"تازة قبل غزة"، عبارة صحيحة مليحة، لا يمكن أن يختلف حولها مغربيان. لكن المياه الكثيرة التي جرت تحتها، حولتها إلى ماركة مسجلة لصالح الفئة القليلة التي تناصر العدو الصهيوني، والتي اختارت هذه العبارة شعارا للتمويه على أجندتها الخارجية، ومواقفها الشاردة حول قضية عليها إجماع المغاربة منذ ظهرت على مسرح الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فقد اختارت هذه الفئة رفع هذه العبارة/ الشعار الذي يحيل ، ظاهريا، على معنىً سليم، لا غبار عليه، وهو ترتيب أولويات المغاربة الحضارية، والإنسانية، والسياسية، والترابية، بتقديم القضايا الوطنية على القضايا الخارجية، مع عدم الإشاحة عن هذه الأخيرة، من أجل توهيم المغاربة أنها تناصر، كذلك، غزة، وإن بالقصد التابع كما يقول علماء الأصول. لكن هذا الادعاء يتعارض بالكلية مع مواقفها المعلنة عن القضية، والتي تناصر فيها حق العدو في الأرض المقدسة، وتهاجم المقاومة، وتنعتها بالإرهاب، والهمجية؛ بل وترفع شعارا أكثر وضوحا وتعبيرا عن الموقف من القضية، والعدو، حينما تحدد صفها بوضوح لا يقبل التأويل؛ فتقول:" كلنا إسرائيليون" !!. الأمر الذي جعل مناصري القضية يحيلون مفهوم هذه العبارة/ الشعار على مروق هذه الفئة، ويهاجمونه من منطلق صدوره عنها. لقد عاش المغاربة منذ قرون شعبا يناصر القضايا الإسلامية والإنسانية، ويعتبرها قضاياه. إذ ساند الكثير من قضايا المسلمين في فلسطين، وبورما، وأفغانستان،... إن بالمال، أو التظاهر، أو المشاركة الفعلية عبر وحدات عسكرية، كما وقع في القدس مع الناصر صلاح الدين، وفي سيناء، والجولان، وجنوب إفريقيا، وحتى في الهند الصينية،.. فلم نسمع، أبدا وقط، بمن يرفع شعار :" تازة قبل..." . فما الذي استجد اليوم حتى يثار كل هذا اللغط حول موقف مشرف يسجله المغاربة مع إخوانهم الفلسطينيين. في الوقت الذي توقف العالم يتفرج على مذابح، وإبادات لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية المقروء؟ !. ألم يكن من الأحرى على من يهاجمون المغاربة الأحرار الذين يساندون قضايا العالم التحررية، أن يرفعوا القبعات لمن شرَّفهم أمام العالم، وجعل منهم شعبا يذكر في مواقع النخوة، ومواقف العزة والإباء؟!. نعم، إن للمغاربة أولوياتهم الوطنية التي لا يجادل حولها أحد. ولكن لهم، كذلك، أولوياتهم الإقليمية والعربية والإسلامية. فكون للمغربي أولوية وطنية (تازة)، لا يحرمه البتة أن تكون له أولوية/ أولويات خارج الحدود؛ توازيا لا تمايزا ! فهذه طينة المغاربة الأصيلة، وهذه قلوبهم الكبيرة التي تتسع لحب الوطن، كما تتسع لنصرة المستضعفين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ سواء بسواء !. "تازة قبل غزة"، هي ذاتها، بالمقصود إياه، توازي: " تازة مع غزة". فالمغربي الحر الأصيل، يرتب أولوياته الوطنية، كما يرتب أولوياته الخارجية التي يفرضها عليه دينه، وإنسانيته، دون تمييز ولا تفضيل. فسلم الأولويات الوطنية حاضر بقوة في أجندة المغربي الوطني الحر الأصيل، ولا يقدمها على شيء من مصالحه الواقعة أو المتوقعة. فهذه الأولويات حاكمة وغيرها محكومة، وهي راجحة وغيرها مرجوحة، وإذا تعارضت مع سواها من أولويات شخصية أو خارجية، قدمها ولم يتردد. ومتى انتفى التعارض أخذت كل أولوية مكانها الطبيعي. فيدافع عن وحدة بلاده الوطنية، بنفس الزخم الذي يدافع به عن وحدة وأرض الشعب الفلسطيني المستضعف. ولا مشاحة في النصرة والاستنصار!. إن قضايا الوطن والأمة أكبر من أي صراعات اصطفافية تحيل المجتمع إلى كنتونات متصارعة. فالمفروض أن تتراصَّ الصفوف، وتتحد الأهداف، وتجتمع الآراء على كلمة وموقف سواء، إذا تعلق الأمر بقضايا الأمة. ويبقى المعترك الفكري، والسياسي، والأيديولوجي، مجالا رحبا للاختلاف، وموطنا خصبا للصراع المؤسسي. فمن رفع شعار :" تازة قبل غزة" أصاب. ومن رفع شعار :" تازة مع غزة" أصاب كذلك. وتبقى المواقف المصروفة في ساحة التدافع السياسي، والفكري، والأيديولوجي هي التي ستحكُم على مدى صِدقيَّة هذا الطرف أو ذاك فيما يرفعه من شعار. دمتم على وطن.. !