صدر للأستاذ الكاتب والشاعر صلاح الوديع، كتابا تحت عنوان" ميموزا،سيرة ناج من القرن العشرين" طبعة جديدة صدرت خلال الأيام القليلة الماضية من السنة الحالية 2025، الكتاب تأريخ لمراحل من حياة الكاتب وتجربته في الاعتقال السياسي، ومدة المحكومية الطويلة التي قضاها داخل السجن المركزي بالقنيطرة، مرورا من كوميسارية درب مولاي الشريف السيئة الذكر، والتعذيب الذي مورس عليه داخل هذا المعتقل، والحصيلة كانت عشر سنوات من السجن . يتعرض في سيرته التي هي مزيج من أدب السجون، يشوبها تناول موضوعي لحلقات من ذاكرتنا الجماعية ومن تاريخ المغرب المعاصر ، إلى المحنة والايام الصعبة التي عاشتها أسرته نتيجة اعتقال والده وشقيقه وأخته، كما حكى عن سنوات سجنه، وعودته إلى اعتناق الحرية. مقابل ذلك، استعرض صفحات من كتاب العدالة الانتقالية في المغرب، ومحطات في مسار هيئة الإنصاف والمصالحة، وعنون أحد فصول سيرته من الكتاب الثاني بكون " السياسة الحقيقية، هي سياسة الحقيقة "وهو المبدأ الذي لا يزال تتمسك به بعض مكونات الحركة الحقوقية المغربية، بخصوص استكمال الكشف عن الملفات الحقوقية المتعلقة بالاختفاء القسري، وتناول في أحد فصوله الحياة بعد هيئة الإنصاف والمصالحة . وعن جلسات الاستماع العمومية، فقد تطرق لجلستي الرباط يومي 21و22 دجنبر 2004، التي شارك فيها وجوه تنتمي لكل مجموعات الضحايا: من الريف، ومن الصحراء المغربية ومن الأسرة الاتحادية ومن تازمامارت ومن الإسلام السياسي . في جلسة الرباط أشار إلى شهادة الأستاذ جمال امزيان صديق صلاح الوديع وأخونا وصديقنا جميعا، وكيف عاشت وعرفت أسرته أحداث الريف الأليمة نهاية الخمسينات من القرن الماضي، وكيف أن الاستاذ جمال امزيان قرر في لحظة أن يلغي مشاركته،وفي الأخير كيف ظهر وجه جمال أمزيان وهو يتلو شهادته، وكيف كان الشعور الغامر الممزوج بالارتياح بعد الإجهاد يظهر على محيا الاستاذ جمال أمزيان. وتحدث بموضوعية عن جلسة الاستماع العمومية في الحسيمة، التي لم تخل كما يعرف الجميع من التوتر، بعد توقفها لساعات، لتمر بعد ذلك حسب المؤلف بسلاسة، في جو عكس الثقل التاريخي للمنطقة؛ وكانت جلسة من أكثر الجلسات كثافة وتأثيرا، تلك المدينة الرمز حسب الكاتب؛ التي تحتضن ذاكرة الكفاح الوطني ضد الاستعمار الاسباني، والتي انتقل إليها أكثر من عشرين مرة من أجل التحضير لعقد جلسة الاستماع العمومية في ميرادور المطل على جمالية البحر المتوسط. ويمضي الكاتب نحو فقرة جميلة، تتعلق باستحضاره اليوم لروح هيأة الإنصاف والمصالحة، مع الأمل في أن يلتحق باقي المعتقلين خلال الاحتجاجات الاجتماعية من حراك الريف سنة 2016، بذويهم وأسرهم ومعانقتهم الحرية بعد غياب طويل . بالنسبة لجلسة الاستماع العمومية بالحسيمة، فقد ساعد رئيس الهيئة المرحوم إدريس بنزكري والمناضلة لطيفة لجبابدي، والاخوين المناضلين صلاح الوديع وادريس بنزكري، ساعدهم في عقدها مجموعة من الأساتذة والمناضلين القدماء من معتقلي اليسار من الريف، في مقدمتهم صديقي عبد السلام بوطيب وغيره من إخوتنا واصدقائنا. كنت شخصيا مدعوا كرئيس لفرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان بالحسيمة، مرتين، في المرة الأولى في الجلسة المسائية مع خبراء العدالة الانتقالية من لبنان بالخصوص ودولة مصر..، في فضاء ميرادور ، قبل جلسة الاستماع العمومية. وفي المرة الثانية مساء اليوم الثالث من مايو 2005، التي استمع فيها الحضور إلى تجربة معتقلي الريف والأحداث الكبرى التي طبعت المنطقة، وكذلك بعض العائلات الأخرى من شمال المغرب المعروفة بتاريخها الوطني والنضالي .. طبعا، قمت بتطبيق الشعار المتفق عليه بين مكونات الجمعية يومها، وهو المواكبة الاقتراحية النقدية، دون أية عرقلة فعلية لأنشطة هيئة الإنصاف والمصالحة وجلساتها العمومية على أرض الواقع، وانسحبت بهدوء تام أثناء التوتر، وقد نشرت جريدة الصباح هذا المعطى وأكدته في تغطيتها، عن انسحابي كرئيس للفرع بهدوء، وشهد بذلك جميع المساعدين للأخ صلاح الوديع من الحسيمة . ولم يؤلمن قط مسألة إقصائي وعدم استحضاري في الإعداد، لأنني كنت مقدر جدا لطبيعة الوضع، والتحالفات المرحلية القائمة آنذاك بمدينتنا ومنطقتنا، ونحن بصدد الإقبال على متابعة هذا الحدث الحقوقي البارز، والمشاركة في أشغال جلسة الاستماع العمومية بالحسيمة، ولو بالحضور الهادئ، لاقتناعي واحترامي لأدبيات ومقتضيات العدالة الانتقالية . في اليوم الموالي بعد انتهاء أشغال الجلسة العمومية، جلست في الصباح الباكر بمقهى الأصدقاء بالحسيمة مع الاستاذ صلاح الوديع لتناول وجبة فطور بسيطة، رفقة الاستاذ المرحوم أحمد البلعيشي ، لتقييم الحدث موضوع جلسة الاستماع العمومية. بعد توصلي في الهزيع الأخير من الليل بمكالمة هاتفية، من أحد أصدقائي الأعزاء الذين ساعدوا في تنظيم وإنجاح الجلسة الحقوقية العمومية، وتفاعلي الايجابي معها، للأسف كانت تقطر ألما على ما حدث؛ ولم أستمتع بهذه الجلسة الصباحية طويلا ، رفقة الأستاذين المحترمين، فالغلبة لله سبحانه وتعالى، ولله في كل خلق من خلقه شؤون. غير أن الذي أستغرب له، كيف أن بعض إخواننا ممن كان لهم يد رئيسية في الإعداد والتحضير لعقد جلسة الاستماع العمومية التي شرع في الاستعداد لها آنذاك بالحسيمة؛ طيلة مدة زمنية ليست بالقصيرة، حصل لهم انعطاف وتحول بعد ذلك، في التعامل مع هذا الملف، على نحو لم نألفه خلال تلك المدة التي يمر عنها الآن ما يزيد عن عقدين من الزمن ؟! محمد لمرابطي / فاعل حقوقي ومدني