أفاد مشروع المرسوم بالمصادقة على الأرقام المحددة بها عدد السكان القانونيين للمملكة أن عددهم، حسب الإحصاء الأخير الذي جرى برسم سنة 2024، ناهز 36.828.330 نسمة، بزيادة بلغت 8.80%، وأن عدد الأسر بلغ 9.275.038 أسرة، بزيادة نسبتها 26.80% مقارنة بإحصاء 2014. وفي انتظار أن تقوم المندوبية السامية للتخطيط بتعميم تفاصيل النتائج والمعطيات المتعلقة بالإحصاء، بعد مصادقة الحكومة على المرسوم المشار إليه، يهمنا الوقوف عند بعض دلالات الزيادة الملحوظة في عدد الأسر المغربية وإسقاطاتها. لعل أهم الاستنتاجات الناطقة ترتبط بمعدل عدد أفراد الأسرة الذي يقارب 4، وهو ناتج قسمة عدد السكان على عدد الأسر (37 مليون نسمة / 10 مليون = 3.7). وهذا مؤشر له دلالات كثيرة، اعتباراً للتطورات التي عرفتها الأسرة ومفهومها في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى والتغيرات الجارفة التي يشهدها عالم التواصل والقيم والحريات الخاصة والعامة، التي تهدد المفهوم الأسري، إذا لم تكن قد عصفت فعلاً ببعض مرتكزاته. ويجدر بنا، تأسيساً على ذلك، التذكير أولاً بمقتضيات الفصل 32 من الدستور الذي نص: "على أن الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع. ومن أجل ضمان وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها فمن الواجب على الدولة ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة بمقتضى القانون. كما تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي، والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية. والتعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة. يحدث مجلس استشاري للأسرة والطفولة..." كما أن مدونة الأسرة نصت في الفصل 400 على أن الاجتهاد يجب أن يراعي تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف. في ضوء هذه المقتضيات الدستورية، ينبغي أن تفصح الاستنتاجات الرسمية التي يُفترض أن تُبنى على تفاصيل معطيات الإحصاء عن سياسات واختيارات متناسبة مع التزايد الملحوظ في تكوين الأسر في العشرية الأخيرة (26.8%). ولا شك أن التحيين المتوقع في قواعد مدونة الأسرة من شأنه أن يأخذ هذا المعطى الإحصائي بعين الاعتبار، كما لن تستقيم أي قراءة موضوعية لتلك الزيادة دون استحضار مختلف مظاهر التحديات والأزمات التي تواجه الأسرة المغربية (ظروف وشروط العيش الكريم ارتباطاً بقضايا التعليم والصحة والسكن وضمان الأمن الاجتماعي والروحي، مشاكل التربية وتدريس الأبناء، إشكالية البطالة، نسب العزوف عن الزواج وأسبابه وانعكاساته، ظواهر تفتت الأسر بالطلاق الفعلي أو الافتراق الصامت الذي يفتك بالعديد منها ويهدد مصير الأبناء ومخلفاته النفسية والاجتماعية الخطيرة، أوضاع الإعاقة الجسدية، وكبار السن والمتقاعدين...). تلك بعض القضايا الجوهرية التي ينبغي في ضوئها التعامل مع معطيات الإحصاء في شموليتها، وتلك المتعلقة بالأسرة المغربية على وجه الخصوص.