يبدو أن الجزائر دخلت أخيرا بشكل رسمي إلى مجال صناعة "الضغط الوهمي"، إذ أعلنت عن اختراعها ل"كوكوط" وطنية الصنع في منتصف غشت 2025 في عز الحر، رغم أن هذه الآنية المنزلية، تمت صناعتها أول مرة في سنة 1679 ميلادية من طرف مخترع فرنسي. كان من الممكن أن يدخل خبرٌ صناعة "الكوكوط" في خانة الطرائف الاقتصادية لولا أن "الضغط" – في قاموس النظام الجزائري – ليس مفهوما ميكانيكيا، بل هو هواية سياسية قديمة، وتحديدا في ملف الصحراء المغربية. منذ نصف قرن، والنظام الجزائري يعيش داخل "طنجرة ضغط" دبلوماسية، يحاول إحكام غطائها على المغرب، لكن النتيجة دائما واحدة، وقد أضحت اليوم كل الدول تعرفها و هي .. أي النتيجة : بخار متبخر، وصفارة لا فائدة منها و وجبة فشل محترقة المكونات بدون ماء، تبعث على الغثيان. لقد جرب النظام العسكري كل المقادير و الوصفات، من تمويل الانفصاليين، إلى تنفيذ حملات إعلامية لمحاولة تشويه صورة المغرب وطمس الحقائق، مع الإصرار على شراء الذمم للحصول على المساندة الدولية وصرف ملايير الدولارات من أموال الشعب على البوليساريو، ولكن، وكما يعرف أي طباخ مبتدئ، إذا كانت المكونات فاسدة وغير سليمة، فالضغط لن يحول الوجبة السياسية إلى طبق شهي، بل ستنقلب الوليمة إلى كارثة في المطبخ الدبلوماسي ونكبات فوق مائدة السياسة الخارجية. بعد أن اعترفت الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا وإسبانيا بمغربية الصحراء، وتبعتها دول من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، لم يعد ممكنا إخفاء الصوت المكتوم لصفارة النظام الجزائري، فرغم أن "الكوكوطة" السياسية الجزائرية تصفر في كل الجهات، فقد صار لزاما على النظام أن يبحث عن نموذج آخر للضغط، و ربما ضغط الحمص أو العدس والدقيق والحليب، بدل الضغط على خريطة المغرب، فعلى الأقل سيتذكر النظام الجزائري العسكري، أن هذه المواد الغذائية الأساسية، هي التي يقف الجزائريون في طوابير للحصول عليها، لعل المتحكمين في صنبور ميزانية الدولة، يقررون الاهتمام بمشاكل البلاد الداخلية عوض الدخول في قضية خاسرة، منذ صرفهم لأول دولار، للتضييق على الوحدة الترابية للمملكة المغربية. على عكس ما قد يتصور البعض، فكرة طنجرة الضغط المعروفة بعبارة "الكوكوط" الفرنسية، ليست من اختراع وزارة الصناعة الجزائرية أو شخص من العالم الآخر، ولا حتى من لجنة أبحاث "الابتكارات الخيالية". القصة بدأت سنة 1679 في فرنسا، حين ابتكر الفيزيائي والمخترع دينيس بابان (Denis Papin) وعاء محكما أطلق عليه اسم "Digesteur" أو "الهاضم البخاري"، بطريقة استخدام ضغط البخار لتسريع الطهي، وكما هو معلوم فالحاجة أم الاختراع، لذلك وجب التذكير بأن الهدف كان حينها هو جعل اللحوم القاسية طرية في أقل مدة زمنية ممكنة، لكن، مثل كل الابتكارات، بدأت الحكاية بانبهار وانتهت بوجع الرأس، فقد كان على المخترع أن يقنع الناس بأن الطنجرة لن تنفجر في وجوههم، وهو الأمر الذي لم ينجح فيه بسهولة، فعندما عرض اختراعه لأول مرة، كان الناس خائفين من انفجار الإناء بسبب قوة الضغط، فاضطر لابتكار صمام أمان _ وهي نفس الفكرة الموجودة في "كوكوط" اليوم _، وبفضل صمام الأمان حصل هذا المخترع الفرنسي على براءة اختراع سنة 1681. حاول المخترع "بابان" السيطرة على الضغط في وعاء معدني صغير، والنظام الجزائري يحاول السيطرة على ملف أكبر من الدولة والزمرة الحاكمة بنفسها، الفرق أن "بابان" نجح في النهاية، بينما الجزائر أهدرت نصف قرن من الطهي الدبلوماسي ولم تنتج سوى "مرقة سياسية" لا يريد أحد تذوقها، لأنها لن تمر بسهولة من حلق صناع القرار بالبلد الجار ولا يستطيعون هضمهما. إن الفرق الأهم، أن "بابان" كان يعرف متى يوقف النار، بينما النظام الجزائري استمر في رفع الحرارة بلا توقف، حتى صارت الطنجرة مهددة بالانفجار في وجهه، بعد أن فقد الدعم الدولي وتقلصت دائرة المؤيدين. في المقابل، كانت الدبلوماسية المغربية تعمل بهدوء، بأسلوب طاهٍ محترف، يعرف متى يضيف الملح، ومتى يخفف النار، ومتى يقدم الطبق بابتسامة واثقة. تحت قيادة الملك محمد السادس، اعتمد المغرب سياسة اليد الممدودة والحنكة الاستراتيجية، فلم يسقط في فخ الانفعال ولا في لعبة الاستفزازات، بل راهن على بناء تحالفات اقتصادية وسياسية قوية، واستثمر في العمق الإفريقي، وعزز حضوره في المنتديات الدولية. وفق مصادر متعددة، تضخ الجزائر سنويا حوالى مليار دولار لدعم جبهة البوليساريو الانفصالية، منها نحو 500 مليون دولار لما يطلقون عليه الدفاع العسكري، بالإضافة إلى 250 مليون دولار للأنشطة الدبلوماسية، وأكثر من 50 مليون دولار لتغطية الخدمات الأساسية من غاز وكهرباء وغيرهما، فضلا عن ملايين إضافية تغطي ما يُسمّى "مصاريف الرئيس الوهمي"، الذي ينسجم أسمه مع ارتفاع كلفة احتضانه من طرف المتحكمين في دهاليز النظام الحاكم .. وهو غالي، "الغالي" فعلا على جيوب الشعب الجزائري. اليوم، المملكة المغربية تقطف ثمار عملها الدبلوماسي الرزين، بفضل اعترافات دولية، و افتتاح قنصليات في مدن الصحراء المغربية كالعيون والداخلة، وبناء علاقات متينة مع قوى عالمية كبرى، بينما النظام الجزائري ما زال يجلس بجانب "الكوكوط" يحاول إصلاح صفارتها، وقد يقولون أن "فوزي لقدجع" بأضافة حرف الدال قبل حرف الجيم، هو سبب عطب الصفارة، إذ يمكن أن تختلط عندهم صفارة "الكوكوط" مع صفارة حكام كرة القدم.