يشهد قطاع النقل الطرقي في إسبانيا أزمة غير مسبوقة بسبب الخصاص الحاد في السائقين المهنيين، سواء في شاحنات نقل البضائع أو في حافلات نقل الركاب. وتُجمع تقارير مهنية وإعلامية على أن البلاد تحتاج اليوم إلى ما يصل إلى 30 ألف سائق شاحنات لسد الحاجيات المتزايدة، بينما يعاني قطاع الحافلات بدوره من خصاص مماثل قدّرته هيئات مهنية بالآلاف. وتشير بيانات نقابية إلى أن 73 في المئة من شركات النقل تؤكد مواجهتها «صعوبة كبيرة أو كبيرة جداً» في العثور على سائقين مؤهلين، في وقت تتنامى فيه حركة نقل البضائع والركاب عبر مختلف الأقاليم الإسبانية. ويُعزى هذا الوضع أساساً إلى شيخوخة اليد العاملة، إذ يقترب جزء كبير من السائقين الحاليين من سن التقاعد، مقابل عزوف لافت لدى فئة الشباب عن ولوج المهنة بسبب ظروف العمل الصعبة والرواتب التي لا تعتبر محفزة بما يكفي. وتسبب هذه الأزمة آثاراً اقتصادية واضحة، من بينها تأخر حركة البضائع على الطرقات وارتفاع كلفة النقل، وهو ما ينعكس مباشرة على أسعار عدد من المواد داخل السوق الإسبانية. كما أن نقص السائقين يحد من قدرات الشركات ويعيق سلاسل التوريد، في وقت تعيش فيه أوروبا عموماً انكماشاً في هذا القطاع الحيوي. وأمام هذا الوضع، شرعت السلطات الإسبانية في اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاستعجالية، من أبرزها إطلاق دعم مالي يصل إلى 3000 يورو للراغبين في الحصول على رخص قيادة مهنية، إلى جانب تبسيط المساطر الخاصة بتوظيف سائقين من خارج الاتحاد الأوروبي. كما أبرمت مدريد اتفاقيات تعاون مع دول مغاربية من ضمنها المغرب لتسهيل توظيف السائقين الحاملين لرخص مهنية معترف بها. وقد فتحت هذه القرارات الباب أمام عدد من السائقين المغاربة الباحثين عن فرص عمل خارج البلاد، خاصة مع تزايد الحديث عن اعتراف متبادل ببعض الرخص وتخفيف القيود الإدارية المرتبطة بالتصاريح. ويرى مهنيون أن معالجة هذا الخصاص تتطلب رؤية شاملة لتحسين ظروف العمل داخل القطاع، وتشجيع الشباب على التكوين المهني في قيادة المركبات الثقيلة، إلى جانب تعزيز التعاون الدولي لسد الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب.