برلمانية تجمعية تنوه بدور "فرصة" و"أوراش" في الحد من تداعيات كورونا والجفاف على التشغيل    الملك محمد السادس: قلوبنا تدمي لوقع العدوان على غزة    حكومة أخنوش في مرمى الانتقاد اللاذع بسبب "الاتفاق الاجتماعي"    فرنسا.. قتيل وجريح في حادث إطلاق نار في تولوز    فينيسيوس أفضل لاعب في المربع الذهبي لدوري الأبطال    استيراد الأضاحي سيفيد المنتجين الاوروبيين اكثر من المستهلكين المغاربة    لقجع: لو تدخلت في تعيين الحكام لفاز المغرب ب"الكان"    ابتدائية مراكش تصدر أحكامها في قضية وفاة فتاة بإحدى الفيلات الراقية والجمعية تستنكر الأحكام المخففة    ارتفاع حركة النقل الجوي بمطار الداخلة    قطر تدرس مستقبل "حماس" في الدوحة    "دعم السكن" ومشاريع 2030 تفتح صنابير التمويل البنكي للمنعشين العقاريين    تعيينات جديدة فال"هاكا".. وعسلون بقى فمنصب المدير العام للاتصال    سمرقند تحتضن قرعة مونديال الفوتسال    بونو يقترب من رقم تاريخي في السعودية    تونسيون يتظاهرون لإجلاء جنوب صحراويين    مادة سامة تنهي حياة أربعيني في تزنيت    تتويج الفائزين بالنسخة الثانية من جوائز القدس الشريف للتميز الصحافي في الإعلام التنموي    تحديات الذكاء الإصطناعي.. وآليات التوجيه    كأس الكونفدرالية الافريقية .. طاقم تحكيم كيني يدير مباراة نهضة بركان ضد الزمالك    هل تبخر وعد الحكومة بإحداث مليون منصب شغل؟    العصبة المغربية لحقوق الإنسان تدعو لحماية الصحفيين وتوسيع مجال الحرية        توقيف شخصين في إسبانيا بتهمة تهريب عملات مغربية تاريخية بوثائق مزورة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    الوكالة الحضرية لتطوان تواصل جهود تسوية البنايات غير القانونية    106 مظاهرات في عدة مدن مغربية لدعم غزة والإشادة بالتضامن الطلابي الغربي    صناديق الإيداع والتدبير بالمغرب وفرنسا وإيطاليا وتونس تعزز تعاونها لمواجهة تحديات "المتوسط"    عبد النباوي كيطالب من المحامين باش يساهموا فمكافحة جرائم "غسل الأموال" وبغا يكون التزام أخلاقي ومهني على تقييم المخاطر    سيناريو مغربي ضمن الفائزين بالدعم في محترفات تطوان    كنوز أثرية في تطوان.. فيسفاء متولوجية وأمفورات ونقود قديمة    بطل "سامحيني" يتجول في أزقة شفشاون    تحدث عن إمكانية ترشحه لرئاسته.. لقجع: طموحاتي أكبر من الواقع الحالي ل"الكاف"    صندوق الإيداع يشارك في اجتماع بإيطاليا    مهرجان الدراما التلفزية يفتتح فعاليات دورته ال13 بتكريم خويي والناجي (فيديو)    صديقي يزور مشاريع تنموية لقطاع الورد العطري بإقليم تنغير    وزير العدل طير رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية فتاونات بعد فضيحة اختلاس 350 مليون من الصندوق    انتهى الموضوع.. طبيب التجميل التازي يغادر سجن عكاشة    "موج أزرق" للتشكيلي يوسف سعدون يغرق رواق محمد الدريسي بطنجة    نفي وتنديد بتزوير باسم " الأيام24″    بمشاركة مجموعة من الفنانين.. انطلاق الدورة الأولى لمهرجان البهجة للموسيقى    وزيرة المالية تجري مباحثات مع أمين عام منظمة "OECD"    مؤجل الدورة 26.. المغرب التطواني في مواجهة قوية أمام نهضة بركان    إلغاء الزيادات الجمركية في موريتانيا: تأثيرات متوقعة على الأسواق المغربية    الصين تطلق المركبة الفضائية "تشانغ آه-6" لجمع عينات من الجانب البعيد من القمر    تقرير أمريكي يكشف قوة العلاقات التي تجمع بين المغرب والولايات المتحدة        كيف تساعد الصين إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية؟    أزيلال.. افتتاح المهرجان الوطني الثالث للمسرح وفنون الشارع لإثران آيت عتاب    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    الأمثال العامية بتطوان... (589)    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن وفرنسا..
نشر في هسبريس يوم 02 - 03 - 2024

كل المؤشرات تدلّ على وجود مساع حثيثة نحو إنعاش العلاقات المغربية الفرنسية بعد سنوات من التوتر والفتور، أقدمت فيها فرنسا على قرارات أضرّت بمصالح المغرب، كما أظهر فيها المغرب مواقف صلبة ومبدئية تعتمد منطق التعامل الندّي مع المستعمر السابق.
تصريح السفير الفرنسي بالرباط السيد كريستوف لوكورتييه، بأن التدابير التي اتخذتها فرنسا سابقا في موضوع التأشيرات "كان خطأ"، وتأكيده أخيرا في موضوع الصحراء على أنه سيكون "من قبيل الوهم تماما وعدم الاحترام، الاعتقاد بأننا سنبني ما آمل أن نكون قادرين على بنائه، لبنة تلو الأخرى، من أجل طمأنينة بلدينا وبعض الجيران الآخرين، دون توضيح هذا الموضوع"، مضيفا بوضوح أكبر: "كيف يمكننا أن ندعي أن لدينا هذه الطموحات دون الأخذ بعين الاعتبار الانشغالات الرئيسية للمملكة بشأن هذه القضية". وإذا أضفنا أن هذه التصريحات جاءت أياما فقط قبل الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي حاليا لنظيره المغربي، فيمكن القول إنها كلها إشارات تدلّ على وجود نية حسنة للتقارب من جديد وطيّ صفحة الخلافات السابقة، التي فجّرتها قضية برنامج التجسس "بيكاسوس" وأحداث أخرى، كما تدلّ على أن العلاقات التاريخية التي ربطت المغرب بفرنسا على الأقل طوال المائة عام الماضية، لا يمكن أن تمحوها بعض التوترات العابرة.
ولا يخفى أن ما يدفع فرنسا على الخصوص إلى نوع من التقارب الحتمي مع المغرب هو مجموعة من العوامل أولها التوترات الإقليمية بمنطقة الساحل، والتي عرفت تصاعد الاحتجاج ضدّ فرنسا في العديد من مستعمراتها السابقة بإفريقيا جنوب الصحراء، خاصة بعد الانقلابات العسكرية المتتالية التي رافقها تهييج كبير للجمهور ضدّ الدولة الفرنسية التي أصبحت مطالبة بالرحيل الفوري، وكذا الخلافات بين البلدان المغاربية وتزايد التوتر بين المغرب والجزائر والذي وصل إلى حدّ قطع العلاقات، خاصة بعد توقيع المغرب على الاتفاقية الثلاثية مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وبروز وانتشار نوع من الموقف النقدي الحادّ في صفوف الأفارقة جنوب الصحراء أبان عنه بوضوح مؤتمر القمة بين فرنسا وإفريقيا المنظم في شهر أكتوبر 2021، والذي وجه فيه شباب المجتمع المدني الإفريقي انتقادات مباشرة وشديدة اللهجة لفرنسا بحضور الرئيس الفرنسي، مطالبين بانتقال فرنسا من الوصاية و"الأبوة" إلى "الاحترام" لإفريقيا والأفارقة، مع تركيزهم على مقدار "الضرر" الحاصل من "دعم فرنسا للاستبداد" في القارة السمراء.
وفي المقابل فقد رافق كل هذه الوقائع بروز طموح مغربي كبير للعب دور ريادي بالمنطقة عبّرت عنه الرباط من خلال مبادرات اقتصادية هامة لصالح دول الساحل، جعلت المغرب في وضع أفضل بكثير مقارنة بفرنسا والجزائر التي وُجّهت لها بدورها اتهامات بتدخلات في الشأن الداخلي لكلّ من مالي والنيجر.
وبصدد العلاقات المغربية الفرنسية فقد ازدادت توترا بعد قرار فرنسا حرمان 70 في المائة من المغاربة من "الفيزا"، ورفض المغرب قبول المطرودين من فرنسا وهم في وضعية غير نظامية، وزاد من توتر العلاقات بين البلدين التقارب الذي أعلن في لقاء قمة بين الرباط ومدريد، مما جعل المبادلات مع فرنسا تتراجع نسبيا مقارنة بإسبانيا.
وقد أظهر المغرب بجانب ذلك مساع مكثفة لتسوية خلافاته مع كل من هولندا وألمانيا دون اتخاذ الإجراءات نفسها مع الجانب الفرنسي، لتأتي زيارة الرئيس ماكرون للجزائر بعد ذلك وتساهم في توسيع الشرخ بين البلدين.
وعلى الصعيد الاقتصادي فقد أصبح بارزا في تصريحات الخبراء الاقتصاديين الفرنسيين والإعلاميين اهتمامهم الكبير بمنافسة الشركات المغربية لنظيراتها الفرنسية داخل إفريقيا، ما أثار جدلا واسعا أظهر تزايد الوعي بالطابع الاستغلالي للشركات الفرنسية في إفريقيا، وجاء كردّ فعل له نشر معطيات سلبية بفرنسا حول الفوسفاط والمنتجات الفلاحية المغربية.
وإذا كانت انتفاضة المستعمرات الإفريقية القديمة ضدّ فرنسا تمثل موجة تدخل في باب تصفية بقايا الاستعمار والوصاية الأجنبية، فقد رافق ذلك بوضوح من الجانب المغربي نقد النموذج الفرنسي للدولة الوطنية وإظهار مختلف أوجه الأزمة التي يعاني منها حاليا.
هذه المواقف المتوترة فتحت الباب أمام دور النخب الحكيمة في البلدين، من أجل التفكير في بدائل التصعيد، ومناقشة إمكانات التقارب على أسس جديدة.
لقد صرّح الرئيس الفرنسي ماكرون في لقاء مع سفراء فرنسا سنة 2019 قائلا: "لعلنا نعيش حاليا نهاية الهيمنة الغربية على العالم، الذي يشهد اليوم صعود قوى جديدة طالما استهنا بقدرتها على التأثير". كما عبر خلال قمة فرنسا إفريقيا سنة 2021، عن نفس الفكرة داعيا إلى "الخروج من الصيغ والشبكات القديمة" وإقامة علاقات جديدة مبنية على منطق التبادل والشراكة. وهي تصريحات طالبت القوى المدنية الإفريقية بنقلها إلى حيز التنفيذ من أجل استعادة الثقة بين الطرفين، كما كانت لها أصداء إيجابية لدى النخب المغربية التي مازالت تقرّ بنوع من "الأبوة الثقافية" لفرنسا الأنوار، في مقابل تحفظها على سلوكها الاستغلالي.
من المؤكد أنه كان هناك نوع من سوء تدبير للإرث الاستعماري الفرنسي بالمغرب، حيث استمرّ منطق الدولة الحامية من خلال استغلال اقتصادي وهيمنة ثقافية لعقود، عوض استثمار التاريخ المشترك في بناء علاقات تبادلية منفتحة في صالح الطرفين، وبمنطق رابح رابح.
ويبدو أن البلدين ملزمان معا في الظروف الحالية التي يجتازانها بالانتقال من منطق إثبات الذات أمام الآخر إلى الوعي بالذات وترتيب البيت من الداخل، من أجل اكتساب القوة اللازمة لإصلاح العلاقة مع الآخر. كما أن المسؤولية التاريخية لفرنسا في تشكيل الحدود المغربية الجزائرية، تلزمها حاليا بالقيام بدور أكثر وضوحا وفعالية لإنهاء النزاع المفتعل بين الجارين الشقيقين.
وإذا كان المجالان السياسي والاقتصادي هما الفضاءان الأكثر إجرائية للتوافقات القادمة، إلا أن المجال الثقافي يبقى هو الحقل الأكثر خصوبة لبناء التصورات العميقة لمستقبل مغربي فرنسي أكثر عطاء، إذ عبر البوابة الثقافية يمكن للنخب النشيطة بالبلدين تجاوز أخطاء السياسيين من خلال النزعة الإنسية التي تجعل من الثقافة رافعة لترسيخ علاقة مبنية على الندية والاحترام المتبادل وتقدير الممتلكات الرمزية للطرفين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.