البرلمان الأوروبي الذي يقع مقره الرئيسي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية هو واحد من ثلاث هيئات تمثل السلطة التشريعية في الاتحاد الأوروبي وأحد مؤسساته السبع، ذلك أنه يتولى التشريع جنبا إلى جنب مع مجلس الاتحاد الأوروبي بناءً على اقتراح من المفوضية الأوروبية، إذ يضطلع البرلمان الأوروبي بدور رئيسي في رصد سياسات الاتحاد الأوروبي وتقديم التوصيات إلى مجلس الاتحاد وهيئة العمل الخارجي الأوروبي. مما يجعله المؤسسة الأكثر نشاطا في مجال حقوق الإنسان والأكثر دعما للمجتمع المدني... هذه المؤسسة "أدانت" يوم الخميس 19 يناير 2023 المملكة المغربية بخصوص قضايا حقوقية، بالارتكاز على مغالطات وادعاءات تروج لها جهات معادية للمغرب. ذلك أن مضمون القرار يحمل بين طياتها ثلاثة اتهامات ثقيلة في وجه دولة أبانت عن علو كعبها في المجال الحقوقي من خلال مؤسساته الدستورية، ذلك أن هذه التهم شملت اتهام المملكة المغربية بإرشاء بعض البرلمانيين المنتمين لنفس المؤسسة صاحبة القرار؛ في أفق الدفاع عن مصالحه من خلال ما تم اعتباره بفضيحة "ماروك غايت" التي هي في إطار تحقيقات القضاء البلجيكي، متعهدا بإجراء تحقيق شامل قصد معالجة حالات الفساد التي تورط فيها المغرب سعيا منه للتأثير على قرارات البرلمان الأوروبي. وهو ما يبين بجلاء بأن أعضاء البرلمان الأوروبي يقرون بإمكانية البيع في ذممهم وشرائها حسب قيمة السعر المدفوع لهم بغض النظر عن القضايا التي سيصوتون لها أو ضدها، هذا من حيث المبدأ، أما في ما يخص حيثيات الواقعة فهي مازالت تخضع لتعميق البحث والتحقيق في تمفصلاتها من المؤسسات القضائية الخاصة، مما يجعل أي باحث يستنكف عن الخوض فيها. أما التهمة الثانية فهي مرتبطة بمسألة تجسس المغرب على بعض الشخصيات الأوروبية، وهو ما يثير استغراب التهمة في ظل التطور الرقمي وما يواكبه من إجراءات ومقتضيات خاصة في المجال الجغرافي الأوروبي، ذلك أن هذه التهمة ليست بالجديدة بل كانت تقارير إعلامية واسعة أشارت إلى احتمال تورط الرباط في استخدام برنامج "بيغاسوس" التجسسي لاستهداف هواتف شخصيات عامة من بينها الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، فضلا عن صحافيين ونشطاء حقوقيين وسياسيين. وفي هذا الإطار كلف المغرب السيد: "أوليفييه باراتيلي" لمتابعة قضية اتهامات التجسس من خلال رفع دعوتين مباشرتين بالتشهير ضد منظمتي "فوربيدن ستوريز" والعفو الدولية على خلفية اتهامهما الرباط بالتجسس باستخدام البرنامج الذي طورته شركة "إن إس أو" الإسرائيلية. أما ثالث التهم الموجهة إلى المملكة المغربية فقد ارتبطت بالتضييق على حرية الصحافة وحرية التعبير وحقوق الإنسان، بحيث تم انتقاد تدهور حرية الصحافة في المغرب، من خلال التركيز على ثلاث حالات استأثرت باهتمام كبير من طرف الرأي العام الوطني والدولي وهي "توفيق بوعشرين"، المدير السابق لجريدة "أخبار اليوم"، الذي تم الحكم عليه ب 15 سنة، ثم عمر الراضي، وهو صحافي استقصائي، تم الحكم عليه بست سنوات بالتجسس والاغتصاب، وسليمان الريسوني، الذي كان رئيس تحرير، جريدة "أخبار اليوم"، وتم الحكم عليه بخمس سنوات بتهمة محاولة الاغتصاب. وركزت التوصية على باقي المعتقلين ومنهم معتقلو الحراك الريفي وعلى رأسهم ناصر الزفزافي. غير أن هذه التهمة الأخيرة هي ما فضحت انحراف المؤسسة التشريعية عن مقاصد قيامها، إذ تضمنت مزاعم خطيرة تستهدف استقلال السلطة القضائية، من خلال تحريف الوقائع والتشكيك في شرعية وقانونية الإجراءات القضائية المتخذة بشأن قضايا بعضها صدرت فيها أحكام باتة، والبعض الآخر مازال معروضا على أنظار القضاء. ذلك أن المغرب قطع أشواطا جد مهمة في السنوات الأخيرة في مجال تكريس استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية منذ سنة 2017، فضلا عن التجسيد الدستوري لاستقلال السلطة القضائية بمقتضى نص دستور 2011 والذي تم على إثره إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية سنة 2017، وذلك في توافق مع المعايير الدولية في مجال استقلال القضاء، فضلا عن حذف المغرب منذ سنة 2016 العقوبات السالبة للحرية في حق الصحفيين من قانون الصحافة. وعليه؛ فإن الأشخاص الواردة أسماؤهم في القرار المذكور استفادوا من جميع ضمانات المحاكمة العادلة المقررة دستوريا تطبيقا للفصول 23 و24 و28 و119 و120 من الوثيقة الدستورية المغربية لسنة 2011، وما تم تفصيل مقتضياته في البنود القانونية الخاصة، ومن بينها تمتعهم بقرينة البراءة، وحقهم في الدفاع والحصول على جميع وثائق القضية، والمحاكمة العلنية الحضورية، واستدعاء الشهود ومناقشتهم، وإجراء الخبرات القضائية، وممارسة الطعون، وغيرها من الضمانات الأخرى التي يتضمنها القانون المغربي كما هي منصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها من طرف المملكة. علما أن مختلف هذه القضايا غير مرتبطة بأنشطة شخوصها المهنية أو بممارسة حرية الرأي أو التعبير التي يضمنها الدستور والقانون، وإنما اقتصرت التهم الموجهة إليهم بما له صلة بقضايا الحق العام، من قبيل الاتجار في البشر والاعتداء الجنسي واستغلال هشاشة الأشخاص وهي أفعال تجرمها مختلف قوانين العالم. أما من حيث التصويت على القرار، ومن منطلق تركيبته يتكون البرلمان الأوروبي من 705 أعضاء منتخبين بالانتخاب المباشر. وبالرجوع إلى القرار فقد صوّت لفائدته 356 عضوا من أصل مجموع البرلمانيين الحاضرين البالغ عددهم 430 عضوا، بينما رفضه 32 برلمانيا وامتنع 42 نائبا عن التصويت، مع عدم حضور 275 نائبا. مما يجعل مجموع مؤيدي القرار لا يتعدى نصف البنية العددية لمجموع نواب البرلمان. مما يجعل مخرجات التصويت لا تعبر عن موقف يحقق الإجماع الأوروبي حول قضايا حقوقية مغربية، مما يجعلنا نتساءل عن سبب غياب العدد الهائل من النواب... وتأسيسا على ما سبق يمكن التأكيد على: – أن المؤسسة التشريعية الأوروبية تروم من خلال تهمها هاته إلى البحث عن كيفية فرض وصاية حقوقية على المغرب، خدمة لمصالح دول معادية له تحركها أجندات وتيارات تسعى بكل الطرق للنيل من سمعته الدولية؛ – القرار لا يمت بصلة لحقوق الإنسان، نظرا لازدواجية المعايير بحثا عن حرية التعبير وإن كانت على حساب هتك أعراض المحيطين بالصحفيين؛ – القضاء المغربي هو المؤسسة الوحيدة المخول لها دستوريا، طبقا للفصل 117 من الدستور، حماية حقوق الأفراد والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي. وهو ما يكشف عن النزعة الاستعلائية التي طبعت القرار، والتعالي الذي أبان عنه البرلمان الأوروبي تجاه المؤسسات الوطنية؛ – المغرب الذي يحمي أمن القارة الأوروبية من الإرهاب والجريمة المنظمة، كفيل بضمان المحاكمة العادلة لأبنائه؛ إذ أن عزم المملكة على صيانة استقلالية قرارها وتحصين سيادتها ووحدتها الوطنية والترابية لا يعادله إلا حرصها الكبير على مواصلة إقرار الحقوق والحريات الدستورية ومعالجة كل الإشكالات المرتبطة بها؛ – القرار سيؤثر سلبا على منسوب الثقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، كما سيقوّض أسس التعاون المؤسساتي، إذ يعد تطاولا على سيادة وحرمة واستقلالية مؤسسات دولة ذات سيادة.