في قلب الضفة الغربية، بين رام الله وبيت لحم، تمضي إسرائيل في غرز مسمارها الأطول في نعش الدولة الفلسطينية: مشروع استيطاني في منطقة "E1′′، وُصِفَ منذ عقودٍ ب"الخطر الأحمر" على أي فرصة لقيام دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا. اليوم، يخرج وزير المالية المتطرِّف، بتسلئيل سموتريتش، ليعلن بفخرٍ أن الخطة تمضي قدمًا، وأن العالم سيتلقى الرد "على الأرض" لا في المؤتمرات. المسألة تتجاوز وحدات الإسكان الجديدة؛ إنها عملية جراحية جغرافية تفصل شمال الضفة عن جنوبها، وتحيل الحركة الفلسطينية بين مدينتين أساسيتين إلى رحلةٍ مهينةٍ عبر الحواجز والالتفافات، وتقطع الشريان الأخير الذي يبقي حلم السيادة حيًا. المشروع يجسِّد رؤية "إسرائيل الكبرى" التي تتوسع بلا توقف، تلتهم ما تبقَّى من الأرض شبرًا شبرًا، وتحوِّل الضفة إلى جُزُرٍ معزولةٍ تحت رحمة المستوطنات. الرسالة التي يوجِّهها سموتريتش ونتنياهو للعالم واضحة: "تريدون الاعتراف بدولة فلسطين؟ على الخرائط لم تعد موجودة!". سياسة فرض الأمر الواقع تتقدَّم بلا هوادة، مدعومةً بصمتٍ دولي مريب، وتواطؤ أمريكي في عهد ترامب، وانكفاء عربي أقل من مستوى الكارثة الجارية. ما يحدث في "E1" يمثِّل فصلًا من حرب أعمق: حرب على الجغرافيا والتاريخ والذاكرة. اكتمال المشروع سيحوِّل أي حديث عن "حل الدولتين" إلى كذبة دبلوماسية تُرفع في بيانات القمم، ثم تُدفن تحت أساسات المستوطنات. خطورة الخطوة تكمن في حجمها وتوقيتها معًا. بينما العالم منشغل بحرب غزة وجرائم ممنهجة ضد المدنيين، تستغل حكومة اليمين المتطرِّف في إسرائيل انشغال العواصم الكبرى لتسريع الاستيطان، في سباق مع الزمن لابتلاع الأرض قبل أي ضغط دولي محتمل. تصريحات سموتريتش تترافق مع تصاعد عنف المستوطنين، وطرد الفلسطينيين من قراهم، وتوسيع الحواجز التي تخنق الحياة اليومية. المنظومة تعمل لهدف واحد: جعل الوجود الفلسطيني على أرضه أمرًا مستحيلًا، وتحويل "الضم الزاحف" إلى حقيقة ميدانية قبل أن يصبح نصًا قانونيًا. سيكتب المؤرخون — إن أُتِيحَ لهم — أن "E1" كانت لحظة فاصلة: اللحظة التي خلعت فيها إسرائيل آخر أقنعة "التسوية"، ووضعت العالم أمام خيارين لا ثالث لهما: القبول بالأبارتهايد المقنَّن، أو مواجهة دولة استعمارية تعلن جهارًا أنها فوق القانون الدولي. السؤال يبقى معلَّقًا: هل يتحرك المجتمع الدولي قبل أن تدفن الجرَّافات آخر ذرة من حلم الدولة الفلسطينية، أم يكتفي ببياناتٍ تذروها الرياح بينما الخرائط يُعاد رسمها بالقوة على أرض فلسطين المحتلة؟