تزخر منطقة وادي نون، التي تقع في أقصى الجنوب الغربي للأطلس الصغير جنوب جبل باني، بمواقع ومآثر تكتسي أهمية أركيولوجية وإثنوغرافية، وذات حمولة ثقافية وعمرانية وحضارية عريقة. ومن بين المعالم التاريخية بالغة الأهمية التي تختزنها هذه المنطقة المعروفة بمسارها التجاري عبر الصحراء، المدينة التاريخية "نول لمطة" بجماعة أسرير الواقعة على بعد 12 كيلومترا شرق مدينة كلميم، التي اشتهرت في عهد المرابطين بزخم تاريخي وعمراني واجتماعي واقتصادي. يكتسي هذا الموقع الأثري الذي تم إدراجه في عداد الآثار، أخيرا، أهمية بالغة بالنظر لما يحفل به من آثار شاهدة على تعاقب حضارات متجذرة بمنطقة وادنون، يعود تاريخها إلى قرون عدة. ووفق المصادر التاريخية والأبحاث الأركيولوجية التي قامت بها بعثات أثرية مغربية إسبانية منذ سنة 1992 بمنطقة أسرير، فإن مدينة "نول لمطة" تعد من أهم المدن الوسيطية التي شكلت خلال القرون الوسطى أقدم المراكز الحضرية في الجنوب المغربي، ونقطة لعبور القوافل التجارية القادمة من شمال إفريقيا في اتجاه بلاد السودان، وكذا ملتقى لقبائل والصحراء وسوس. هذا الموقع الأثري الذي يعود إلى 11 قرنا، كان يتوفر على مبان عدة، منها قلعة كبيرة تعرف لدى ساكنة المنطقة ب "أكويدير" تقع على سلسلة من التلال الصخرية لم يتبق منها اليوم سوى بقايا من أسوار كأطلال متناثرة ستظل شاهدة على عراقة مكان يفوح منه عبق التاريخ وعظمة حضارة ونمط عمراني فريد. كما اشتهرت مدينة "نول لمطة" التاريخية التي شكلت على مدى التاريخ ملتقى للحضارات والتلاقح الثقافي، بصناعة معدات قتالية، منها الدرع اللمطي "الدراق"، وهو درع صغير خفيف وصلب يستعمله الفرسان مصنوع من جلد حيوان المها الأبيض (غزال) الذي كان منتشرا بالمنطقة، بالإضافة إلى أن المنطقة كانت تتوفر على دار لسك العملات المعدنية، وخاصة الدينار المرابطي. هذا الغنى العمراني والتاريخي والاقتصادي لموقع "نول لمطة" مكن من إدراجه في عداد الآثار الوطنية. ونول لمطة الأثرية أول مدينة تاريخية يتم تصنيفها ضمن الآثار الوطنية على مستوى جهة كلميم وادنون. وجاء إدراج هذا الموقع ضمن قائمة الآثار بناء على القانون رقم 80.22 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات، وبناء على قرار وزارة الثقافة والاتصال القاضي بإجراء بحث عمومي حول إدراج الموقع الأثري "نول لمطة"، وبطلب تقييد تقدمت به جمعية المبادرات المواطنة في سنة 2015. وبحسب القرار الصادر بالجريدة الرسمية للمملكة في شهر مارس الماضي، فإن هذا الموقع الأثري مجزأ إلى منطقتين محددتين: المنطقة "C35" مساحتها 67 هكتارا، والمنطقة "C41" مساحتها 120 هكتارا. وأكد المدير الجهوي للثقافة بكلميم وادنون، عمر بن سعيد، في تصريح صحافي، أن تقييد المواقع الأثرية يمنح حماية قانونية لها ويميزها عن باقي المواقع، معتبرا أن تقييد موقع نول لمطة في عداد الآثار سيساهم في الحماية القانونية له ومنحه أفضلية بخصوص برامج الترميم والإصلاح المبرمجة من طرف وزارة الشباب والثقافة والتواصل. من جهته، أكد المحافظ الجهوي للتراث الثقافي بالمديرية الجهوية للثقافة، نور الدين ازديدات، أن موقع تاريخ نول لمطة يعود إلى الفترة الوسيطية، وبالضبط في عهد المرابطين، مشيرا إلى أن وزارة الشباب والثقافة والتواصل قامت بمجموعة من الأبحاث الأثرية بهذا الموقع منذ 1992 حيث أثبتت الحفريات الحمولة والقيمة التاريخية والأثرية لهذا الموقع، خاصة وأنه يضم مباني عدة، منها حصن "أكويدير" و(دار السكة). وأبرز أن ترتيب هذا الموقع الأثري في عداد الآثار ستكون له قيمة قانونية من خلال حمايته من أي تخريب أو بناء عشوائي، بالإضافة إلى قيمة مادية من خلال عمليات الترميم والإصلاح عبر شراكات. من جانبه، قال مبارك موتيق، رئيس جمعية المبادرات المواطنة، إن نول لمطة هي مدينة وسيطية عرفت ازدهارا في عهد المرابطين، وكانت تعد أحد أهم المراكز التجارية وآخر منطقة حضرية في اتجاه الصحراء حيث كانت تضم تجمعا سكنيا كبيرا ودارا للسكة. وأبرز أن جمعيته اشتغلت منذ 2015 على ملف ترتيب هذا الموقع الأثري في عداد الآثار الوطنية، وهو ما تحقق هذه السنة، مما يضمن الحماية القانونية له والمحافظة عليه وحمايته من التخريب ومن موجة البناء التي تعرفها المنطقة، مضيفا أن هذا التقييد هو خطوة ستمكن الموقع الأثري من فرص التثمين والتعريف به وطنيا ودوليا، وبالتالي المساهمة في خلق الثروة للساكنة المحلية. وكشف موتيق أن الجمعية بصدد إنشاء متحف خاص بهذا الموقع الأثري يضم مجموعة من المعلومات والوثائق والموجودات المتحصل عليها من عمليات الحفريات والتنقيب التي قامت بها بعثات أثرية مغربية فرنسية، وذلك من أجل وضعها رهن إشارة الزوار.