بعد نشر مقال الشذوذ ، وصلتني بعض الرسائل من القراء الأعزاء الذين تكرموا بالتواصل معي منها ما هو طريف، ومنها ما حمل نقاشات وازنة لموضوع الشذوذ الجنسي عن الذكور والإناث، ومنها ما حمل كل أنواع السب والشتم ردا على ما جاء في المقال. وسأورد بعض النماذج من الرسائل بغرض إثراء النقاش حول هذا الموضوع الشائك مما يمكن إيراده في هذا المجال، بالنظر إلى أن كثيرا من الرسائل حملت ألفاظا غير لائقة ولا يصح جرح مشاعر القراء الأعزاء بنشرها.. معتذرا مسبقا عما قد تثير بعض مقتطفات تلك الرسائل من حرج لدى البعض، لكن هدفي الأساسي منها هو عرض وجهات النظر المختلفة حول الموضوع وأخذ صورة واضحة عنه.. كما أعتذر لأصحاب الرسائل في بعض التدخل الضروري فيما كتبوا للحفاظ على الذوق العام دون المس بالمعنى بطبيعة الحال.. وأشكر كل من راسلني وشكرني على كتابة الموضوع، وأخبرهم أن تواصلهم معي كرم ما بعده كرم، سائلا الله تعالى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم.. "" واخترت ختم المقال برسالة طويلة مؤثرة حقيقة لمواطن مغربي عانى من الشذوذ وكان قاب قوسين أو أدنى من الإصابة بمرض السيدا... ولنبدأ معا في تصفح الرسائل... قارئ ظريف سمى نفسه "عبد الله" (38 سنة) ذكر في رسالته أنه قبل زواجه كان زبونا وفيا لبائعات الهوى "وأؤكد لك يا سيد حموش أنهن كلهن كن يرفض الممارسة من الدبر لوعيهن بمخاطرها الكبيرة على صحتهن". السيد عبد الله يضيف "إحداهن أخبرتني أنه كانت لديها صديقة عزيزة توفيت بعد أن أصيبت بمرض غامض جراء ممارساتها الجنسية المختلطة والمتعددة من الدبر". في السياق نفسه، يشرح قارئ من مدينة مكناس، سمى نفسه "الحطيئة" في رسالته "كانت لي ثلاث تجارب مع بنات الليل، والثلاثة رفضن الممارسة الخلفية وقلن لي إن الخطر كبير".. ويضيف صاحبنا قائلا "واحدة اسمها لطيفة أخبرتني أنها أمضت ليلة حمراء مع طبيب متخصص في التوليد أكد لها أن الممارسة الخلفية تصيب المرأة بأمراض خطيرة، ولست أدري كيف تغيب هذه الحقيقة عن هؤلاء الشواذ الذين يحبذون الممارسة الخلفية ولا يشعرون بخطورتها". رسالة السيد الحطيئة طويلة ويصعب إيرادها كلها، لكن ختمها بنصيحة مثيرة قال فيها "أتمنى لو أنصح كل من يريد ممارسة اللواط أن يبحث عن أقدم شاذ جنسي ويطلع على حالته الصحية والنفسية ويأخذ قراره بعد ذلك".. "عمر" مهاجر مغربي من بروكسيل بعث برسالة طريفة قال فيها "من خلال اطلاعي على كوارث الشذوذ الجنسي بين البلجيكيين والعرب عرفت أن عشرات منهم يضعون الحفاظات (ليكوش) في مرحلة متقدمة من عمرهم لأن الله تعالى لم يجعل الممارسة الجنسية تتم من الخلف والخلف ليس مهيئا لذلك بالمرة"... بدون تعليق! السيدات بدورهن تكرمن بالتواصل حول الموضوع، إحداهن أرسلت رسالة طويلة تتحدث فيها باستغراب شديد عن الشواذ من الذكور وتقول "أكاد أتقيأ وأنا أرى صورهم وهم يتغنجون أكثر من الأنثى نفسها... هذه مصيبة وكارثة".. الجميل في الرسائل السابقة هو الصراحة، والصراحة تبدأ بين المرء ونفسه أولا: هل أنا سعيد بهذه الممارسة الشاذة؟.. لذلك فالإقرار بعدم "الراحة" مع الشذوذ هي بداية العلاج من هذا المرض.. وهذا ما قلته لقارئين كريمين بعثا برسالتين كلهما شتم وسب لشخصي المتواضع، واتهماني بأني لا أعرف شيئا عن الشذوذ ووصفا موقفي باعتباره مرضا "تخلفا ورجعية مقيتة".. قلت لهما إن كل دراسات الأرض التي تثبت خطر الشذوذ وخطأه ومخالفته للفطرة السليمة لن تقنع شخصا يرى فيه حرية شخصية.. بل ويرى فيه حقيقة علمية اعتمادا على آراء بعض الموافقين على الشذوذ من الباحثين.. لكن الشاذ جنسيا أو السحاقية كل ما عليه هو الاختلاء بنفسه وسؤالها: هل أنا مرتاح مع هذا الفعل؟ هل هذا طبيعي؟ هل أستطيع الافتخار به أمام الناس؟.. وجواب كل شخص لنفسه هو من سيحدد موقفه ومصيره، أما الادعاء بأن في إمكان عبد ضعيف مثلي أو غيري إقناع شاذ بأنه مريض فهذا أمر مستحيل.. وهذا ما توافقت عليه رسالتان كان لهما بالغ الأثر في نفسي.. كلاهما لشخصين ابتليا بداء الشذوذ.. لكن يعترفان أنه مصيبة ألمت بهما وكادت تؤدي بهما إلى الانتحار لولا لطف الله، وهما يبحثان في صمت وتوار عن الأنظار عن الحل... وهل هناك حل أصلا.. أحدهما يسكن بإسبانيا أجاب عمليا عن هذا السؤال واخترت إيراد رسالته كاملة مع بعض الحذف للاختصار لأهميتها، قال بالحرف "مارست الشذوذ طويلا في المغرب ولأهرب من الجحيم هاجرت إلى إسبانيا حتى لا يعرف أهلي بالمصيبة... كنت أبكي طول الوقت، وأندب حظي، وأكاد أجن... الشذوذ دمر حياتي وجعلني شبه إنسان.. عمري 44 سنة وليس لدي لا زوجة ولا أولاد وكل ما لدي مؤخرة لم تعد تؤدي وظيفتها وأصبحت منبع معاناتي وجنوني". ويشرح السيد الذي لقب نفسه بالضائع قائلا "أكثرت من الصلاة وقراءة القرآن والصلاة داخل المساجد وأدعو الله أن يعافيني من هذا المرض... لكن دون جدوى.. بقيت على هذا الحال سنوات حتى نهاية 2006". ترى ماذا حدث في هذا التاريخ؟ يضيف موضحا: "الكابوس بدأ حينما علمت من أحد معارفي بمدريد أن صديقا مشتركا لنا ثبت أنه مصاب بداء السيدا.. هذا الشخص بالضبط كان يمارس الشذوذ معي لشهور عام 2000 قبل أن يشب بيننا خلاف افترقنا بعده.. دارت الأرض من حولي لما سمعت الخبر ولم أعد أشعر بالرغبة لا في الأكل ولا في أي شيء.. دمت على هذا الحال أسابيع طويلة وأنا أبكي ليل نهار وأندب حظي وكنت أعتقد أنني مصاب بالداء نفسه.."... باختصار شديد قرر "الضائع" في نهاية المطاف وبعد تردد كبير اللجوء إلى مختبر للتحليلات الطبية وأجرى تحليلا عن الإيدز.. فماذا كانت النتيجة؟ لندعه يكمل في رسالته المؤثرة "الثواني التي قضيتها في انتظار التحليلات كانت بمثابة مئات السنين... كل شيء توقف في نظري وعلامات اليأس كانت تحيط بي من كل جانب.. حتى خطوات الموظفة بالمختبر وهي تحمل لي ملف التحليلات ظهرت لي أنها خطوات ثقيلة جدا وأنظاري معلقة بوجهها علني ألمح من قسماته ما يدل على النتيجة.. دون أن أشعر أخذت الملف منها بقوة واطلعت على التحليل فإذا بالنتيجة كانت "سلبي"... الحمد لله".. استلقيت على الكرسي وبدأت أبكي بحرقة وسجدت لله شكرا وهنأتني الموظفة ونصحتني باستعمال العازل الطبي إلخخخخخخ.. كان نزولي من درج المبنى ثابتا وواضحا مثلما كان القرار قد اتضح في ذهني نهائيا".. والقرار فعلا كان واضحا "عدت إلى منزلي أخذت دشا باردا وطهرت نفسي وتوضأت للصلاة وصليت كثيرا حتى دون أن أعد عدد الركعات، وتصدقت ببعض ما لدي من المال على مهاجرين أفارقة، وحسمت مع موضوع الشذوذ وقررت توديعه إلى الأبد... اتصلت بمجموعة من الفقهاء ونصحوني بالتوبة وقالوا لي إن الله غفور رحيم ويغفر كل الذنوب ونصحوني بتغيير المحيط والأصدقاء... وبفضل ذلك ومنذ نهاية 2006 وحتى الآن نسيت الشذوذ الذي كان يخيل إلي أنني لن أنتهي منه أبدا، وبدأت أعود لطبيعتي كرجل مرة أخرى... وبدلت أصحابي بناء على نصيحة العلماء، ووجدت في رفقة من الشباب الذي يعمل بكد وجد خير رفقة.. وسط كل هذا الزحام من الأحداث لأول مرة بدأت أشعر برغبة عارمة في الأبوة.. ولا أخفيك أنني أرغب في الزواج لكن الفكرة ترعبني حقا.. لكن قررت عيادة دكتور نفسي متخصص وأخبرني أن مشكلتي نفسية وستعود الأمور إلى مجراها تدريجيا... لدي الآن سيدة في مقر العمل أشعر بأنها الزوجة المناسبة وأنا مرعوب منها كلما تكلمت معها وأخاف هل أصارحها أم لا، وهي تحترمني وأنا متأكد أنها معجبة بي... لكن في جميع الأحوال ثقتي في الله كبيرة، وأنا متأكد أنني سأتزوج وأمتع نفسي بإحساس الأبوة.. والطريق سيبدأ من جديد"... انتهت رسالة "الضائع" الذي يحق له أن يغير لقبه، ويسمي نفسه "المهتدي".. ومن جهتي لا يسعني إلا أن أدعو له بالتوفيق وبالزوجة الصالحة والذرية الصالحة، وقصته فيها عبرة لمن أراد أن يعود إلى إنسانيته وطبيعته، ويتجنب مهاوي الردى باتباعه تيارات الحيرة والانتحار.. [email protected]