرير، دون أن يأخذ ذلك حيزا وافرا من مساحة شهادته، مكتفيا بالإحالة على مكونات جيش التحرير بصفة عامة وعناصر المقاومة الوطنية التي اضطرت أمام ملاحقة السلطات الفرنسية لها بالمنطقة السلطانية اللجوء إلى المنطقة الخليفية بشمال المغرب، هروبا من الاضطهاد والتنكيل وبحثا عن موقع آمن يتيح لها التحرك بنوع من الحرية في أفق استكمال مشروعها التحريري، الذي يروم الإعداد لخطة شجاعة تستهدف العمل على التخلص من أوزار معاهدة الحماية وقيودها المجحفة، مشيرا بدوره في هذا الخصوص إلى مخطط التصفية " نموذج معركة إيكوفيون " الذي حيك من قبل قوى دولية كبرى بقصد وضع حد لتجربة جيش التحرير ومقاومته في الجنوب المغربي، وقد أدى تطور الوضع في سياق هذه العملية وبالأساس في موضوع ذي صلة بعبارة " الحكومة مسؤولة أمام جلالة الملك، ومسؤولة أيضا أمام الرأي العام " إلى اعتقاله حيث كان يشغل آنذاك مهمة رئيس التحرير في جريدة التحرير رفقة محمد البصري باعتباره مديرا لهذه الجريدة، وذلك في بداية حصول المغرب على استقلاله، وبعد إطلاق سراح اليوسفي نظرا لوضعه الصحي المعتل، فقد تقرر الاحتفاظ بالبصري رهن الاعتقال، ولم يفرج عنه بناء على ما ورد في الجزء الأول من مذكراته إلا بتدخل وزير الاقتصاد والمالية الزعيم الاشتراكي الراحل عبد الرحيم بوعبيد لدى ولي العهد الأمير مولاي الحسن .
غير أن هذا لم يمنع الزعيمين في نص سيرتيهما من الاتفاق على أن زيارة الملك محمد الخامس إلى مدينة طنجة سنة 1947 التي كانت تحت حجر وحماية إثتي عشر دولة أجنبية، من الإقرار أنها بالفعل زيارة تاريخية وقد شكلت معلمة فارقة في تاريخ المغرب الراهن، لما تحمله من مغزى ودلالات سياسية كبرى ترمي في اتجاه تعميق الوحدة الترابية والوطنية بين شمال المغرب وجنوبه، في أفق التنديد وفضح الطوق الدولي الذي كان يتوخى فرض عزلة مقصودة على البلاد، وفي نفس الوقت تمرير لرسالة سياسية واضحة فيها إشارة إلى ضرورة إعادة النظر في وثيقة الحماية، خاصة عندما اتضح مدى بطء وتلكؤ شعارات الإصلاح المرفوعة من طرف الدولتين الحاميتين فرنسا وإسبانيا، الأمر الذي أقض مضجع المستعمر وخلق لديه توجسا رهيبا من التطورات التي يمكن أن يسفر عنها مسار المقاومة المغربية في المستقبل القريب .
في شأن التطرق إلى نماذج من مضامين مذكرات بنسعيد :
وهكذا نمضي تباعا، من أحداث التاريخ القريب الذي شكلت محطاته حصنا متألقا تواترت حلقاته لتفضي إلى انبجاس آليات العمل السياسي والمقاومة الفدائية، وتحديدا إلى أحداث وتجليات التاريخ الراهن والمعاصر وما يحبل به من مستجدات سياسية واجتماعية وحقوقية، إذ يعرض المقاوم محمد بنسعيد في إطار شهادته التاريخية إلى نشأة الكتلة الديمقراطية في سنة 1992، هذه الأخيرة التي ارتقت بأدائها أستاذة القانون الدستوري رقية المصدق إلى درجة التقديس، والتي تكونت من أحزاب الاتحاد الاشتراكي، حزب الاستقلال، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، التقدم والاشتراكية، وسعى بإخلاص من خلال نص سيرته إلى تأكيده على نتائجها الإيجابية بسبب المد الشعبي الذي ساند الكتلة الديمقراطية لكونها ناضلت بصدق من أجل تقديم مشروع مجتمعي جديد قوامه الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وأدت تراكماتها النضالية إلى المساهمة في إطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين واستصدار إشارة الضوء الأخضر إلى عدد من المنفيين من أجل عودتهم إلى أرض الوطن، وفي نفس الوقت تحقق انفتاح ملحوظ على مستوى الإعلام، تجلى في إحداث القناة الثانية DOZIM .
وكذلك تقديم مذكرة الإصلاح الدستوري في أواسط التسعينيات التي تضمنت التنصيص أن يكون جوهر الحكم ديمقراطيا، والفصل بين السلط، والتشديد على استقلالية القضاء وغيرها من المطالب الحقوقية والقانونية الهامة، مع تفهمهم في أن تبقى مقاليد الجيش المغربي وقضية الوحدة الترابية في يد الملك، وجزم بنسعيد آيت إيدر صادقا بأنهم لم يصلوا في مذكرتهم تلك إلى الدرجة التي يسود فيها الملك ولا يحكم، غير أن هذا لم يمنع بنسعيد من التصريح في هذه الشهادة التاريخية أن أستاذه الراحل عبد الله إبراهيم لم يكن راغبا في الانضمام إلى الكتلة الديمقراطية، وأمام إلحاح بنسعيد تراجع عن موقفه، فقد كان الزعيم عبد الله إبراهيم يرى أن البعض من مؤسسي الكتلة يتخذون منها مجرد تكتيك مرحلي يضغطون به على النظام من أجل تحقيق بعض المكاسب السياسية الآنية ليس أكثر، في الوقت الذي كان يستنكف فيه عن أسلوب من هذا القبيل معتبرا إياه مجرد مغامرة سيكون ثمنها مكلفا للجميع، كما وقف بنسعيد عند ميلاد الإطارين الحقوقيين الكبيرين الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان وسياقات تأسيسهما، وكذلك عند تجربة جريدتي 23 مارس وأنوال، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي وحركة 23 مارس وما بينهما من تقاطعات في النشأة والامتداد .
أضواء على بعض من تفاصيل مذكرات اليوسفي :
كما أجدني أعود لأسجل بصريح العبارة، أن مذكرات الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي لم تسع قط إلى التبخيس أو الاستصغار من قيمة أي طرف من الأطراف المكونة للكتلة الديمقراطية، أو حتى محاولة الرفع من مكانة أو أداء أي طرف على حساب الآخر، بل حرصت على وضع جميع مكوناتها أمام قدم المساواة والتماثل، وقد تحدث في هذا السياق عن مذكرة الكتلة وتهمة تغيير نظام الحكم، فقد تفاجؤوا بعد تقديمهم لنص المذكرة المطلبية بإرجاعها من قبل الديوان الملكي بحجة أنها تحاول تغيير النظام وليس تقديم الإصلاحات، وهي المطالب أو الملتمسات التي أكد اليوسفي أنها للأسف اعتبرت من لدن بعض جيوب المقاومة ومناهضة أي خطوة للتغيير والتقدم إلى الأمام أنها محاولة لتغيير النظام وليس إدخال تعديلات على المؤسسات الدستورية، علما أن كل هذه المطالب وغيرها قد تم إدراجها وتضمينها في محتويات الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 ، وتطرق اليوسفي في المقابل إلى إخفاق الكتلة وعدم نجاحها في الاتفاق على المرشح المشترك رغم الجهود المبذولة، وبخصوص التناوب التوافقي تذكر مذكرات الأستاذ اليوسفي أنه لم يكن على أساس البرلمان وانطلاقا منه لسنة 1997، إذ لم يكن التناوب التوافقي مفروضا عن طريق الانتخابات التي أجمعت كل الأحزاب السياسية على التنديد بها، أو جاء كنتيجة لتحالفات عقدتها الأحزاب بكل حرية، بل كان بالأساس نتيجة اتفاق بين المرحوم الملك الحسن الثاني، المالك لكل السلطات، والمعارضة التاريخية في المغرب التي يعتبر الاتحاد الاشتراكي عمودها الفقري والحيوي، وهي القوى التي ناضلت مجتمعة من أجل الاستقلال وعودة الملك الوطني محمد الخامس إلى عرشه بعد عزله ونفيه إلى جزيرة مدغشقر من قبل فرنسا خلال سنة 1953 .
وتحدث أيضا عن الندم الوحيد الذي تحصل لديه خلال تقديمه للاستقالة من مسؤولية الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي سنة 1993 ، لكونه غادر المغرب نحو فرنسا دون إتمامه للمهمة التي بدأها من أجل عودة الفقيه محمد البصري إلى أرض الوطن، وهذا يؤكد مدى التقدير والمعزة التي كان يكنها للفقيه البصري، إلى درجة أن عودة الفقيه إلى المغرب كانت عاملا حاسما في رجوع اليوسفي من جديد إلى المغرب فيما بعد كما تسجله مذكراته، ولأن الأستاذ اليوسفي كان جد حريص على ملف حقوق الإنسان وفي إطاره بالخصوص العمل على حل مشكل المنفيين وإنهائه، ويربط ذلك بصورة ومصلحة بلدنا المغرب وكذلك مصداقيته في المحافل الدولية، وخاصة في الجانب المرتبط بعلاقته مع المراكز الاستراتيجية والمؤسسات الدولية المؤثرة في صنع مختلف القرارات السياسية والاقتصادية ذات المنحى الدولي، واعتبر بالمناسبة في مذكراته وزير الداخلية الراحل إدريس البصري معرقلا على الدوام لأية مبادرة تتوخى إيجاد حل نهائي لملفات حقوق الإنسان بالمغرب، وضمنها ملف عودة أبراهام السرفاتي الذي عمل على تعقيده باستمرار، وفي بداية العهد الجديد للعاهل المغربي الملك محمد السادس عاد السرفاتي إلى وطنه وفي منأى عن أعين البصري الذي كان لا يزال وزيرا للداخلية كما تشير إلى ذلك مذكرات اليوسفي، مضيفة أنه تلقى الخبر عبر وسائل الإعلام مثل بقية المغاربة ساعة قبل نزوله بمطار الرباط رفقة زوجته كريستين دور السرفاتي .
إن مذكرات اليوسفي التي سهر على إعدادها بكل تفان الأستاذ والحقوقي امبارك بودرقة رفيق دربه في النضال والمنفى، لتعبر من خلال أقسامها الخمسة : ( النشأة الأولى- الحركة الوطنية- المعارضة- قيادة الحزب- رئاسة الحكومة ) عن أهم المحطات في سيرته وحياته، وتختزل عبر منحى تصاعدي محطات مضيئة من مساره النضالي، من مقاوم ومجاهد رافض للاحتلال والظلم، إلى مناضل سياسي وحقوقي بالدرجة الأولى في دولة المغرب المستقلة حديثا، بعد أن أهلته مهنته في المحاماة أن يترافع في أهم القضايا السياسية والحقوقية على الصعيد الوطني والدولي بالخصوص، وتعكس من جهة أخرى تضحيته الكبرى وقبوله المساهمة إلى جانب الملك الحسن الثاني في تدبير مرحلة التناوب التوافقي وقيادة سفينة الانتقال الديمقراطي، ويلخص الملك الرجل بفصاحته المعهودة، قبوله ذاك وعودته التدريجية إلى علاقته التي كان يطبعها الانسجام والتعاون، ابتداء من سنة 1992، إلى ما كانت عليه في سابق عهدها، يصف تلك العودة مخاطبا اليوسفي كما تحفل بذلك مذكراته: " نحن مثل روافد نهر، افترقنا ثم التقينا من جديد، لنصب في نفس المجرى الأصل".
ولما اشتدت عليه وطأة المرض في زمن التناوب واعترته جوائح ونوائب العلل المزمنة إلى درجة أنه حاول الاعتذار عن رئاسة الحكومة، لكن رد العاهل المغربي الملك الحسن الثاني حسب مذكرات اليوسفي كان أكثر رهافة وإقناعا " أنا أيضا مريض، وهذا قدرنا أن نتقاسم معا نحن المرضى عبء هذه المسؤولية "، ليمضي اليوسفي في منهجه السياسي والحقوقي الموسوم بروح الاعتدال والعقلانية، بعيدا عن تفكير العنف وأساليب التآمر والانقلاب، وهو الرجل الوطني والاشتراكي المحنك المعروف بواقعيته، ممعنا في تمسكه بقيم الديمقراطية وبقيم حقوق الإنسان الكونية انطلاقا من موقعه الاجتماعي والطبقي الصغير، واستشعارا منه لمكانته المجتمعية في أوساط وقلوب الشعب المغربي، وقربه التاريخي من دوائر المخزن، ليثري الخزانة الوطنية والمكتبات المغربية بهذا العمل البيداغوجي الفريد، وبمذكراته التاريخية والسياسية المتألقة، والتي لا شك ستكون مدرسة ومنهلا ثقافيا وسياسيا للأجيال القادمة، ورافدا من روافد الوطنية في النضال الصادق والقيم المغربية المتأصلة .
على سبيل الختم :
بعد المذكرات الأولى لليوسفي الصادرة في شهر مارس سنة 2018 ، نشر على التوالي الجزء الأول في شهر أكتوبر من نفس السنة 2018، في سياق عمل جديد مماثل سهر على وضع تقديم له الأستاذ عبد الرحمن زكري، وهي الشهادة التاريخية التي صدرت على شكل مذكرة " هكذا تكلم محمد بنسعيد" بصيغة ضمير المتكلم، باعتبار أنها وثيقة تاريخية أكثر منها جنسا معرفيا يتناول سردا حكائيا مختصا في السيرة الذاتية، وقد كشفت الشهادة التاريخية لبنسعيد عن أحداث ووقائع قمينة بالتوقف عندها مليا، طبعها نوع من الاسترسال العفوي في الكلام وسلطت الضوء على حقائق تاريخية وسياسية، وفي نفس الوقت سجلت بعض المواقف الشخصية التي تهم تجربة السارد في خضم ما عاشه من محطات بارزة ضمن المسؤولية التي تحملها في السياسات العمومية ذات الصلة بالشأن العام .
والحق أن مذكرات محمد بنسعيد تتقاطع مع عمل عبد الرحمان اليوسفي الكبير في العديد من التفاصيل والمناحي، وخاصة على مستوى الرؤية الاستراتيجية والتصور، فبنسعيد كان ندا وقرينا لليوسفي في التموقف من العنف، إذ رفض بنسعيد العنف بشكل قاطع خاصة خلال تواجده بالمنفى في الجزائر وفرنسا، كما تقترن تجربته لدى الرأي العام الوطني في المغرب خاصة المهتم منه بالشأن الثقافي والسياسي، بتأسيسه لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي بعد دخوله من منفاه في فرنسا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وباستصداره بمعية رفقائه لجريدة أنوال السياسية والثقافية منذ سنة 1979 ، كما آثر أن يقود المعارضة ويخوض النضال الديمقراطي السياسي من داخل المؤسسات الدستورية والمنتخبة، وكانت قبة البرلمان خير منبر جهر من خلاله بمواقفه الجريئة وبحرية تامة لمدة تنوف عن ثلاث وعشرين سنة، وهي الوقائع الكثيرة التي عرض لها خلال الجزء الأول من مذكراته، ليتمكن بدوره من تحقيق إضافة نوعية في مجالات التاريخ الراهن والمباشر، تلكم الإضافة التي ستكون سراجا منيرا يضئ درب الباحثات والباحثين المختصين في مختلف مضان العلوم الإنسانية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.