ما يقع اليوم في جل بقاع العالم ومنه الحرب "الروسية/الأوكرانية"، والحرب التجارية بين القوتين الصينوأمريكا، والإبادة الجماعية والتقتيل والتهجير القسري للإنسان الفلسطيني من أرض غزة، يعني شيئا واحدا مضمونه أنّ العالم، وخاصة منه الشرق الأوسط، يراد له أن يخضع لتغيير قسري مدروس قبليا من لدن القوة الدولية العظمى، الولاياتالمتحدةالأمريكية. والهدف من هذا التغيير الجذري تحقيق مصالح هذه القوة، الاقتصادية الآنية والمستقبلية وأبعادها الاستراتيجية. وما يهمنا في هذه الورقة هو اقتسام المعلومات حول ما يسمى رؤية "هيمنة المركز الواحد"، والقصد هيمنة الولاياتالمتحدةالأمريكية على المناطق التي تستهدفها عالميا، ومن أهمها منطقة الشرق الأوسط لأنها تؤدي أدوارا محورية في العلاقات الدولية. أوضح المفكّر والسوسيولوجي المصري أنور عبد الملك (1924-2012) هذه الرؤية الأمريكية الصرفة بشكل مستفيض، وذلك في كتابه "تغيير العالم" الصادر عن مجلة "عالم المعرفة" في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. وهو كتاب جدير بإعادة قراءته. فما هي رؤية "هيمنة المركز الواحد"؟ وما هي مضامينها وثوابتها وأهداف وأبعاد الدعاة إليها؟ في ضوء ما أوضحه مؤلّف هذا الكتاب المرجعي. وسأوضّح بعد ملامسة الجواب عن هذه الأسئلة كيف أن النظرة المستقبلية لهذا المفكر تحققت والقصد خضوع العالم إلى تغيير قسري عندما تفرّدت الولاياتالمتحدةالأمريكية بزعامته منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي. قبل مباشرة ما قدّمه المؤلّف حول هذه الرؤية. يفيد التصفّح في بعض المواقع والمعاجم في تسجيل ما يلي: تعني كلمة "الرؤية" في اللغة، الإدراك بالبصر في اليقظة. وهي تعرّف في مجالات الاقتصاد والإدارة والأعمال بأنها الصورة الذهنية للغايات المنشودة، أي تحديد الاتجاه المستقبلي للمؤسسة/ للمنظمة، وتصوّر لما تطمح إليه في المستقبل البعيد. وبناء عليه، يمكننا القول إن رؤية "هيمنة المركز الواحد" تعني من بين ما تعنيه تلك التصورات أو التوجهات لما ينبغي أن يكون عليه العالم مستقبلا في منظور صناعها والدعاة إليها، لبلوغ غاياتهم وطموحاتهم المنشودة عالميا على المستويات الاقتصادية والسياسية والجغرافية والثقافية حتى ولو اقتضى الأمر تغيير الديمغرافية بواسطة الحرب بالوكالة كما هو الشأن الآن في غزة. اليوم هو المستقبل بالنسبة للأمس... في منظور أنور عبد الملك، إلى حدود منتصف الثمانينيات، مرّ العالم بثلاث مراحل التالية: المرحلة الأولى، التقليدية: وهي المبتدئة من الأزمة العالمية الكبرى (1929 – 1932)، ساد خلالها الاعتقاد أن الأزمة ذات طبيعة اقتصادية صرفة، ولذلك ساد التحليل الاقتصادي لها. وقد استمرت الإشكالية التقليدية، أي الإشكالية الاقتصادية، من 1929 إلى 1973. المرحلة الثانية: من 1973 إلى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وخلالها ظهر المستوى الثاني لطرح إشكالية الشعور بالأزمة العالمية، وهو المستوى السياسي. واقتضى هذا الأمر حسب أنور عبد الملك القيام بإقناع دائرة واسعة في مجالات السياسة والإعلام والرأي العام بأن العامل الاقتصادي لا يكفي. وبهذا الصدد، أدى التحول من التحليل الاقتصادي إلى التحليل السياسي إلى أن اتجهت الأنظار إلى معالجة تفاقم الصراع العالمي وتصعيد التوتر إلى مستوى الحرب النووية التي تفني البشرية على المستوى السياسي في المقام الأول. وذلك لأن القرار السياسي هو الذي دفع بالولاياتالمتحدة إلى التحدي النووي، مما اضطر دولة الاتحاد السوفييتي (بالتسمية السابقة) إلى مواجهتها ثم مواكبتها. ودون الدخول في المزيد من التفاصيل التي قدّمها أنور عبد الملك حول الصراع بين هاتين القوتين، دعنا نسجل أن المرحلة الثانية هي مرحلة التناول السياسي للأزمة، والقصد مرحلة أولوية ما هو سياسي. المرحلة الثالثة: من نهاية السبعينيات وطيلة الثمانينيات من القرن الماضي، وخلالها تراكمت أحداث من نوع جديد من أهمها: الثورة الإيرانية (1978/1979)، وتشتت الصف العربي بعد اتفاقية "كامبد ديفيد" في 1978، وتصاعد الأصولية في العالم (...). ونسجّل تداخل المرحلتين الثانية والثالثة. وقد ذهب أنور عبد الملك إلى أنّ مجموعة من الأحداث تراكمت ذات طبيعة غير اقتصادية أو مالية. وهي ظواهر جديدة آنذاك لم تكن في حسبان التحليل الاقتصادي، إذ إنها من طراز يبدو كأنه لا يمتّ بصلة إلى "التنمية" و"الأزمة" التي كانت تزعم الدول الغربية المتقدمة أنها موجودة آنذاك. وقد بدأت تتبدّى صور غريبة في العالم: تراكم الثروة والبذخ، تزايد الاستهلاك باطراد في جو يمتزج بموت الملايين وظهور نزعات قيل إنها انتهت ولا عودة إليها. وبدأت تطرح من جديد التساؤلات الفلسفية الرئيسية. وعاد الإيمان بشكل قوي وجها لوجه مع انتشار التفكير العدمي والتفكير الخلقي وتفكيك عرى المؤسسات الاجتماعية والإنسانية الثابتة في المجتمعات الصناعية. إنّ هذا الخليط الغريب هو الذي دفع أنور عبد الملك، ويدفع اليوم في نظري، إلى طرح الأسئلة "القديمة-الآنية" التالية: أنحن نعيش بداية انحدار أم بداية حياة وعالم جديدين؟ هل يتعلق الأمر بأزمة عالمية من نوع جديد أم يتعلق بظاهرة جدلية مركبة تتعدى مستوى الأزمة؟ ماذا لو أنّ الأزمة المزعومة هي في واقع الأمر عملية "تغيير العالم"؟ في منظور أنور عبد الملك، لو كان الأمر كذلك فلا غرابة في شمول الظاهرة وتشابكها وترابطها الداخلي العضوي رغم التناقضات، أو من خلال هذه التناقضات على وجه التحديد. ولنا أن نتساءل مع القارئ (ة): ما هي إذن طبيعة هذه الأزمة؟ قدّم هذا السوسيولوجي جواب عالم مستقبليات من وزن عالم المستقبليات المغربي المهدي المنجرة مؤلّف كتاب "الحرب الحضارية الأولى" (1991)، وهو التالي دون تصرّف حفاظا على الأمانة الإعلامية: "الأزمة ليست اقتصادية ولا سياسية في المقام الأول، إنها أزمة شاملة أي أزمة حضارية، أزمة النمط الحضاري المهيمن منذ القرن الخامس عشر الميلادي (...)". واسترسل أنور عبد الملك في شرحه مضيفا لقد كان ذلك بمثابة انتقال متعجل من الطرح الاقتصادي إلى الطرح السياسي، ثم إلى الطرح العام، أي الطرح الحضاري. وذلك لمّا ظهر أولا أن الأمر يتعلق بأزمة، وهو في واقع الأمر عملية تغيير العالم. لقد تراكمت مظاهر الأزمة الاقتصادية أو بالأحرى تأزم عملية التطور الاقتصادي في المجتمعات المتقدمة متخذة صورة التباطؤ، واتخذت في المجتمعات النامية صورة أشد قسوة بدءا من الديون، والمجاعة، وازدياد هوة التفاوتات بين مستواها العام ومستوى الدول المتقدمة المهيمنة. كما اشتدت مظاهر الأزمة السياسية خاصة في مستوى العلاقات الدولية نظرا للتهديد النووي. وتشابك البعدان الاقتصادي والسياسي مع البعد الحضاري في كافة المجتمعات. ودون الدخول في تفاصيل الحروب بين القوتين العالميتين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفييتي سابقا، فما يمكن قوله إنّ هذا الصراع انتهى مع سقوط جدار برلين في نونبر 1989 بالانتصار بالنقط لفائدة القوة الأمريكية التي تفرّدت بزعامة العالم منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي. فماذا عن المرحلة من بداية التسعينيات حتى الآن؟ بناء على ما تقدم وما سيأتي أيضا، يمكن القول إنّ العالم ولج المرحلة الرابعة منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي. ذلك ما سأحاول توضيحه دون ادعاء بامتلاك حقيقة الفهم. إنّ ما حدث ويحدث منذ بداية هبوب رياح وعواصف العولمة في بداية التسعينيات من القرن الماضي هو تنزيل مكثف وسريع لرؤية "هيمنة المركز الواحد" باسم العولمة. ولنا أن نتفحّص بعجالة المشترك بين الرؤيتين: رؤية "العولمة" ورؤية "هيمنة المركز الواحد"، لنرى هل يتعلق الأمر فعلا برؤيتين أم إنّ العولمة ما هي إلاّ الوجه الظاهر لرؤية "هيمنة المركز الواحد". رؤية هيمنة المركز الواحد... ذهب أنور عبد الملك في كتابه "تغيير العالم" إلى أنّ الحرب الباردة التي أحياها الرئيس الأمريكي "رونالد ريغان" (R.Reagan) منذ توليه الرئاسة الأولى في 20 يناير 1981 وأكّدها أثناء رئاسته الثانية المنتهية في 20 يناير 1989، بيّنت بوضوح ما يلي: – أن الطبقة السياسية والجماهير الواسعة في أمريكا تؤمن بشكل أساسي بما يمكن تسميته "منطق أولوية الاقتصاد". – ولأن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي أكبر قوة اقتصادية في العالم، فإنّ من حقّها أيضا أن تمارس دورا متفردا في الحياة العالمية، أي أن تتفرد بمزايا وحقوق وصلاحيات في التصرّف والمبادرة وألّا تشاركها فيها أية دولة أخرى. وفي عهد الرئيس "ريغان" تمثل الحلم الأمريكي في تحقيق الأهداف الثلاثة التالية: – سيادة "منطق أولوية الاقتصاد". – التأثير المهيمن للاقتصاد الأمريكي على السوق العالمية. – خلق إطار جديد لمفهوم عالمية العالم يمكّن أمريكا من الانتقال من الحلم إلى الواقع. كما أن العديد من الأصوات التي ارتفعت في الغرب الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية أكّدت أن هذه العملية تمثل المضمون الجديد ل "تغيير العالم". إنّ تغيير العالم بناء على ما تقدم، يرجع إلى أن دعاة هذه الرؤية مؤمنون بأنه من الإنصاف أن تتفرّد الولاياتالمتحدةالأمريكية بزعامة العالم لأنها القوة الاقتصادية الأولى في العالم. ومن ناحية ثانية إنّ هذا التغيير في نظرهم لا يكمن في السعي إلى إقامة نظام عالمي جديد أكثر عدلا ومساواة، وإلى إقامة أنظمة إنتاج وتوزيع للمنتجات والمحاصيل أكثر إنسانية وأكثر حرصا على سعادة الجماهير الواسعة في مختلف القارات. إنّ "تغيير العالم" من وجهة نظرهم، يعني إلغاء النظام العالمي غير الواقعي. فكيف أن النظام العالمي "غير واقعي" في نظرهم؟ يجيبون، إن النظام العالمي "غير واقعي" لأنه يفترض أن مجموعة "الدول الوطنية"، وهي الوحدات التي تنتظم فيها حياة المجتمعات البشرية، تشكّل مجموعة من الوحدات المتساوية من حيث القانون الدولي، أي من حيث الحقوق والواجبات حسب ميثاق الأممالمتحدة الذي هو الوريث التاريخي لإعلان حقوق الإنسان. ولماذا يجب إلغاء هذه المساواة بين الدول؟ في منظورهم، إنّ النظام العالمي غير واقعي لأنه تنكّر لأولوية الاقتصاد التي جعلت الولاياتالمتحدةالأمريكية الدولة الأولى من حيث الإنتاج والاستهلاك والتبادل، لذلك لا بد من إعادة النظر فيه. ولا بد إذن من تغيير هذا النظام حتى مع الافتراض أن التوازن الاستراتيجي النووي يضطر الولاياتالمتحدة إلى التحرك بحرص من حيث السيطرة الميدانية على المناطق والدول التي يرونها لازمة لأمنهم وتوسعهم وثرائهم. وفي نظر هؤلاء، إذا كانت السوق العالمية تسودها قوى مختلفة فمركزها الأقوى الذي لا جدال فيه هو مركز الاقتصاد الأمريكي الذي يجب أن يعمل من خلال الدولة، وفي المقام الأول من خلال: الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات، والمصاريف والشركات المالية الضخمة التي تحيط بها وتساندها... ومن خلال هذه العملية الكبرى، يتشكّل نظام عالمي جديد، أي نظام هيمنة المركز الواحد. ومن حوله "الوحدات، أي الدول الوطنية" بمختلف أنظمتها. وعلى هذه "الدول الوطنية" إذا أرادت أن تستمر في ركب التنمية أن تتمثل بمعاني النمط السائد، وهي عملية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا: انزوت خصوصيات المجتمعات، والقوميات، والثقافات، والحضارات (...) لتحل محلها عملية التقليد، ليس فقط بنقل العلم والتكنولوجيا، ولا حتى بنقل المعرفة، وإنما المسألة في الأساس هي بطبع المجتمع الوطني بالطابع الخارجي، أي بطابع مجتمع دولة الهيمنة المركزية الواحدة. إنه الحصر النمطي بكل معاني هذه الكلمة، بدايته كما قال المفكّر أنور عبد الملك التنكّر للذات الوطنية ونهايته القضاء على استقلال الأوطان وحرية الشعوب. رؤية العولمة... في التسعينيات من القرن الماضي، سوّقت أقلام كثيرة عربية لرؤية العولمة بالنيابة عن الدعاة إليها وصنّاعها. وسأقدم في السطور الآتية ما يبرز في تقديري أنها الوجه الظاهر لرؤية "هيمنة المركز الواحد" القديمة/الحديثة. أولا، حسب الفقيه السياسي عبد الهادي بوطالب فالتعبير الانجليزي "الشوملة" (Globalisation) أدق وأوسع فضاء، فهو يشير إلى عولمة شمولية كاملة لكل ما يتصل بالعالم إنسانا وأرضا، وعلاقات بشرية، وتعاملا في جميع مناحي الحياة، بدءا من شوملة الاقتصاد إلى شوملة الفكر والشعور والوجدان، مرورا بالهوية، والثقافات والخصوصيات وانتهاء إلى تنميط عيش الإنسان على نمط واحد (Standarisation). وهو ما رأيناه في الفقرة السابقة حيث عبّر عنه المفكر المصري أنور عبد الملك بالحصر النمطي بكل معاني هذه الكلمة، بدايته التنكّر للذات الوطنية ونهايته القضاء على استقلال الأوطان وحرية الشعوب. كما تعكس الشوملة في الإنجليزية حسب بوطالب نظرة استراتيجية، أي نظرة الاستراتيجيين الجيو-اقتصادية للنظام العالمي ككل، بوصف أن العالم يشكل وحدة شمولية مطلوب تنظيمها. ولنا أن نتساءل: من ينظّمها؟ والجواب تتضمنه رؤية "هيمنة المركز الواحد"، حيث كما سبق الذكر، في نظر الدعاة إليها، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي القوة الاقتصادية الأولى في العالم، ولذلك فهي التي لها الحقّ في أن تقوم بتنظيم العالم. ويجب على الدول الوطنية التي تريد أن تستمر في ركب التنمية أن تتمثل للشروط السالف ذكرها. ونستشف من ذلك أن القوة العظمى هي الوصية على باقي الدول في نظر دعاة هذه الرؤية. وتعني الشوملة إذن، يقول بوطالب، امتدادا لمسلسل يقيم عبر العالم اقتصادا متحررا هو: اقتصاد السوق. وهنا نستحضر أن السوق العالمية الموحّدة والهيمنة الضرورية للاقتصاد الأمريكي في السوق العالمية هما من ثوابت رؤية "هيمنة المركز الواحد". ونستشف من خلال ما كتبه بوطالب في دعوته إلى عولمة أكثر عدلا وإنسانية إلى أنّ مؤيدي العولمة والداعين إليها بقوة كانوا ومازالوا يرون أنه بمقتضى قانون الفائدة والربح وتكاثر الاستهلاك، فإن هذا الاقتصاد المتحرك الحر هو الذي يجمع العالم في وحدة تكاملية تصهر في بوتقتها كل ما يتصل بالإنسان والأرض، على أن يبلغ هذا التوحيد شأوه بتوحيد البشر على نمط واحد عيشا وفكرا وانتماء إلى القرية الكونية الواحدة التي يسود فيها قانون عالمي واحد. وحسب بوطالب كذلك، فقد مضى البعض في الحلم إلى حد جمع البشرية على دين واحد أخذت مجموعة دولية تحدّد تعاليمه وشريعته وشعائره، ووضعت لذلك مشروعا له طرحته على أنظار مكاتب الأممالمتحدة. وفي نظر منظري الشوملة يتحقق للإنسان التلاقي داخل القرية (الحجرة) الواحدة بفضل اتساع شبكة المواصلات وسرعة التواصل الإعلامي الآني، أو بانحسار متدرج للتشبث بالهويات والجنسيات، وبرفع حواجز الجوازات وإسقاط التأشيرات، وترسيخ عهد تقليص السيادات الوطنية، وترتيب الإعدادات المتخذة لتقويض الدولة الوطنية لفائدة سيادة التكتلات الجماعية الكبرى، وسيادة المنظمات الأممية، وسمو قوة القانون الدولي على القانون الداخلي، وإعطاء القوة القانونية الأسمى للشرعية الدولية. لكن ما حصل فعلا هو تقليص دور الدولة إلى درجة أن بعض التساؤلات أصبحت تفرض نفسها من قبيل: أين نحن من الدولة الضابطة؟ أية انعكاسات لانسحاب الدولة من الاقتصاد؟ من يحدد البرامج التعليمية؟ ما موقف الدولة من أزمة القيم؟... ختاما: نخلص من خلال ما تقدم إلى أن ما تعيشه الإنسانية في العالم منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، بعد غياب القطبية، هو تجسيد فعلي لرؤية "هيمنة المركز الواحد". وأنّ العولمة ما هي إلا الوجه الظاهر لهذه الرؤية. كما أن الحقيقة المخفية هي أن القوة العظمى، الولاياتالمتحدةالأمريكية، تريد إخضاع العالم لتغيير قسري انطلاقا من التغيير القسري لمنطقة الشرق الأوسط (وكذا أوكرانيا)، ولو اقتضى الأمر تغيير الخريطة السياسية والجغرافية والديمغرافية للمناطق المستهدفة. والمطلوب من دول منطقة الشرق الأوسط والدول العربية والإسلامية ككل بناء قوتها التفاوضية من خلال التكتلات الاقتصادية الواسعة والدبلوماسية الفعّالة، وإعادة بناء بيوتها من الداخل على أساس الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية، وتجاوز الخلافات السياسية بينها من خلال الحوار والوساطات العربية والإسلامية، وإعادة صياغة توازناتها الدولية، وتوحيد كلمتها السياسية تجاه القوى العظمى، وتحصين دفاعاتها. إنّ العلاقات الدولية مبنية على سياسة القوة. وما تأكّد من خلال الاعتداء الإسرائيلي على دولة قطر ذات السيادة وصمت أمريكا وقته هو: بدءا من الآن، إمّا أن نكون أو لا نكون. -إعلامي وباحث