في خطوة تعزز مبدأ "المراقبة والمحاسبة"، أعلنت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة إلغاء الصفقة رقم 07/2025 الخاصة بإنجاز دراسة حول مخاطر الفساد داخل قطاع الصحة، وذلك بناء على رأي اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية. وكانت الصفقة المذكورة قد منحت لمكتب الافتحاص والاستشارة FORVIS MAZAR، قبل أن تكشف التحقيقات عن وجود "علاقة مهنية سارية المفعول" تربط المكتب بشركة "أكديطال"، التي تعد أكبر فاعل في القطاع الصحي الخاص. هذا الكشف يثير تساؤلات جوهرية حول موضوعية واستقلالية أي دراسة يمكن أن ينتجها المكتب المذكور، خاصة وأن شركة "أكديطال" تشغل حيزا كبيرا في القطاع الصحي الخاص، وبالتالي فإن تقييم مخاطر الفساد في القطاع قد يتأثر بهذه العلاقة المهنية الوثيقة. يعتبر هذا الإلغاء انتصارا للصحافة المهنية، وخاصة صحافة التحقيق، حيث كان الصحفي الاستقصائي والمهندس يوسف الحيرش أول من سلط الضوء على هذه القضية عبر تدوينة كشفت خلفيات الصفقة والشبهات المحيطة بها. هذا النجاح يؤكد أن الرقابة الإعلامية المستقلة تشكل ركيزة أساسية في تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد، حتى داخل المؤسسات المكلفة أصلا بمحاربة هذه الظاهرة. ورغم الإيجابية التي تمثلها خطوة الإلغاء، تبقى تساؤلات مفتوحة، من قبيل كيف فاز المكتب بهذه الصفقة رغم وجود هذه العلاقة المهنية الوثيقة؟ وما هي الضمانات الجديدة التي ستضعها الهيئة لتفادي تكرار مثل هذه الحالات؟ وهل ستعيد الهيئة طرح الصفقة بشروط أكثر وضوحا وشفافية؟ قضية إلغاء صفقة دراسة الفساد ، تحمل في طياتها مفارقة لافتة، لكنها تظهر أيضا أن آليات المراقبة يجب أن تعمل وتقوم بأدوراها، وأن كشف الحقائق -مهما كان مصدرها- يبقى أقوى سلاح في يد المجتمع والدولة لتعزيز النزاهة والشفافية والمساءلة.