إن مفهوم الديمقراطية ينطوي على تداول السلطة، ولهذه الغاية بالتحديد تعتمد مختلف الدساتير المقارنة القيم والمبادئ الديمقراطية كأساس للحكم ولممارسة السلطة. والمعلوم لدى الباحثين في المجال الدستوري أن اعتماد الدساتير لهذه القيم والمبادئ يترتب عليه آثار مباشرة على المنظومة القانونية ككل، سواء تعلق الأمر بالقوانين أو بالممارسات أو بالمعايير. في السياق المغربي، يتم التأكيد على القيم والمبادئ الديمقراطية في العديد من فصول الدستور، غير أن ما يبين الحرص الشديد على ضمان احترام هذه القيم والمبادئ هو جعلها جزءاً من "ثوابت الأمة"، والتي تتمثل في الدين الإسلامي وفي المؤسسة الملكية وفي الوحدة الترابية وفي "الاختيار الديمقراطي". إن التنصيص الدستوري على الاختيار الديمقراطي كثابت من ثوابت الأمة المغربية يترتب عليه بدوره آثار قانونية مهمة، حيث ينبغي اعتماد هذا الثابت على مستوى العملية التشريعية ككل، كما ينبغي اعتماده على مستوى الممارسة السياسية، وأخص هنا بالتحديد ممارسات الأحزاب السياسية المغربية. فإذا كانت القوانين الداخلية للأحزاب السياسية المغربية تتشبث، من الناحية النصية، بالقيم والمعايير الديمقراطية التي تعتبر من ثوابت الأمة كما يؤكد عليها الدستور المغربي، حيث تقر بضرورة تداول السلطة التنظيمية للحزب، إلا أنها من حيث التفعيل تقدم قراءات مغايرة للفهم الأصيل للديمقراطية، حيث يمكن أن تتذرع بحجج لإضفاء الطابع الديمقراطي على ممارسات تكون مشبوهة من الناحية الديمقراطية، كأن تقوم بتعديل قوانينها الداخلية حتى تتيح إمكانيات مخالفة للممارسة الديمقراطية، أو أن تتشبث بفكرة القاعدة الحزبية والقرارات التوافقية المؤطرة لها. والواقع أن محاولة إضفاء الطابع الديمقراطي على مثل هذه الممارسات تؤدي إلى أمرين اثنين: أولهما يتعلق بوظيفة القانون، فإذا كانت الغاية من القانون هي ترجمة القيم والمعايير الدستورية، فإنه في حال إقدام حزب سياسي على تعديل قانونه الداخلي حتى يتيح لأمينه العام إمكانية الحصول على ولاية رابعة أو خامسة أو سادسة...، تكون هذه مسألة تجعل القانون "وسيلة" لانتهاك القيم والمبادئ الدستورية. أما المسألة الثانية فهي ترتبط بتوجهات القاعدة الحزبية، حيث أن تبرير حصول أمين عام حزب سياسي معين على ولاية رابعة أو خامسة أو سادسة... بمبرر مرتبط بتوجهات القاعدة الحزبية، يتسبب في تقديم فهم مضلل وخاطئ للفهم الأصيل للديمقراطية. والواقع أن تقديم هذا التبرير يتسبب مرة أخرى في انتهاك القيم والمعايير الدستورية، بل والتحايل على ثوابت الأمة المتجسدة في "الاختيار الديمقراطي"، من خلال تقديم فهم مغاير للفهم الدستوري الرسمي للديمقراطية. إن الحاجة إلى تدارك هذه الممارسات، تتطلب تدخل مؤسسات الدولة وإشرافها على ضمان إعمال القيم والمعايير الدستورية، حتى وإن تعلق الأمر بالممارسات الداخلية للأحزاب السياسية، حيث أن الغاية من ذلك تكمن من جهة في ضمان احترام الدستور وسمو قيمه ومبادئه. ومن ناحية ثانية، فإن هذه الممارسات تحظى بعناية بعض المنظمات الدولية التي تعنى بالممارسة الديمقراطية، كمنظمة دار الحرية Freedom House، وتؤثر (أي الممارسات) على تصنيف الممارسة الديمقراطية ببلادنا. -أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بمراكش