في عز حرارة الصيف، وبينما يظن الناس أن فصل الشتاء وحده هو موسم نزلات البرد والإنفلونزا، تظهر حالات متعددة لأشخاص يعانون من أعراض شبيهة بتلك المعروفة خلال أشهر البرد: صداع، آلام في المفاصل، حرارة مرتفعة، إرهاق عام، وسعال أو انسداد في الأنف. هذا التداخل في الأعراض يثير التساؤل حول ما إذا كانت هذه الحالات تعني فعلا الإصابة بالإنفلونزا الموسمية في فصل الصيف، أم أن هناك تفسيرات طبية أدق لهذه الظواهر الصحية. أكد الطيب حمضي، الباحث في السياسات والأنظمة الصحية، في تصريح ل"رسالة24″، أن فيروس الإنفلونزا الموسمية والمعروف بكونه فيروسا شتويا، ينشط بشكل أساسي في نهاية فصل الخريف وطوال فصل الشتاء، أي في أشهر نونبر وشتنبر ويناير، وهي الفترة التي تسجل فيها أعلى معدلات الإصابة على مستوى العالم. ويرجع هذا الانتشار الموسمي إلى عوامل مناخية وبيئية، إضافة إلى أن الفيروس يجد في برودة الطقس بيئة مناسبة للبقاء والانتقال بسهولة بين الأشخاص. ولهذا، فإن ما يعرف بالإنفلونزا الموسمية يرتبط فعليا بزمن معين من السنة ونادرا ما يظهر خارج هذا الإطار الزمني. صحيح أن فيروس الإنفلونزا قد يبقى في المجتمع طيلة السنة، لكن الحالات التي تسجل خارج موسمه تكون غالبا معزولة ولا تؤدي إلى موجات تفش. في المقابل ما يقع خلال الصيف ويشعر به الناس على أنه إنفلونزا، يكون في الغالب ناتجا عن أسباب أخرى فالطب يميز بين الإصابة الحقيقية بفيروس الإنفلونزا، وبين ما يسمى ب"المتلازمة الشبيهة بالإنفلونزا"، وهي مجموعة من الأعراض التي تحاكي الإنفلونزا دون أن يكون السبب هو نفس الفيروس. هذه الأعراض تشمل ارتفاعا طفيفا في درجة الحرارة، الصداع، الإرهاق، ألم العضلات، احتقان الحلق أو الأنف، وقد تمتد إلى أعراض هضمية خفيفة. وأوضح حمضي، أبرز الأسباب التي تؤدي إلى هذه المتلازمة في الصيف هناك الفيروسات المعوية، التي تعرف شعبيا ب"الأنفلونزا المعوية"، رغم أنها لا تنتمي أصلًا إلى عائلة فيروس الإنفلونزا. هذه الفيروسات مثل "النوروفيروس" أو "الروتا فيروس" تسبب أعراضا شبيهة في بدايتها بالإنفلونزا ثم تتطور لتشمل الغثيان، الإسهال، والتقيؤ. وهذا النوع من العدوى أكثر شيوعا خلال فصل الصيف ويرتبط في كثير من الأحيان بسوء حفظ الطعام أو تلوث المياه. إضافة إلى ذلك، لا يزال فيروس كوفيد-19 نشطا في بعض المناطق والفترات، حتى خلال الصيف، وقد يسبب أعراضا تتقاطع بشكل كبير مع أعراض الإنفلونزا، من ارتفاع الحرارة، إلى الصداع، إلى آلام العضلات، وهو ما يزيد من الارتباك لدى الناس. هذه التشابهات تؤكد أهمية التمييز بين مختلف أنواع العدوى وعدم الاعتماد على التشخيص الذاتي بناء على الأعراض فقط، بل على التقييم السريري والتحاليل المخبرية عند الضرورة. واوضح المتحدث ذاته، أن ما يشعر به كثير من الناس خلال الصيف من تعب عام أو نزلات برد مصحوبة بأعراض حادة، هو في الغالب نتيجة عدوى فيروسية أخرى غير الإنفلونزا، ولكنها تحمل أعراضا مشابهة، لذلك يستعمل الأطباء مصطلح "متلازمة شبيهة بالإنفلونزا" وليس الإنفلونزا ذاتها من هنا، فإن تأكيد التشخيص يبقى أمرا بيد الأطباء المتخصصين خاصة في حالة استمرار الأعراض أو اشتدادها إذ قد يكون الأمر مرتبطا بعدوى أخرى تستدعي تدخلا علاجيا دقيقا. وفي الختام يؤكد حمضي، على ضرورة نشر الوعي حول أن الإنفلونزا الموسمية لها موسم معروف، ونادرا ما تظهر في الصيف، وأن ما يشبهها في هذا الفصل غالبا ما يعود لفيروسات أخرى، ويبقى الحرص على النظافة، والتغذية السليمة، والراحة، أساسا للوقاية من مختلف هذه الحالات، إلى جانب عدم التردد في استشارة الطبيب عند أي طارئ صحي غير معتاد.