تغير مفاجئ.. هكذا نشرت قناة "فرنسا 3" خريطة المغرب    فلقاء الخطاط مع وزير الدفاع البريطاني السابق.. قدم ليه شروحات على التنمية وفرص الاستثمار بالأقاليم الجنوبية والحكم الذاتي    مجلس المنافسة كيحقق فوجود اتفاق حول تحديد الأسعار بين عدد من الفاعلين الاقتصاديين فسوق توريد السردين    برنامج "فرصة".. عمور: 50 ألف حامل مشروع استفادوا من التكوينات وهاد البرنامج مكن بزاف ديال الشباب من تحويل الفكرة لمشروع    الغالبية الساحقة من المقاولات راضية عن استقرارها بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    أول تعليق من الاتحاد الجزائري على رفض "الطاس" طعن اتحاد العاصمة    جنايات الحسيمة تدين "مشرمل" قاصر بخمس سنوات سجنا نافذا    خلال أسبوع.. 17 قتيلا و2894 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    نشرة إنذارية.. أمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة بتطوان    طابع تذكاري يحتفي بستينية السكك الحديدية    مقتل فتى يبلغ 14 عاماً في هجوم بسيف في لندن    الأمثال العامية بتطوان... (586)    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    نقابي: الزيادة في الأجور لن تحسن القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمستضعفة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل مخيف    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    محطات الوقود تخفض سعر الكازوال ب40 سنتيما وتبقي على ثمن البنزين مستقرا    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    توقيت واحد فماتشات البطولة هو لحل ديال العصبة لضمان تكافؤ الفرص فالدورات الأخيرة من البطولة    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    ثمن الإنتاج يزيد في الصناعة التحويلية    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و535 شهيدا منذ بدء الحرب    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدينة وزان والبحث عن الاعتراف..
نشر في هسبريس يوم 08 - 11 - 2022

تعرف الظاهرة الحضرية بالمغرب عدة تغيرات على مدى قرن من الزمن يمكن إيجازها في سرعة تطور نسبة التحضر التي وصلت سنة 2014، إلى 60.3 ٪ حسب الإحصاء الرسمي العام للسكان والسكنى، وهي نسبة قابلة للتطور في أفق 25 سنة القادمة. وإذا كانت هذه الظاهرة عالمية فخاصيتها في جل دول الجنوب: الوتيرة السريعة التي باتت تطبعها، جنوحها للتضخم، والإشكاليات المترتبة عنها إن على مستوى الاحتياجات للشغل، السكن، والتجهيزات الأساسية، أو الضرورة التي تقتضيها مواكبة هذا المد بالتخطيط المُعقلن والتدبير المحكم. وعلى العموم، وبتعبير أستاذنا محمد بلفقيه (2022): "إذا كان القرن 19، قرن الإمبراطوريات، والقرن 20 قرن الدول القومية، فإن القرن 21 هو قرن المدن". وضعية تعكسها اهتمامات القمم الدولية، (إسطنبول 1996) وما تلاها من برامج تحت إشراف برامج الأمم المتحدة الهادفة "لمساندة التحضر المستدام" في أفق 2030.
من هذا المدخل، يمكن تفسير "ظاهرة التحضر الجامحة" بالمغرب بفعل عدة عوامل منها استقطاب المدن للمهاجرين النازحين من الجبال، خصوصا المدن المتواجدة على الشريط الأطلسي، بحيث تركزوا على طول محوري الدار البيضاء والقنيطرة ثم أخيرا بمدينة طنجة الكبرى. وتقترن هذه الظاهرة، بما يعرف في أوساط الباحثين المهتمين بالمدينة، بالتأثير المزدوج للساحل ولقوة الجذب التي تمارسها الميتربول(Métropolisation et Littoralisation) على التجمعات السكنية القريبة منها والبعيدة عنها.
فالرغبة في المدينة(désirs de ville) ، كما عبر عن ذلك الباحث الجغرافي محمد الناصري (2017)، جعلت الهجرات لا تتجه لأي مدينة كانت، بل تتجه بالدرجة الأولى لمدن المتربول مثل: الدار البيضاء خلال القرن 20 بتحولها لقطب اقتصادي ومالي، ثم طنجة خلال مطلع هذه الألفية بالدور الصناعي والتجاري الذي أصبحت تحظى به وطنيا ودوليا. إفراغ الجبل والوسط من الساكنة يمكن لمسه بشكل أكثر وضوحا عقب توالي سنوات الجفاف، وانحباس المطر في بداية الثمانينات، ومخلفات تطبيق سياسة التقويم الهيكلي، وتراجع تدخل الدولة، بحيث حسب تقديرات رسمية فحوالي 70 ٪ من ساكنة المغرب مستقرة على الشريط الساحلي حاليا بين الجديدة وطنجة، المستقطب كذلك للحركة الاقتصادية ولمراكز صناعة القرار (HCP, 2014). أدى هذا الوضع إلى تفاقم الأزمات بالمدن الصغيرة والمتوسطة، الداخلية منها على وجه الخصوص، بعدما شهدت ماضيا مشرقا.
وزان المدينة الوسيطة بظروف اقتصادية صعبة
وزان من بين هذه المدن التي تعيش وضعا صعبا بحسب شهادات وإدراك ساكنتها ومنهم الشباب الذين وصفوا المدينة ب"المهمشة"، ومنهم من يعتقد أنها "منسية"، أو "ميتة"، والبعض قال عنها "شقية"، "منكوبة"، "مغضوب عليها"، نظرا لتراجع الحركة الاقتصادية بها، ولارتفاع نسبة البطالة في صفوف شبابها، وهي التي عاشت أزيد من ثلاثة قرون في صلب الأحداث الوطنية والدولية بالعودة للدور الذي كانت تحظى به الزاوية الوزانية دينيا، سياسيا، واقتصاديا خلال القرنين 18 و19 على وجه الخصوص. المجالس المتعاقبة على تدبير الشأن المحلي منذ الستينات للآن اشتكت، ومازالت، من ضعف الموارد المالية، فالمتوفرة لا تسمح بالاستجابة لتطلعات الساكنة، فبالأحرى استرجاع بريق الماضي، الذي يبدو مستحيلا في الوقت الراهن وغير واقعي، في حين جيل الشباب حاليا متشبث، على ما يبدو، بحقه في التنمية ويصبو للدفع بالمدينة دفعة واحدة للعالمية (تصريح بعض الفاعلين الشباب، برنامج أخبار الناس، Medi1 TV، 22 نونبر 2018).
ومن أجل التطلع لتنمية محلية خول قانون الجماعات الترابية صلاحيات واسعة للمجالس المنتخبة على ضوء اختصاصات قانونية تمكنها من تحقيق الأدوار المنوطة بها، في سياق مسلسل اللامركزية الذي عرف عدة تطورات منذ صدور أول ميثاق جماعي سنة 1976م إلى غاية صدور القانون التنظيمي رقم 113.14 في 7 يوليوز 2015. وعلى ضوء التعديلات التي جاء بها القانون التنظيمي أسندت للجماعات مهمة بلورة وأجرأة مخططاتها الجماعية للتنمية بشكل تشاركي (تنخرط فيه الساكنة والمنظمات المنبثقة عنها اجتماعية، ومهنية، واقتصادية)، ويراعي التشخيص الدقيق لواقع الحال ويستشرف المستقبل وذلك بتحديد برنامج عمل تنموي على مدى 6 سنوات. ونصت المادة 78 من هذا القانون على المقاربة الاستراتيجية الجديدة، بحيث "يجب أن يتضمن برنامج عمل الجماعة تشخيصا لحاجيات وإمكانيات الجماعة وتحديدا أولوياتها وتقييما لمواردها ونفقاتها التقديرية الخاصة بالسنوات الثالث الأولى وأن يأخذ بعين الاعتبار مقاربة النوع".
أعدت مدينة وزان برنامج العمل التنموي بالاستعانة بمكتب الدراسات وفي تشاور مع الفاعلين المحليين ومع الوزانين الموجودين خارج دار الضمانة. أوراش عمل في هذا السياق نظمت بالمدينة وخارجها وذلك من أجل تشخيص الوضع الحالي للمدينة وأخذ بعين الاعتبار المقترحات. وقد وقف برنامج العمل فترة 2017-2022 على إمكانيات المدينة المتجلي في تراثها المادي واللامادي وإمكانياتها الطبيعية والبيئية. وفي الوقت نفسه أشار المخطط إلى إكراهاتها والتي تجلت في ضعف بنية الاستقبال السياحي، وتدهور حالة الشبكة الطرقية التي تربط المدينة بباقي المدن. وتضمن المخطط توجيهات تقتضي الدفع بالمدينة في الاتجاه السياحي وذلك عن طريق رافعة التراث المحلي بالاهتمام بالمنتوجات المحلية كالصناعة التقليدية وعلى رأسها الجلابة الوزانية، مع المساهمة إلى جانب الفاعلين المحليين في تنظيم مهرجانات ثقافية تعطى فيها الأولوية للطابع الروحي للمدينة والترويج لمنتجاتها كزيت الزيتون، والتين، دون إغفال الجانب الإيكولوجي الجبلي. وحسب موقع الجماعة على "فيسبوك"، فالمخطط 2022-2027 انطلقت المشاورات الخاصة بإعداده بداية هذه سنة 2022، بالاستعانة بمكتب الدراسات، بغاية النهوض بالمدينة اقتصاديا وسياحيا بدرجة أساسية. ويعول الرئيس الحالي للمجلس على انخراط جميع الفعاليات التي لها غيرة على المدينة للمساهمة باقتراحات عملية بانية.
من خلال المتابعة يمكن التقاط رغبة المدينة في الإقلاع، بغض النظر عن التلوينات السياسية للمجالس (العدالة والتنمية في السابق أو الأحرار في المرحلة الحالية)، إلا أن الدينامية العامة معطلة أو على الأقل لا تشتغل كما ينبغي، ربما حركيتها تتوقف على جسم اجتماعي محلي متنوع المشارب قادر على التفاعل وحمل مبادرات القرب للتنفيذ بشراكة مع المجلس وباقي المؤسسات، مع البحث عن التمويل من شركاء بالداخل وخارج أرض الوطن. إلا أن المتتبع للشأن المحلي يلاحظ نوعا من الحركية التي بدأت تدب في أزقة المدينة؛ ففي السنوات الأخيرة برزت على السطح مبادرات لفاعلين شباب يبحثون عن السبل الكفيلة بإخراج المدينة من جمودها.
2- مبادرات الفاعل المحلي الوزاني
المبادرات القادمة من الأسفل "par le bas" لها ما يبررها بعد طول انتظار، وتأتي خاصة في ظرفية ما بعد الربيع العربي وفي إطار مسلسل الإصلاحات الدستورية التي عرفها المغرب، بغاية توسيع قاعدة التشاور والحوار بين جميع الفاعلين في مجال التنمية المحلية من أجل حكامة ترابية. وتوجت الإصلاحات بصدور دستور 2011 الذي كرس مبدأ الجهوية المتقدمة والموسعة والمصادقة على القوانين التنظيمية سنة 2015 والمراسيم التطبيقية المتعلقة بالجماعات. وكما لا يخفى على الجميع فالمشاركة وإن كانت متجذرة في التاريخ الوطني، إلا أن أشكالها اليوم فرضها بالإضافة للمحيط الوطني، السياق الدولي، بدليل وجود عدة منظمات تواكب هذه التجارب بتمويل التكوين وباقتراح آليات كما هو الحال في تجارب بعض المدن القريبة لوزان ومن بينها: العرائش، وشفشاون، على المستويين: "هيئة المساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع"، والميزانية التشاركية. وكما جاء في مداخلة قدمها الأستاذ الباحث العراقي عزيز يومه 27 أكتوبر 2022 بالمعهد الوطني للتهيئة والتعمير بالرباط، بمناسبة تقديم كتاب مشترك له مع الباحثة أنبيل هودري Annabelle Houdret من معهد "IDOS" الألماني للتنمية والاستدامة، بمشاركة باحثين آخرين، تحت عنوان "المشاركة المواطنة بالمغرب: بين تجارب الماضي والجهوية الموسعة"، بين بأن هذه المشاركة تفرضها كذلك السياقات التالية:
– الحاجة لاقتسام التكاليف مع المستفيدين "partage des coûts"؛
– الرغبة في إنجاح المشاريع والحصول على الدعم المالي الوطني والدولي؛
– الاعتراف بوجود فاعلين محليين "acteurs de proximité "؛
– حق الساكنة في المدينة "droit à la ville".
وانطلاقا من "حق الساكنة في المدينة"، المفهوم بالمناسبة تناوله بالدرس والتحليل السوسيولوجي هنري لوفيفر Henri Lefebvreفي مؤلفه "الحق في المدينة" الصادر سنة 1968، قام شباب مدينة وزان بإطلاق بعض المبادرات لإعادة الاعتبار لمدينتهم بالفعل وليس بالخطاب فقط. وهي مبادرات من السابق لأوانه الحكم عليها، غير أنها لقيت تجاوبا واسعا من داخل المدينة وخارجها. بادر بالقيام بها فاعلون من أبناء دار الضمانة، مثل التي أطلقها شباب المدينة في شهر غشت 2018 تحت شعار "كون وزاني"، أو المبادرة التي دعا إليها غيورون على المدينة يومه 14 ماي 2022 بندائهم "نتلقاو في وزان". في الحالتين كانت الاستجابة قوية جمعت بحسب بعض المواقع أزيد من 100 شخص، قدموا من المدينة وخارجها واستجاب لها الوزانيون خارج التراب الوطني وتابع تفاصيلها كثيرون عبر شبكة التواصل الاجتماعي. والنداء بصيغة نحن: "كن وزاني" أو "نتلاقاو في وزان"، في حد ذاته وليد تصور استقطب اهتماما واسعا لأنه خاطب الأحاسيس والمخيال المشترك. في الحالتين كان التجمع بمثلث المدينة (ساحة الاستقلال المعروف بالمكانة) والذي يرمز للوطن وللثقافات الثلاثة trois cultures، فكما هو معلوم عُرفت دار الضمانة بالتسامح فاحتضنت اليهود السفارديم، والنصارى، والمسلمين. في كلتا الحالتين انطلق الحضور من الفضاء العمومي الأول بالمدينة (المكانة) في اتجاه الأحياء القديمة بغاية الوقوف على جوانب من التراث المحلي وعلى رأس ذلك الصناعة التقليدية المحلية والفن والموسيقى. فالأولية هي للمدينة العتيقة، على الأقل بالنظر لمسارات تنقل الحضور، والعودة لما هو قديم بحس تاريخي تشبتا بالموروث الثقافي المادي واللامادي. وجاءت تدخلات مبادرة "كن وزاني" بحس فني بإضفاء الجمالية على واجهات جدران بعض الأحياء والمعالم التاريخية المحيطة بضريح مولاي عبد الله الشريف مؤسس المدينة، بصباغتها باللون الأخضر لمنحها هوية بصرية خاصة بها. في حين كانت مبادرة "نتلقاو في وزان" بحس ثقافي موسيقي، وبالتركيز على منتوجات الصانع التقليدي المحلي. على أي هي عودة لما يمكن أن يميز دار الضمانة كوجهة سياحية مستقبلية، بالاستثمار في تراثها المحلي الروحي، في سياق موجة عالمية تعرف ب المنعطف الثقافي (tournant culturel)، باعتباره حلا من الحلول لتنشيط الاقتصاديات المحلية، وذلك بجرد رصيدها التراثي، وتثمينه، والسعي للاعتراف به دوليا من طرف منظمات دولية رائدة كاليونسكو أو الإيسيسكو. هذا واقع الحال حتى بالنسبة للمدن الكبرى بالمغرب وفي العالم، ما يعرف في أوساط الباحثين بمرحلة ما بعد الفورديزم (Post-Fordisme) لأن لا نهوض للمدن المتأزمة ذات ماض مزدهر إلا تراثها الأصيل، كما هو الحال بالنسبة للمدن الصناعية بدول الشمال التي فقدت ريادتها بسبب منافسة المدن الأسيوية وتطور تقنيات إنتاجية جديدة.
في خضم هذه الحركية تم ترشيح الجلابة الوزانية من أجل الحصول على تصنيف عالمي كتراث لامادي، وفعلا تمت تعبئة المجهودات من طرف المتدخلين من: مؤسسات الدولة، ومجالس منتخبة، وفاعليين محليين، وممثلي الصناع التقليديين، وفي هذه السنة 2022 تم تسجيل الجلابة الوزانية كتراث لامادي من طرف الإيسيسكو (منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة) ضمن 26 عنصرا تراثيا مغربيا من التراث المادي واللامادي دفعت بهم وزارة الثقافة وبشكل رسمي. هذا الاعتراف بحسب بعض الفاعلين الحقوقيين نقل وزان إلى مرحلة جديدة تقتضي التفكير والعمل على تأهيل المدينة بخلق التعبئة الشاملة و"الانتصار للمقاربة التشاركية". انتظرت وزان طويلا لترتقي لعمالة سنة 2009 بعدما كانت من قبل تابعة لإقليم سدي قاسم وقبله لإقليم القنيطرة، إلا أن الوضع الحالي ليس في مستوى تطلعات الساكنة، رغم إلحاقها بأقاليم الشمال (جهة طنجةتطوانالحسيمة). فمن الفاعلين من يعتبرونها "رابطا من روابط المدن الكبرى"، أي تستقطب ساكنة البوادي لمرحلة معينة، وتطرد القدامى نحو محور طنجة الدار البيضاء ثم الخارج. المبادرات الأخيرة هي محاولة لتكسير الحلقة المفرغة بإقدام الشباب على القيام بتجميل أبواب المنازل ووجهات أحياء المدينة مستغلين ما تتيحه شبكات التواصل الاجتماعي من فرص لتعبئة الموارد على قلتها واستقطاب متطوعين جدد. يتواصل النقاش داخل مدينة وزان وعلى شبكات التواصل – "يوتيوب وفيسبوك"، بمشاركة أساتذة، وفاعلين جمعويين، وحقوقيين، وفنانين، فالجميع يعترف بأهمية الموروث الثقافي لدار الضمانة وناحيتها، بل منهم من انخرط في تنظيم مهرجانات ومنها الملتقى الثاني لدار الضمانة للذكر والسماع، لكن النقاش حول هذه المبادرات يستدعي إبداء بعض الملاحظات المنهجية.
3- ملاحظات عامة حول المبادرات المحلية بوزان
يمكن تقسيم هذه الملاحظات لصنفين أساسين: الصنف الأول عام متعلق بسؤال حول مصير المدينة الصغيرة أو بالأحرى الوسيطة intermédiaire ومستقبلها، لأن الثروة، حسب عدة باحثين (كتابات باتريك لوغاليس 2003، وألان بوردا 2005)، تصنعها الأقطاب الكبرى المحتضنة للسيولة المالية، وللكفاءات العالية والنادرة، والتكنولوجيا المتطورة، وللنشاط الاقتصادي الكثيف والمتنوع، في تشبيك مع نسيج الحواضر الوطنية والدولية. الصنف الثاني من الملاحظات لها طابع محلي في ارتباط بتحركات الفاعليين المحليين بمدن لا قدرة لها على منافسة الحواضر الكبيرة، فتعتمد على إمكانياتها الذاتية، وتقاوم إن توفرت على نخب يحملونها للعالمية مهما كانت الإكراهات، مع الاشتغال وفق استراتيجية تعتمد على تشبيك العلاقات مع شركاء داخل الوطن وخارجه.
– سؤال مصير المدينة الوسيطة؟
يُعرف مركز البحث والدراسات الديموغرافية بالمغرب (2011، ص.170) المدن الوسيطة، كتجمع عدد سكانه ما بين 20000 و100000 نسمة، فبساكنة أقل من 60 000 نسمة، تعد الجماعة الحضرية لوزان (59183 حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى، 2014) بدون شك من المدن الوسيطة. وديموغرافيا، فالنمو السكاني لحاضرة وزان يتميز بطابعه البطيء جدا، فمؤشر النمو السنوي لساكنة المدينة سلبي (-0.3%)، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الإحصاء الرسمي ل 2004-2014. وبالاعتماد على التفاصيل التي يقدمها المتغير الديموغرافي على مستوى مدينة وزان وباقي المراكز الحضرية على مستوى الإقليم فإن نسبة النمو السنوي سلبية (-0.4%) كما تشير لذلك مونوغرافية الإقليم، بتراجع مقارنة بنسبة النمو الديموغرافي السنوي بالجهة على مستوى الحضري التي تقدر ب (2,4%). نحن هنا أمام تحصيل حاصل، وهذا يطرح إشكاليات المدن الوسيطة، عبر دول العالم، التي تجد صعوبة بالغة في استقطاب الاستثمارات، وجلب الساكنة والزوار، متخلفة بذلك عن ركب المدن الكبرى. وعلى الرغم من ذلك فهي مطالبة برفع التحديات، وإثبات الذات، كمدن وسيطة، قادرة على الجذب. فمدينة وزان هنا لها مسؤولية نهج سياسة عمومية خلاقة للخروج من وضعية الجمود، وتحقيق الإشعاع للإقليم بكامله، الذي يضم 16 جماعة قروية، و4 مراكز حضرية (إبريكشة، زومي، عين دريج ومقريصات). فمنهجيا يتطلب الإقلاع بالنسبة لأي مدينة وسيطة من حجم وزان، رؤيا واضحة المعالم ترتكز على تصور استراتيجي يطبعه الخلق والإبداع، وقيادة قادرة على التعبئة الجماعية وتوجيه المجهودات نحو هدف الإقلاع الاقتصادي المحلي، وتنمية القدرات الاجتماعية، والإشعاع الثقافي. تبدو هذه الملاحظات حالمة، لكن في نظر المختصين، فالمدينة في الوقت الراهن محتاجة لطوبا جديدة (انظر بلفقيه محمد، 2022) تنقلها من وضعية الجمود، لوضعية الحلم، ثم تحقيق الرؤية على الأرض. ونصت المداخلات التي وردت في أعمال المنتدى العالمي الأول للمدن الوسيطة الذي احتضنه المغرب ونظمت أشغاله بمدينة شفشاون 5، 6، 7 يوليوز من سنة 2018 على ضرورة انخراط هذه المدن في إطار الأجندة العالمية للاستدامة للأمم المتحدة: أي أجندة 2030 (أهداف التنمية المستدامة)، أجندة التغيرات المناخية، أجندة مواجهة الكوارث، والأجندة الحضرية الجديدة، والتي تهدف جميعها إلى إحداث تغييرات مجتمعية ومستدامة (المصدر موقع جماعة شفشاون). مما يستلزم الانخراط على الأقل في هذا التوجه خاصة وإقليم وزان يسخر بإمكانيات بشرية هامة، ثقافية وطبيعية من المستوى الرفيع جعل بعض الدراسات الجادة في مجال السياحة تصنف المنطقة -بالنظر لإمكانياتها هاته-، ب "بلد التفوق pays d'excellence"". ويبدو أن الرهان، بالرجوع للمواثيق الدولية والاستراتيجيات الوطنية، يكمن في التنمية المستدامة والاستثمار في الإنسان، وفي الطاقات المتجددة والبديلة. فكيف نقلب التصورات الذهنية بالنسبة لمدينة وزان من إدراكات سلبية إلى تصورات إيجابية تعيد الاعتبار للمدينة، وللإقليم ككل وتزرع الإحساس بالفخر والاعتزاز لدى ساكنتها وعشاقها، وهم كثر كما سنرى، حتى لا تضطر بعض الجماعات القروية في التفكير بفتح طريق معبدة لتقريب المسافة بينها وبين طنجة، دون الحاجة للمرور عبر مدينة وزان؟
– من هم الوزانيون؟ وما هو موروثهم الثقافي؟
وغاية هذا السؤال ليس بغاية جينيالوجية أو إقحام المبادرات في حقل علم الأنساب و"نقاء العرق وصفائه والشرف ورموزه"، الغاية هي تجنب إقصاء عشاق المدينة وهم كثر من جنسيات مختلفة، أو نسيان سكان القبائل المجاورة، وحتى أبناء وزان من ديانات مختلفة، من أجل أن تظل المدينة منسجمة مع هويتها حيث جمعت الملل والنحل واحتوت المظلومين وضمنت لهم فضاء العيش الكريم. كيف نؤسس لحق الآخر في المدينة، وبعض صناع القرار بها قاموا في السنوات الأخيرة، ربما عن غير قصد، بتدمير الكنيسة، الشيء الذي عجل بنقل عائلات أجنبية رفاة أصولها من مقبرة النصارى لخارج أرض الوطن؟ فالمدينة، في زمن ما بعد الحداثة (الفترة المعاصرة)، لا يمكن التسويق لها من زاوية وحيدة، ولا يمكن لها أن تدعي الانفتاح وتنجح في استقطاب الآخرين بطمس المعالم الكولونيالية الشاهدة على حقبة من تاريخ المدينة الحديث، في الوقت الذي توفرت دار الضمانة على هذه الروح الكونية في مرحلة سابقة من تاريخها (القرنين 18 و19م). هل الفاعل المحلي حاليا يدرك هذا الإحساس عند المبادرة، إدراك التأصيل للمشاركة بكل تجلياتها؟
على فكرة، فالوزاني وعاشق هذه المدينة موجود داخل المدار الحضري ومتواجد خارجه، داخل تراب الإقليم، داخل الجهة، وباقي جهات الوطن، وخارجه: بالشمال الأمريكي، والهند، وأوروبا، من ديانات مختلفة؛ فهؤلاء ولدوا أو ترعرعوا في هذه المدينة ويحبونها فعلا. ولا يمكن الكلام عن وزان دون ذكر دور سدي علي بن أحمد (توفي سنة 1811م) الذي قام بجلب اليهود السيفارديم من القصر الكبير إليها من أجل تنشيط حركتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية عند نهاية القرن 18م، وقام بتدبير شؤون المدينة اعتمادا على مستشاره الفقية الرهوني "بركشة". ولا يمكن الإقلاع لدار الضمانة بالقفز على الموروث الكولونيالي (وتجربة جمعية الدار البيضاء-الذاكرة Casa-mémoire رائدة في هذا المجال(، ونسيان النصارى الذين ولدوا وقاموا بتعليم أبناء المدينة وناحيتها، من معلمين وأساتذة وحتى مساهمات رياضيين وأطقم طبية وتمريضية، ونذكر هنا التجربة الرائدة لكونط Conte التي مازالت آثارها بالمدينة شاهدة رغم تشوهات كثيرة ومستفزة تعرض لها هذا الموروث في غفلة الغيورين. على كل حال فالموروث الكولونيالي واليهودي حاضران بقوة بدار الضمانة، والفضيلة تستدعي سلك منهج الاعتراف بالمدينة كوحدة ترابية متنوعة حتى لا يتم تكريس "الإنسان ذو البعد الواحد"، بلغة هربرت ماركوز. كما أن موروث جبالة، في إحالة القرى المجاورة، حاضر من الزواقين لأسجن، من سدي رضوان لمقريصات، ومن ابريكشة حتى تخوم جبل العلم، لأن المشاركة ليست نظرة ضيقة ولكن رؤية من زوايا متعددة. فدار الضمانة في أساس تكوينها متعددة الأصول والروافد والديانات، وككينونة وتراب مختلفة ومتنوعة ويخولها هذا الحق أن تكون في مركزية الكون وليس على هامش المدن الكبرى.
لا يمكن أن نضع خطاطة تنموية والتنصل من إقحام الرافد اليهودي الذي طبع حياة المدينة والنواحي بحيث مازال الزوار يتوافدون على مركز أسجن (على بعد 9 كلم غرب وزان) دون انقطاع لزيارة ضريح عمران ابن ديوان. يأتون أفواجا من كل بقاع العالم لإحياء ذكرى "هيلولة" والتبرك ببركته. واليهود الذين ولدوا وترعرعوا بالمدينة لهم حنين خاص لوزان: للملاح، لبوهلال وللعلاقات الاجتماعية التي كانت إلى سنوات خلت تجمعهم مع وزانيين مسلمين. هل يعقل أن نضع خطاطة تنموية أو برنامج عمل بالاعتماد فقط على رأي الساكنة المتواجدة داخل المدار الحضري؟ أو المتواجدة داخل حدود التراب الوطني؟ في وقت أصبح مغاربة العلم يشكلون الجهة 13 بحسب بعض الآراء. هل يمكن تشخيص وضع ما ترابي بدون إشارة إلى كل الروافد التي شكلت الهوية المحلية ومنها الرافد اليهودي بالنسبة لدار الضمانة؟ هل وضع هذه الخطط والبرامج منهجيا منسجم مع المستجدات الدستورية ل 2011؟ ويستلهم روح قانون الجماعات الترابية كما تم تعديله في السنوات الأخيرة باعتباره يسمح بإبرام شراكات مع الداخل والخارج؟ فكما نعلم فقد جاء في ديباجة الدستور المغربي أن "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية." كما احتفظ قانون 17.08 الصادر سنة 2009 بالتنصيص في مادته: "المجلس الجماعي يقوم بجميع أعمال التعاون والشراكة التي من شأنها أن تنعش التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجماعة، وذلك مع الإدارة والأشخاص المعنوية الأخرى الخاضعة للقانون العام (...)، ويدرس ويصادق على اتفاقيات التوأمة والتعاون اللامركزي، ويقرر الانخراط في أنشطة المنظمات المهتمة بالشؤون المحلي". يمكن أن نضع بين يدي القارئ لهذه الملاحظات الجانبية إدراكات الوزانيين من أصول يهودية أو نصرانية كما يمكن الاطلاع على بعض النماذج بتصفح بعض المواقع ومنها موقع "فروم دفينةForum Dafina" ، ومواقع أخرى لأجانب ولدوا، أو ترعرعوا، أو عاشوا، ومارسوا عملهم بهده المدينة (انظر موقع Penser Bibi). وبالتالي فبرنامج التنمية للجماعة الحضرية لوزان كانت فيه اجتهادات مهمة مبنية على استشارات واسعة مع أطر وفعاليات وزانية خارج المدينة، لكن التشخيص يظل قابلا للنقاش في غياب توسيع الرؤيا ووضع المدينة في إطار دولي وشمولي لأن الهوية المحلية مركبة تشكلها عدة ملل ونحل يقتضي من ناحية المنهج توسيع هذا الأفق انسجاما مع دستور 2011 ومع رغبة المدينة في الانفتاح على العالم.
وإذا كانت بعض مكاتب الدراسات يهمها تقديم الخبرة والاستشارة التقنية فإن الوضع الحالي يتطلب مباحث أكثر شمولية وعمقا تتجاوز ما بات يعرف بالاستشارة تحت الطلب، يتحتم اليوم الاستعانة بالدراسات الأكاديمية تجمع بين: التاريخ المحلي، الاقتصاد، القانون، الأدب، الأنثروبولوجيا، علم السياسة، الجغرافيا، علم الاجتماع، والفن....، فمن شأن ذلك أن يعزز قناعات النخب الحالية ويفتح أعينها على مقومات داعمة للمدينة ولساكنتها، تكسر من خلالها الحواجز النفسية التي أدخلت التجمعات البشرية في دوائر مغلقة وكأن هذه التجمعات لا تاريخ لها ولا حق لها في أفق يتسع للجميع. فكيف يمكن تحويل وزان كمدينة على "الهامش" أو كما يقال عنها "منسية،" فتصبح في قلب الحدث وتصنع لنفسها وجهة مستقطبة عوض التسلح الدائم بخطاب الشكوى الذي عمر لأزيد من نصف قرن دون جدوى؟ بعبارة أخرى ومباشرة هل النخبة الحالية تمتلك الجرأة للقيام بإحداث صدمة والدعوة للتأسيس للمشترك الحضاري بين الثقافات الثلاثة أو أكثر؟
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى الهوية الترابية والاجتماعية التذكير بأهمية الرافد الأندلسي الموريسكي بدار الضمانة والقرى المجاورة، والذي تجاهلته الكتابات التي تناولت تاريخ وجغرافية المدينة، ويمكن أن أحيل القارئ على مراجع للمرحوم السيد عزوز حكيم، ولمحمد داوود، ولأبي العباس أحمد الرهوني، جاء ذكرهم في مؤلفنا (أب في الذاكرة: الإخلاص للقرية والوفاء للأندلس، 2021)، مقدما بإيجاز نموذجين لتأثير الرافد الأندلسي الموريكسي بوزان هما: الأول مكاني: حي الرويضة بوزان: حسب الباحث المرحوم عزوز حكيم (أطلس صدر له بمناسبة مرور 400 سنة على طرد الاندلسيين، طبع بشفشاون سنة 2009 ص: 117) فالرويضة عائلة غادرت مقر إقامتها بمقاطعة رغون Aragon خلال الهجرة الأندلسية الخامسة واستقرت بشمال المغرب سنة 1609م. المثال الثاني لأسرة غراندي: فأصلها حسب إفادة عزوز حكيم وغيير موغوثالبيس في مؤلفه "الموريسكيين في المغرب"، من غرناطة. وعليه فالرافد الأندلسي حاضر بقوة في تكوين الهوية المغربية والوزانية مع استحضار اليهود السفارديم الذين عاشوا بوزان ومرتبطون بها على الدوام.
– خاتمة
خلاصة القول فإن مسألة المشاركة وبناء سياسة عمومية حول المشترك يتطلب نقاشا واسعا يتسع لجميع الأفكار والتجارب بإشراك جميع الوزانيين أينما وجدوا، فالتكنولوجيا تسمح بذلك اليوم، ويستدعي الوضع تجاوز الزمن الانتخابي، واستحضار المصلحة العليا، والابتعاد عن القيام بمكياج سطحي فهذا لن يُجدي نفعا. فدار الضمانة تملك كل المقومات لتكون هي الحل لمشاكل الإنسان المعاصر (غيلان خالد، 2021، ص: 215-226) لأن المدن الكبرى تعيش في مأزق ومعرضة لمخاطر عديدة في مقدمتها التلوث والفيضانات، وأخطار السكن العشوائي (بلفقيه محمد، نفس المرجع)، فدار الضمانة مطالبة بالابتعاد عن لعب دور الضحية بأن تكون فاعلة مكملة للمدن الساحلية الكبيرة باحتضان زوارها وتوفير لهم ظروف الراحة والاستجمام. يمكن لسكان الساحل أن يستفيدوا من هوائها النقي القادم من المحيط والبحر المتوسط والمشبع بنسيم الغابات والنباتات العطرية والطبية، لوحده امتياز تنافسي لا يُعلى عليه (غيلان خالد، نفس المرجع، ص. 225)، وأزمة كوفيد-19 أثبتت ذلك. لا يمكن أن يكون تراب المحتضن للأشجار المباركة كالتين والزيتون إلا مصدر الشفاء للناس لا سقما. حان لوزان أن تجد لها موقعا متقدما بين المدن الوسيطة، في سياق الأجندات الوطنية والدولية للاستدامة، كإقليم يضع للزوار إرثا طبيعيا غنيا بمواقعه البيولوجية المصنفة، تضم الأشجار المباركة والثقافة المشبعة بالروحانيات، والطبخ الأصيل، والنسيج المتقن البهيج. فمنهجيا الاشتغال على الإنسان وبمشاركته تفاديا للسقوط في تسليع المدينة وبيعها بأي ثمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.